فيما تتواصل التحقيقات في مجزرة المسجدين، يقبع منفذها برينتون تارانت حتى الخامس من الشهر المقبل موعد جلسة محاكمته الجديدة، في زنزانة قد تكون بمقياس الزنزانات العربية، فندقا من فنادق الخمسة نجوم. وفي بلد مثل نيوزلندا لا يتوانى قادته عن التعبير عن صدمتهم من هول الفاجعة، فإن أقصى ما سيناله المجرم الاسترالي هو ان يحكم عليه بالسجن لسنوات معدودة. إذ لا توجد هناك احكام بالإعدام أو محاكم عسكرية أو خاصة بأمن الدولة أو بالارهاب مثلا، ولا تتوفر فيه أيضا تلك الخبرات الأمنية التي تضعها الأنظمة لأجل تعذيب السجناء والتنكيل بهم وانتزاع اعترافات موجهة منهم.
ولعل ذلك كان أكثر ما شد بعض الأنظمة العربية لتلك المجزرة بالذات، وجعلها تهرول للبحث عن أي خيط، ولو وهمي حتى تتعلق به وتبدو كمن يحارب مع العالم في خندق واحد عدوا ثابتا معلوما لا شريك له، وهو إرهاب الإخوان حتى لو كانت الدنيا كلها قد رأت في كرايست تشيرتش، على الأقل، العكس.
أما عدا ذلك، وعلى الرغم من أنه لم تظهر على قوائم ضحايا المجزرة الرهيبة اسماء أتراك، وثبت بالمقابل وجود مصريين وأردنيين وفلسطينيين وسعوديين وهنود وبنغال ورعايا دول أخرى استشهدوا في العملية، فإن ردة فعل أنقرة على ما جرى كانت أقوى نسبيا من ردات الفعل العربية كلها، وأعطت الانطباع على أن الأمر يكاد يتعلق بالفعل بنكبة قومية ضربتها لا بمأساة جماعية هزت كل عربي ومسلم. وربما كانت بعض تلك الكلمات التي كتبها السفاح الاسترالي على سلاح جريمته المريعة من قبيل عبارة «التركي الفج» أو تعمده الإشارة على مخزن رصاصه لمعركة فيينا التي هزم فيها العثمانيون، أو قوله للاتراك في خطاب مباشر ضمن البيان الذي كتبه في أكثر من سبعين صفحة: «يمكنكم العيش في سلام في أراضيكم… في الضفة الشرقية للبوسفور، لكن اذا حاولتم العيش في الأراضي الأوروبية في أي مكان غربي من البوسفور سنقتلكم وسنطردكم أنتم الصراصير من أراضينا». وكذلك التهديد الذي أضافه في البيان ذاته حين قال: «نحن قادمون الى القسطنطينية وسنهدم كل المساجد والمآدن في المدينة. ايا صوفيا ستتحرر من المآذن وستكون القسطنطينية بحق ملكا مسيحيا من جديد»، هي التي جعلتهم ينظرون للمسألة بتلك الجدية ويعتبرونها تهديدا مباشرا لأمنهم القومي، وليست مجرد عملية إرهابية معزولة. لكن كلام الرئيس التركي السبت الماضي عن «أن هجوم نيوزيلندا والرسائل الموجهة إلينا عبره ليست الاولى من نوعها». وحديثه عن أن «القاتل سبق أن جاء إلى إسطنبول ثلاثة ايام وزارها مرة أخرى اربعين يوما»، وأنه «يجري الان التحقيق في ذلك»، ترك المجال واسعا لفرضيات شتى وجعل المجزرة ترتبط بسياق اوسع، قد يتعلق حتى بمستقبل دور تركيا الإقليمي وموقعها القيادي في العالم الإسلامي وعلاقتها بالناتو وأوروبا بشكل أخص.
نجح البيت الأبيض في تحويل بوصلة الحكام العرب من فلسطين كقضية تحرير مركزية تجمعهم، لطهران كعدو استراتيجي يفرقهم
لقد أقر الجميع لها بأنها تحولت إلى لاعب مهم في المعادلة الدولية، واستطاعت لعدة اعتبارات ان تسحب البساط من تحت أقدام الدول العربية المركزية، وتظهر كمدافع قوي عن القضايا العربية والإسلامية. ولم يكن من قبيل الصدفة ان يكرر اردوغان مثلا تحذيراته لنتنياهو من مواصلة انتهاك المقدسات الإسلامية ويقول في كلمة ألقاها الأربعاء الماضي عن الاسرائيليين أنهم «سيجدوننا أمامهم في كل اعتداء يتعرض له مسجدنا المبارك، ولن نلتزم الصمت مع شعبنا حتى لو صمت الجميع، وسنواصل نضالنا من أجل الدفاع عن القدس حتى النفس الأخير بما يليق بمكانتها لدى العالم الإسلامي»، بل إنه حتى عندما تعلق الأمر بالانتهاكات الفظيعة التي يتعرض لها المسلمون الإيغور في الصين فقد كانت تركيا تقريبا البلد الإسلامي الوحيد الدي طالب بكين بإغلاق المحتشدات التي فتحتها لهم، ما جر عليها احتجاجا رسميا من الصين. وربما اعتبر البعض أن ذلك ليس سوى جعجعة فارغة، وأن المسؤولين الاتراك بكل تلك المواقف الحماسية التي يأخدونها ليسوا قادرين بعد على ان يحركوا ولو سنتيمترا واحدا على الارض، وان كل ما يقومون به انهم يركبون على النكبات والمآسي العربية والإسلامية ويستثمرونها لمصالحهم فقط، ولكن على فرض أن يكون هناك شيء من ذلك، فما الذي يمنع العرب من أن يفعلوا الامر نفسه؟ فهل عجزوا حتى عن مجاراة الاتراك في الحماسة اللفظية؟ ثم من قال إن انقرة لا تمارس بالفعل ضغوطا أو مساومات ما مثلا مع أوروبا لأجل دفعها لتغيير مواقفها من القضايا العربية والاسلامية؟ وما المانع إن التقى ذلك مع مصلحتها القومية؟ المشكل هو ان العرب لا ينظرون لكل التطورات التي تجري من حولهم نظرة شاملة بعيدة المدى، وهم لا يملكون للأسف القدرة على التفاعل الحقيقي مع محيطهم، بعد أن نجح البيت الابيض في تحويل وجهة بوصلتهم من فلسطين كقضية تحرير مركزية تجمعهم، الى طهران كعدو استراتيجي يفرقهم. وبغياب ذلك الخيط الناظم لم يعد يهم بنظرهم، أن يقتل أطفال في غزة تحت قصف اسرائيل، أو يعدم شباب في مصر ظلما وزورا، أو يلقى مصلون في بلد بعيد مثل نيوزيلندا مثل ذلك المصير المفجع. والمؤلم ان الأمر لم يعد مقتصرا على الحكومات فقط، فقد انتقلت العدوى إلى الشعوب وغرق معظمها في موجات الخمول والوهن النفسي والفكري، وصارت أقصى أمانيه هي الموت فقط في سبيل القرش والدينار.
لكن ما الذي يمكن للأتراك فعله الآن أكثر من المظاهرات والخطابات العصماء؟ هل سيدعون مثلما عرض عليهم وزير الخارجية الإيراني لاجتماع طارئ لمنظمة «التعاون الإسلامي» حتى يخرج ببيان شجب وتنديد لا يخدش قواعد اللياقة الدبلوماسية؟ وحتى إن حصل ذلك فهل سيكون متوقعا أن يحضر القادة العرب المشغولون جدا هذه الايام بتحسس مواطئ اقدامهم خوفا من ارتدادات انتفاضات السودان والجزائر عليهم حتى لمثل ذلك اللقاء البروتوكولي؟ وهل ان أرواح الخمسين مصليا الذين قضوا في المسجدين ستكون كافية لدفعهم ولاقناعهم بذلك؟
لقد تخلف معظمهم في مايو من العام الماضي عن القمة الاسلامية التي عقدت في اسطنبول عقب استشهاد اكثر من ستين فلسطينيا في غزة خلال الاحتجاجات على القرار الامريكي بنقل السفارة الى القدس المحتلة، رغم كل ما ظلوا يعلنونه عن تمسكهم بنصرة القضية الفلسطينية. ورغم انه سيكون مستبعدا وربما حتى مستحيلا ان يحضروا الآن فانه لن يكون بوسع الاتراك التعويل عليهم في «الرد على مذبحة نيوزيلندا بشكل اكثر صرامة وشمولا» مثلما طالب المتحدث باسم الرئاسة التركية. فالاوامر لم تعط بعد للعرب للكلام اصلا في الموضوع. ولأجل ذلك فإن أقصى ما قد تنتزعه تركيا منهم ردا على مجزرة نيوزيلندا هو ان تدفعهم تحت ضغط بعض الشوارع التي ماتزال تنبض بالحياة لخرق الصمت واستيعاب ان رسائل كرايست تشيرتش لا تعني الاتراك وحدهم، بل العرب والمسلمين كلهم. أما كيف سيحصل ذلك ومتى؟ لعل الجواب يأتي قريبا من شوارع الجزائر والخرطوم مثلا!
كاتب وصحافي من تونس
الاتراك شرف للامة العربية وللانسانية بكل الوانهم لانهم يحملون مبادي وقيم الاسلام والانسانية بصدق لاتقية ولا انتهازية اما الخنع العرب ومن في فلك خنوعهم المجبل على الذل والخنوع للشر فبطبعهم وطبع الفرس سيقفون مع الاشرار وان اخفي بعظهم ذلك بقول نفاق وغداع وتقية فلايمكن لهذه الاصناف ان يكون لهم شرف الانتماء بصدق للخير ولقيم الحق ونصر المظلون