مجتمع المال والأعمال الذي يخدم الغزاة والمحتلين!!

عن مزيد من قصص مجتمع المال والأعمال المصري، ودوره في الصياغة الجديدة لـ«القارة العربية»؛ منذ ما قبل غزو العراق، وأوكلت له مهام لا تقل خطورة عن مهام المحاربين والغزاة.. وكَشْف هذه الأدوار في الظروف الراهنة مهم بعد أن أسفر الرئيس دونالد ترامب عن وجهه المعادي لكل ما هو عربي ومسلم وعادل وإنساني، ومساعدته على استمرار الاقتتال العربي العربي، بجانب ما اتخذه من خطوات ضد العرب؛ والمسلمين وابتزازهم، والعمل على نهب ثرواتهم، ومنح نفسه حقا أشبه بـ«بحق القرصنة»، الذي يحصل به القرصان على ثمن ما يقوم به غصبا، وفي حالة ترامب عليه أن يتقاضى ثمن حماية الملوك والإمراء والشيوخ العرب والخليجيين من السقوط..
وبهذا الحق المزيف حصل ترامب على ما يقارب النصف تريليون دولار في زيارة واحدة للرياض العام الماضي، وحمل هدايا شخصية وعينية غالية الثمن فاقت الخيال، وقدرت بالملايين؛ قُدمت للعائلة والمرافقين، حتى أعماله العدوانية والعنصرية؛ كلها بمقابل، وهو المستفيد الأكبر منها، ولتل أبيب فيها نصيب الأسد..
وكأن ترامب لا يعلم أن القوات والقواعد الأمريكية في الجزيرة العربية والخليج قوات احتلال صريح؛ مدججة بأخطر أنواع الأسلحة التقليدية والاستراتيجية والصاروخية والنووية، ويديرها عسكريون وخبراء يُحْكمون قبضتهم على البلاد والعباد.. ويتولون إفقار كل بلد يحلون فيه. وهم من استنزفوا ثروات العراق وفوائضه واحتياطيه من الذهب والمعادن النفيسة، وسرقوا آثاره وتراثه، وكان البلد الأغنى؛ بالماء والطاقة والمعادن والقوى البشرية المتميزة.
ووصلت عنصرية ترامب حد فرض القدس عاصمة للدولة الصهيونية، وفي ذلك عدوان على مقدسات وحقوق شعوب وأعراق وأجناس وأديان؛ عرب ومسلمين ومسيحيين، وأناس غيرهم من الشرق والغرب، ومن الشمال والجنوب، وفي القلب منهم فلسطينيو الداخل والشتات، وتعلقهم الروحي والثقافي والتاريخي بهذه البقعة المقدسة، وكل هؤلاء يُقدر عددهم بمئات الملايين؛ موزعون على اتساع العالم.
وإذا كان ذلك يحدث بالإرغام ممن لا يقيم وزنا لشيء؛ فإنه يُقابل بإذعان من عرب ضعفاء؛ يقاتل بعضهم بعضا، والغُنْم دائما من نصيب الحركة الصهيونية والفاشية الأمريكية، ويحرص مجتمع المال والأعمال المصري على نصرتهما وخدمتهما، فتضخمت ثرواته نتيجة خدمات فاقت الحد.. وأضحت وظيفته متكافئة مع وظيفة الدولة الصهيونية، مع فوارق الأحجام والظروف، ومجتمع المال والأعمال المصري يعي وظيفة الدولة الصهيونية في تقويض «القارة العربية»، ويساهم في ذلك.
وبعد تجربة تاريخية طويلة وعريضة يتضح أن حاضر «القارة العربية» ومستقبلها مجهول، وإذا ما استمر وضعها على هذا المستوى المتردي، فالمشروع الصهيوني سيكتمل، وينتهي الحديث عن أي مستقبل، وتؤول الأراضي المغتصبة والمُسْتَولى عليها؛ بما عليها من عمران وبما في جوفها من نفط وغاز ومعادن؛ تؤول إلى المستوطنين الصهاينة، وبذلك يستمر مسلسل الإفناء الدوري الممنهج، وإحياء نموذج المستوطن الأبيض في تعامله مع الهنود الحمر؛ بالتطهير العرقي والتهجير القسري، وبذلك تتوسع الامبراطورية الصهيونية وتكتمل، وقد قطعت شوطا طويلا في إبادة العرب، ومن السهل رصد ذلك في فلسطين والعراق وسوريا واليمن ولبنان والخليج ومناطق الأطراف في القرن الإفريقي وباب المندب وخليج هرمز.‪ ‬
لقد تجاوز الرئيس الأمريكي الحدود التي تسمح له بالتراجع؛ بعد أن بالغ في حشد كل جماعات الضغط الصهيونية وتمكن من تمرير قرار الكونغرس؛ الخاص بالدعم المالي المقدم لتل أبيب؛ الشهر الماضي بقيمة 38 مليار دولار على عشر سنوات؛ وتم تحصين القرار بتشريع يمنع أي رئيس أمريكي قادم من المس به أو تغييره.. ويستمر النهب والابتزاز ودفع «حق القرصنة» ثمنا لوجود قواعد وقوات احتلال أمريكية في الجزيرة العربية ودول الخليج، فـ»القرصان» الأصغر دونالد ترامب يُغدق على «القرصان» الأكبر بنيامين نتنياهو؛ باعتباره الممثل المعتمد للحركة الصهيونية، التي تتكدس لديها الأموال والإتاوات؛ المقدمة من أثرياء النفط، ومن دافع الضرائب الأمريكي، ومن التبرعات التي تجمعها المنظمات الصهيونية.

بعد تجربة تاريخية طويلة يتضح أن حاضر «القارة العربية» ومستقبلها مجهول

ولا يكتفي ترامب بذلك، وكما فرض «حق القرصنة» على الملوك والأمراء والشيوخ العرب.. يفرض نفس الشيء على الأذرع المالية والاقتصادية والإعلامية والأمنية (البوليسية)، ويفرض على مجتمع المال والأعمال المصري تفويضا على بياض، دون ممانعة لكونه مجتمعا مًصَنَّعا ومهجنا أمريكيا؛ بمشروعات وأموال المعونة الأمريكية، ومُهَنْدَس صهيونيا بمعاهدات الإذعان؛ كامب ديفيد، ومعاهدة السلام، واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، ورغم قلة عدده إلا أن قوته المالية وإمكانياته الاقتصادية مكنته من تمويل جماعات العنف والضغط والاختراق القوية؛ حتى تجاوزت حدود مصر السياسية والجغرافية إلى القارات الخمس، والأبرز بينها هم «أبناء ساويرس»، المعتمدون من الإدارة الأمريكية للضغط والاختراق، وهم دائما في صدارة قوائم المستفيدين من تنفيذ الأعمال الأمريكية، ومشروعات وزارة الدفاع (البنتاغون) وإنشاءات المعونة، ولهم وزنهم في الإدارات الأمريكية وبين الأوساط الصهيونية.
ووقع اختيار الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع؛ عليهم وعلى أذرعهم المالية والتجارية والإعلامية والأمنية؛ لدعم الغزو، ومساندة الاحتلال، وكان لنجيب ساويرس الدور الأبرز، المتعدد الأوجه؛ في جمع المعلومات وفي الاتصالات والإعلام والأمن والمقاولات والإنشاءات والتوكيلات، وهو الذي أنشأ أول شركة للهاتف المحمول والاتصالات، وجاء ذلك متزامنا مع الغزو عام 2003، وحملت اسم «عراقنا»، وأتيحت لها إمكانية الرصد والتنصت على المشتركين في خطوطها؛ من العراقيين وغير العراقيين.
وصادفت شركة «عراقنا» مجموعة من المشاكل لسوء الخدمة وقصرها على مناطق دون أخرى، بجانب عدم ارتياح العراقيين وتوجسهم فيها، وسرعان ما انكشفت حين اندمجت مع قناة «العراقية» التي أنشأها الاحتلال الأمريكي في أيار/مايو 2003. وشركة «عراقنا تابعة لشركة اوراسكوم تيلكوم، إلتي اضطرت للاندماج في مجموعة «زين» عام 2008 واندمجت لاحقا مع «إم تي سي أثير» الكويتية تحت اسم شركة «زين العراق».
أما الإعلام فقد ظهرت الحاجة إلى قناة فضائية ترسخ أقدام الاحتلال وتشتت العراقيين وتربكهم، وأسس نجيب ساويرس قناة «نهرين» برأسمال 50 مليون دولار، وكان ذلك ثاني أكبر استثمار لـ»أبناء ساويرس» في العراق، وابتعدت القناة عن تناول قضايا الاستقلال والتحرير والوطن، وركزت علي الترفيه، وعروض الموسيقى والغناء، وبرامج الأطفال، والأفلام والمسرحيات العربية؛ بعيدا عن تناول تجاوزات وجرائم القوات الأمريكية في العراق؛ جنوبا وشمالا وشرقا وغربا.
ونجحت الخطة، مع كثافة البرامج المعدة لذلك الغرض؛ منها على سبيل المثال برنامج يومي باسم «تحدث إلى أمريكا» لمدة 20 دقيقة، ويتم فيه تبادل الأحاديث والآراء بين عراقيين وأمريكيين، ممن يدعمون رؤية الاحتلال، ويعملون على أمركة الحياة العراقية.
وأدت مفاجأة قوات الاحتلال بالمقاومة العراقية الشرسة، بعد سقوط صدام، ركزت البرامج على المعلومات والرسائل الإعلامية، وزيادة الرصد الذي تقوم به هذه الشركات، وكثير منها يمتهن التنصت على المكالمات وتسجيل أحاديث مستخدمي شبكاتها ومكالماتهم وصورهم.
هذه بعض أحوال وأهوال مجتمع المال والأعمال المصري، الذي تفانى في خدمة الغزو الأنكلو أمريكي..

أعتذر عن خطأ وقع في مقال السبت الماضي بشأن طارق بن عمار على أنه صهر الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي، والصحيح أنه كان صهرا للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لذا وجب التنويه

كاتب من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية