مجزرة نيوزيلندا… والإرهابيون العرب

حجم الخط
0

الجريمة الإرهابية الجبانة التي استهدفت مسلمين آمنين يؤدون صلاتهم بسلام وطمأنينة في البلد الأكثر أماناً وسلاماُ في العالم (نيوزيلندا) تؤكد مجدداً أن الإرهاب لا علاقة له بالأديان مطلقاً، وأن ربطه بالإسلام ليس سوى خرافة يحلو لأعداء الأمة الترويج لها، إذ أن الذين استهدفوا مساجد وكنائس وقطارات وحافلات وأسواقا مدنية، لا يجمع بينهم سوى شيء واحد، وهو أنهم مجرمون متطرفون ولا يمثلون الأديان التي يتغنون بها.
الأهم من قصة أن الإرهاب لا علاقة له بالدين الإسلامي هو، أن المسلمين هم الغالبية الساحقة من ضحايا الأعمال الإرهابية في العالم، وعندما وصل الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة نشرت وسائل الإعلام إحصاءات وأرقاما يتبين منها أن عدد الأمريكيين الذين يموتون نتيجة السقوط من السرير ليلاً، أكبر من عدد من يقضون في عمليات إرهابية، وهو ما يعني أن الأمريكيين ليست لديهم مشكلة إرهاب أصلاً، لا إرهابا إسلاميا ولا غيره.. وأن كل ما يجري الحديث عنه ليس سوى «استهلاك إعلامي» ليس أكثر ودعاية انتخابية من مرشح يخطب ود أصوات الناخبين الخائفين.

الإرهاب لا علاقة له بالدين الإسلامي والمسلمون هم الغالبية الساحقة من ضحاياه

بالعودة الى الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا، التي روعت العالم بأسره، وهي الإرهاب في أبشع صوره وأشكاله، حيثُ القتل بدم بارد على أنغام الموسيقى مع البث المباشر على «فيسبوك» هذه الجريمة تضعنا أمام جملة من الملاحظات:
أولاً: ثمة أنظمة عربية مستبدة مارست الإرهاب، ابتداء على المساجد في البلاد التي تحكمها، ثم أمضت السنوات القليلة الماضية في التحريض على المسلمين الذين يعيشون في الغرب وعلى مساجدهم، وهذه الأنظمة تتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية عن الجريمة التي استهدفت مسلمي نيوزيلندا وجرائم الكراهية الأخرى، التي تستهدف العرب والمسلمين في بعض الدول الغربية بين الحين والآخر. والمفارقة هنا هو أنه بينما تنهمك الدول الغربية والدول المتحضرة في العمل على دمج المسلمين ومساواتهم بأبنائها، فإن أنظمة عربية تنهمك على التحريض ضدهم.
ثانياً: ثمة دولة عربية ومسلمة معروفة مولت وتمول جماعات يمينية متطرفة في دول غربية. وإحدى هذه الجماعات المتطرفة الممولة من تلك الدولة العربية أمضت العامين 2013 و2014 وهي تتظاهر أسبوعياً (كل يوم أحد) أمام مكتب يتبع لجماعة الإخوان المسلمين في لندن، في إطار الضغوط التي كانت تمارس على الحكومة البريطانية من أجل حظر جماعة الإخوان واعتبارها منظمة إرهابية.. والسؤال هنا: أليس هذا تحريض عربي على الجالية المسلمة في بلد الغالبية الساحقة من سكانه لا يعرفون بكل تأكيد ما هو الفرق بين (المسلمين) و(الإخوان المسلمين)؟
ثالثاً: عندما يتأثر اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا وأستراليا ونيوزيلندا بالدعايات التي تبثها دول عربية، وتنفق عليها ملايين الدولارات، فهذا يعني أن الشهداء الذين ارتقوا في العملية الارهابية الجبانة بمسجدي نيوزيلندا ليسوا سوى ضحايا لهذه الأنظمة العربية التي تحارب الإسلام أولاً، ثم تحارب شعوبها ثانياً.. والأهم من ذلك أنها كانت أول من استباح مساجدنا وقتل المصلين فيها، وعلى الهواء مباشرة أيضاً على مسمع ومرآى من العالم!
شهداء المساجد في نيوزيلندا الذين ارتقوا إلى علياء المجد والخلود، كانوا أصلاً هناك لأنهم هربوا من الأنظمة العربية المستبدة والظالمة، التي أحالت بلادنا الى أماكن لا تصلح للحياة، فاضطروا للهجرة الى آخر بقعة اكتشفها الإنسان. ثم ها هي الأنظمة العربية ذاتها تلاحقهم بتحريضها ودعايتها الكاذبة حتى جيّشت اليمين المتطرف ضدهم وجعلتهم غير آمنين حتى في المنافي.
والخلاصة هنا، أن الإرهاب ليس له دين ولا طائفة ولا مذهب، أما مصدره الوحيد فهو أنظمة القمع والاستبداد والظلم الموجودة في العالم العربي، فهي الأنظمة التي أوجدت «داعش» وغيرها، وهي التي تحرض اليمين المتطرف في العالم الغربي، وهي التي أنتجت أجيالاً من الشباب اليائسين المحبطين المستعدين للموت، وهي التي تحالفت مع الاحتلال الإسرائيلي وارتمت في أحضانه.. وفي نهاية المطاف فإن شعوب هذه الأنظمة المستبدة هم وقود الإرهاب وهم ضحاياه في الوقت نفسه.. وحتى المهاجرين الهاربين من أبناء هذه الشعوب أصبحوا عرضة للملاحقة والتهديد.. والله المستعانُ على ما تصفون.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية