الجزائر ـ “القدس العربي”:
لا تزال نتائج الانتخابات الرئاسية محل تقييم متناقض ومتضارب في الجزائر، رغم إعلان رئيس سلطة مراقبة الانتخابات الفوز الساحق للرئيس عبد المجيد تبون بأكثر من 94 بالمائة من الأصوات. وينتظر أن تصدر المحكمة الدستورية في غضون أيام قليلة النتائج النهائية، مع تعديلات لن تغير في طبيعة النتائج.
وضمن هذا النقاش، كتبت مجلة “الجيش” لسان حال المؤسسة العسكرية افتتاحيةً، اعتبرت فيها أن الانتخابات الرئاسية حققت نجاحا باهرا على نهج ترسيخ المسار الديمقراطي”. وذكرت أن “الشعب الجزائري السيد قال كلمة الفصل بمنح صوته للسيد الرئيس لمواصلة مسار الإصلاحات العميقة والتدريجية التي باشرها خلال عهدته الرئاسية الأولى والتي كانت حبلى بالإنجازات”.
وأوضحت المجلة أن “هذا السلم الذي ينعم به وطننا والذي ترسخ نهائيا، سيسهم بلا شك في تمكين البلاد من مواجهة تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة ضمن استراتيجية طموحة لتحقيق النهضة والتنمية الوطنية الشاملة التي تملك بلادنا كل المقومات لإنجاحها في كنف الأمن والاستقرار، وهو ما يفتح المجال واسعا لتحقيق آمال وطموحات الشعب الجزائري في النهوض بكافة القطاعات”.
وأبرزت أن “استعادة الشعب الجزائري ثقته في مؤسسات دولته وما تبعها من إنجازات نوعية في كل المجالات دون استثناء، سيكون حافزا قويا خلال العهدة الرئاسية الجديدة للمواصلة على نهج التطور والازدهار وكسب المزيد من الرهانات التي سترفع من مكانة بلادنا كدولة صاعدة”.
وفي السياق ذاته، أكدت أن هذه “الطموحات والأهداف المشروعة ستجد طريقها للتجسيد في ظل وجود إرادة حقيقية وصادقة من خلال العمل بإخلاص وتفان لأجل المصلحة العليا للوطن، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، حيث تبقى بلادنا وفية لمبادئها الراسخة المستمدة من قيم ثورتنا المجيدة، الداعمة لقضايا التحرر العادلة، وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والصحراوية”.
ولفتت إلى أنه “لا يمكن الحديث عن الانتصار الذي حققته الجزائر دون التأكيد على الدور الهام الذي يؤديه الجيش الوطني الشعبي كمؤسسة دستورية رائدة تواكب التقدم الذي تشهده بلادنا وتمنح الثقة والأمان للاستمرار على النهج السليم والقويم المتبع من خلال عمل دؤوب ومستمر، باقتدار وتفان، لتعزيز جاهزية جيشنا والرفع من قدراته القتالية والارتقاء بأدائه لمواجهة تداعيات الظروف الأمنية الإقليمية والدولية الراهنة والتهديدات المحتملة على أمن وسلامة بلادنا”.
مصداقية الانتخابات
وعلى عكس هذه النظرة، قال ناصر حمدادوش، نائب رئيس حركة مجتمع السلم التي رشحت عبد العالي حساني شريف: “هناك مبالغةٌ ممجوجةٌ وقفزٌ على حقائق واقعية في الحديث عن “نجاح الاستحقاق الانتخابي الرئاسي”، وعن “تجديد ثقة الشعب الجزائري في قيادة الرئيس تبون” الذي وصفه بالخاسر الأكبر بعد هذه الانتخابات.
وذكر حمدادوش في مقال مطول له نشره على صفحته الرسمية، أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر شابها تلاعب واضح بالأرقام والنتائج، مشيراً إلى أن “السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات” كانت طرفا في ذلك، وذلك باعتراف جميع المترشحين، بما فيهم المرشح الفائز عبد المجيد تبون.
وأكد المسؤول في حركة مجتمع السلم التي حصل مرشحها على 3% من الأصوات، أن التصريحات الرسمية حول نتائج الانتخابات غير دقيقة، وهو ما يطعن في شرعية العملية الانتخابية برمتها، مشيرًا إلى أن البيان المشترك الصادر عن المديريات الوطنية للمترشحين الثلاثة يعد دليلاً ملموساً على هذا التلاعب، مما يجعل من الصعب إصدار أحكام نهائية حول نزاهة الانتخابات.
وأوضح أن السلطة تهربت من الكشف عن الأرقام الحقيقية للعملية الانتخابية، بما في ذلك نسبة المشاركة الفعلية وعدد الأصوات الملغاة، واعترفت بأنها لم تتسلم كل المحاضر الولائية. هذا الأمر، وفقًا له، “يعزز الشكوك في مصداقية الانتخابات ويجعل من غير المقبول الاعتماد على النتائج المعلنة أو تقديم التهاني للفائز دون التحقق من صحة العملية الانتخابية”.
واستشهد حمدادوش بالأرقام المعلنة، حيث بلغ عدد الأصوات المعبر عنها حوالي 5.38 مليون من إجمالي 23.8 مليون ناخب، ما يعادل نسبة مشاركة قدرها 23%. وأكد أن هذه النسبة تثير تساؤلات كبيرة حول الإرادة الحقيقية للشعب الجزائري في هذه الانتخابات ومدى تأييده للمرشح الفائز، مشددًا على أن هذه النتيجة لا تعبر عن ثقة شاملة من الشعب، مما يمنح الفائز شرعية منقوصة لا تمثل الإرادة الشعبية بشكل كامل.
كما أشار إلى أن نسبة العزوف عن التصويت تجاوزت ثلاثة أرباع الهيئة الناخبة، وهو ما يعكس “البيئة السياسية والقانونية التي أنتجتها السلطة، إلى جانب الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي ساهمت في تثبيط عزيمة الناخبين”. وأضاف أن “ممارسات السلطة الانتخابية، بما في ذلك حملات التضليل الإعلامي وخطابات التثبيط، أسهمت في العزوف الكبير، ما تسبب في صدمة كبيرة عند إعلان نسبة المشاركة عند الساعة الخامسة مساء يوم الاقتراع، والتي بلغت 26% فقط”.
وكشف أن هذه النسبة شهدت تضخيماً مفاجئاً وضغوطاً كبيرة على المسؤولين المحليين، مما أدى إلى إعلان معدل نسبة مشاركة بلغت 48% في منتصف الليل، بعد 4 ساعات من إغلاق مكاتب التصويت. وأوضح أن هذا يعني تسجيل زيادة قدرها 22% خلال 3 ساعات فقط، وهو ما يعادل حوالي 5.28 مليون صوت، وهو أمر يراه شبه مستحيل من الناحية العملية.
وفي ملابسات ما جرى في الميدان، أكد حمدادوش أن “هناك خروقات عديدة رافقت العملية الانتخابية، خاصة في مكاتب تصويت الأسلاك النظامية، حيث تم توجيه هذه الكتلة الانتخابية لصالح مرشح بعينه، كما تم تسجيل حالات من التصويت المتكرر والتصويت الجماعي بالوكالة، مما يعزز الانحياز لمترشح واحد على حساب الآخرين”. وأضاف أن “الصور التي أظهرت طوابير من الشباب أمام مراكز التصويت قبل فتحها لم تكن سوى مسرحية إعلامية تهدف إلى تضليل الرأي العام”.
وانتقد النائب السابق “القرار الذي سمح بالتصويت لحاملي بطاقة الناخب حتى وإن لم يكونوا مسجلين في السجلات الانتخابية، معتبراً أن “هذا القرار فتح الباب واسعاً أمام التلاعب بنتائج التصويت، وجعل الأرقام المعلنة مصطنعة وغير معبرة عن الإرادة الشعبية الحقيقية”.
“هدية مسمومة”
وفي تقييمه العام، اعتبر نائب رئيس حركة مجتمع السلم، أن فوز المرشح تبون بنسبة 94% يعد “هدية مسمومة”، مشيراً إلى أن هذه النسبة “شوهت صورة الديمقراطية في الجزائر وأعادت البلاد إلى نمط الحكم الشمولي، ما يجعلها مشابهة للديكتاتوريات القديمة في الدول الفاشلة”. وأضاف أن “هذه النتيجة دفعت الرئيس الفائز نفسه إلى التوقيع على بيان مشترك مع المديريات الوطنية للمترشحين الثلاثة، وهو ما يعد سابقة تاريخية في الانتخابات الجزائرية، حيث يطعن هذا البيان في العملية الانتخابية بأكملها”.
واعتبر حمدادوش أن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو الرئيس تبون، حيث تم الطعن في مصداقية العملية الانتخابية، مما سيؤدي إلى تحمل تبون أعباء أزمة الشرعية السياسية طوال فترة ولايته. وختم بالقول إن العزوف عن المشاركة أو التلاعب بهذه الانتخابات يشكل طعنة في أهم منصب في الدولة، مما يضعف البلاد أمام التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية.
وفي ختام تصريحاته، دعا حمدادوش إلى فتح تحقيق شامل في هذه الفضيحة الانتخابية، يشمل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والسلطات المحلية وكل من كان له دور في إدارة العملية الانتخابية. وأكد على ضرورة إحالة المتورطين في هذه الفضيحة إلى العدالة، وحلّ السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وإعادة النظر في كامل العملية الانتخابية.