لندن ـ “القدس العربي”:
نشرت مجلة “ريسبونسبل ستيتكرافت” (إدارة الدولة المسؤولة) التابعة لمعهد “كوينسي لإدارة الدولة المسؤولة” الأمريكي، تحليلا بعنوان “قطع المساعدات الأمريكية عن إسرائيل لن يعالج العلل”، للباحث ماثيو بيتي، قال فيه “إن أمريكا مقيدة ومُلزمة تجاه إسرائيل بمساعدات تتجاوز بكثير 3.8 مليار دولار سنويًا كمساعدة”. وأشار إلى صدور مقالتين بارزتين خلال الأسبوع الماضي، دعت كلاهما واشنطن إلى قطع مساعدتها العسكرية لتل أبيب.
وكتب نيكولاس كريستوف من صحيفة “نيويورك تايمز”، بدعم من سفيرين سابقين للولايات المتحدة لدى إسرائيل، أن “المساعدة لدولة غنية أخرى تبدد الموارد الشحيحة، وتخلق علاقة غير صحية تضر بالجانبين”.
كما جادل جاكوب سيغل وليل ليبوفيتز، المحرران في مجلة “تابليت” اليمينية، بأن “تل أبيب تنتهي بالتضحية بقيمة أكبر بكثير مقابل ما يقرب من 4 مليارات دولار تتلقاها سنويًا من واشنطن”.
تل أبيب تضحي بقيمة أكبر بكثير مقابل ما يقرب من 4 مليارات دولار تتلقاها سنويًا من واشنطن
ويؤكد الكاتب أن مقال كريستوف يعكس مشاعر العديد من الليبراليين الأمريكيين الذين صُدموا من توغل اليمين الإسرائيلي، ويرون في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رجلًا قويًا غير ليبرالي.
من ناحية أخرى، يردد سيغل وليبوفيتز ادعاء العديد من المتشددين الإسرائيليين والمحافظين الجدد الأمريكيين، الذين يجادلون بأن المساعدات الأمريكية تقوض “اعتماد إسرائيل على نفسها”، وتقيد “حريتها في التصرف”.
ولكن هناك عنصرا جديدا في حجة سيغل وليبوفيتز يستحق التحليل حسب الكاتب، كونهما ينظران إلى المساعدة الأمريكية لإسرائيل على أنها “أداة سياسية تغذي أسطورة لوبي إسرائيلي مهيمن”.
ويقول الكاتب إن المؤلفين على استعداد للقيام بتراجع تكتيكي، والتخلي عن المساعدة من أجل تأمين أشكال أخرى من الدعم الأمريكي، مثل وعد الولايات المتحدة الضمني بالانضمام إلى حرب إسرائيلية ضد إيران.
لكن في الواقع، حسب الكاتب، فإن المساعدات المالية هي الجزء الأقل أهمية في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، فواشنطن تمنح تل أبيب ضمانات أمنية واسعة النطاق، وتكتبها في كل مستوى من مستويات السياسة العسكرية والدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ويلفت إلى أن التركيز على 3.8 مليارات دولار سنويًا، وهو دعم لمصنعي الأسلحة الأمريكيين أكثر من أي شيء آخر، يتجنب أشكال الدعم الأخرى التي تعتبرها إسرائيل كأمر مسلم به.
وكما قال السفير الأمريكي المنتهية ولايته لدى إسرائيل توم نييدز: “لا يريد معظم الإسرائيليين أن تظل أمريكا بعيدة عن أعمالهم”، وهذه الرغبة تتعلق بما هو أكثر بكثير من المال.
لا يريد معظم الإسرائيليين أن تظل أمريكا بعيدة عن أعمالهم
وإلى جانب المساعدة، تقدم واشنطن سلة من الأشياء الجيدة للدول التي تحافظ على علاقات جيدة مع إسرائيل، وتشدد من إجراءاتها ضد أعداء إسرائيل.
وفي عام 2008، أقر الكونغرس قانونًا يضمن “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل، مما يمنح الجيش الإسرائيلي نسخة أفضل من الأسلحة التي تشتريها السعودية والإمارات.
ويذكر أنه مؤخرا، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن “أولويتها” هي حمل السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتتفاوض حاليا مع الرياض حول حجم “الرشوة” اللازمة للقيام بذلك.
كما أدخل دبلوماسيون أمريكيون شروطا مؤيدة لإسرائيل في محادثاتهم مع دول أخرى، بما في ذلك دول بعيدة عن الشرق الأوسط مثل صربيا وكوسوفو.
ويركز سيغل وليبوفيتز بشكل خاص على العلاقات الأمريكية الإيرانية كدليل على أن إسرائيل ضحية رعاية الولايات المتحدة، فعندما تفاوضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على صفقة لتقييد برنامج إيران النووي، اعترض القادة الإسرائيليون، مما دفع أوباما إلى رفع مخصصات إسرائيل للمساعدات إلى 3.8 مليارات دولار سنويًا كتعويض.
عندما تفاوضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على صفقة لتقييد برنامج إيران النووي، اعترض القادة الإسرائيليون، مما دفع أوباما إلى رفع مخصصات إسرائيل للمساعدات
ويرى سيغل وليبوفيتز هذه الأموال، على أنها “رشوة” لقبول “سياسة أوباما الخارجية المتمركزة حول إيران”، فقد كانوا يفضلون أن يحتفظ أوباما بالمال ويسمح لإسرائيل “بقطع رأس النظام الإيراني”.
وبحسب الكاتب يمكن لواشنطن أن تظل بعيدة عن الحرب من خلال إبعاد نفسها صراحة عن أفعال إسرائيل، ولكن يمكن للرئيس الأمريكي أن يصعد إلى المنصة، ويعلن: “الولايات المتحدة لن تعيق القوات الإسرائيلية ولن تساعد هجوماً إسرائيلياً على إيران بأي شكل من الأشكال”.
ويضيف: “إذا تعرضت أرواح الأمريكيين للتهديد من قبل أي دولة، فسوف نرد بقوة.. وإلا فإن هذه المعركة ليست معركتنا.. أطيب التمنيات لإسرائيل وبارك الله أمريكا”.
ويقول إن من المحتمل أن تلوح الحركة الموالية لإسرائيل بالقميص الدموي، معلنة أن الرئيس الأمريكي خائن. وهنا، فإن سيغل وليبوفيتز نفسيهما يسخران من فكرة عالم تكون فيه “مصالح الحلفاء التقليديين مثل إسرائيل والسعودية متوازنة مع مصالح عدوهم اللدود، إيران”.
وبرأيه فإن الزاوية الأيديولوجية تستحق مزيدًا من الاهتمام، خاصة في الجيل الأكبر سنًا، الذي يعتبر دعم إسرائيل واجبًا أخلاقيًا، في وقت يرى البعض أن “الدولة اليهودية” تحقق نبوءات دينية، ويتخيل آخرون إسرائيل كجزء من قوس فداء أكثر علمانية للعالم الغربي.
في المقابل، فإن الكثير من الموضوعات الغامضة حول إسرائيل لا يلتفت إليها معظم الأمريكيين، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن الرأي العام الأمريكي لديه “فهم مشوش ومتناقض” لمعظم قضايا الشرق الأوسط.
ويشير التحليل إلى أنه على الرغم من أن الجمهوريين أكثر دعمًا لإسرائيل، إلا أن هذا الحزب قد يتجه أيضًا نحو حرب أهلية حول هذه القضية، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن الجمهوريين الشباب، وخاصة المسيحيين الإنجيليين الشباب، ينقلبون على إسرائيل بأعداد كبيرة بشكل مفاجئ.
وبينما يدقق السياسيون الجمهوريون في المساعدة الأمريكية لأوكرانيا، قد يكون من الصعب تبرير شيك على بياض لإسرائيل، الدولة الأكثر ازدهارًا من أوكرانيا، وتواجه تهديدًا أقل خطورة.
بينما يدقق السياسيون الجمهوريون في المساعدة الأمريكية لأوكرانيا، قد يكون من الصعب تبرير شيك على بياض لإسرائيل
ويضيف: “يمكن للجدل حول المساعدات أن ينتقل إلى أرض غير مريحة لمؤيدي إسرائيل، وليس من الممتع حقًا تصوير إسرائيل على أنها حالة خيرية محتاجة، خاصة لأن إسرائيل، كما أشار كريستوف، أغنى للفرد الواحد من اليابان وبعض الدول الأوروبية”.
وحاول بعض مؤيدي إسرائيل بدلاً من ذلك تصوير المساعدة على أنها نعمة للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وهو أمر لا يميل الأمريكيون إلى حبه أيضًا.
ويؤكد أنهما يريدان المضي قدمًا في المنحنى، وإنهاء المساعدة قبل أن يصبح الجدل أعلى، ومنع إسرائيل من تحمل اللوم عن أخطاء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ويضيف: “لا ينبغي أن تكون المساعدة بداية المحادثة ونهايتها، فحتى لو جف كل قرش من المساعدات، ستظل واشنطن ملتزمة بدعم إسرائيل بطرق متنوعة، بعضها يُشرك الولايات المتحدة في سياسات الشرق الأوسط بشكل أعمق بكثير من التوقيع على شيك للجيش الإسرائيلي كل عام”.
ويؤكد الكاتب على أن سيغل وليبوفيتز محقان في أمر واحد، وهو أن “النخبة الأمريكية الحالية” تحتاج إلى إسرائيل للابتعاد عن الحالة المحزنة لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ويضيف: “كلما ازداد الوضع سوءًا في الشرق الأوسط، (ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى التدخل الأمريكي) كلما برزت إسرائيل على أنها ديمقراطيتها الوحيدة”.
ويختتم بالقول: “يمكن للقادة الأمريكيين من خلال التحديق في المدينة المشرقة على التل المفضلة لديهم، أن يتغاضوا عن الكثير من الدمار في الأسفل”.