مجلة «شعر» التونسية.. سعي إلى استعادة جوهر الشعر وهُوية الشاعر

حجم الخط
1

تونس ـ «القدس العربي»: مجلة «شعر» هي حلم فردي شخصي تحمله الهادي إسماعلي على عاتقه ماديا، وتجندت له كفاءات شعرية ونقدية تشد أزره وتساعده بقلب صادق على استكمال هذا الحلم وإخراجه من حيز الفكرة إلى أفق الفعل اللامتناهي. وغاية هذه المجلة الفصلية الثقافية توفير فضاء ورقي مختص للشعر التونسي وأهله. واللافت للانتباه أن المؤسس ورئيس التحرير الهادي إسماعلي صنع خطا تحريريا واضح المعالم وهو التونسي، والتونسي فقط، بلا انغلاق أو تقوقع على الذات، بل إجابة على سؤال الهوية، وتحمسا لمعركة لم تعد خفية اليوم على العارفين بالشعر، وهي معركة هوية الشعر وهوية الشاعر في وضع اجتماعي وسياسي ونفسي مُرتَج في تونس. إن سؤال الهوية هو الذي حفز أسرة المجلة بُعَيْد الثورة، على السعي إلى استعادة جوهر الشعر واسترجاع هوية الشاعر. وعسى هذه المجلةُ الثقافية أن تمثل رافدا من ضمن روافد متنوعة يمكن أن تنهض بمشروع إعادة الروح إلى الشعراء من أجل حياة ثانية.

«شعر» أرض محايدة تأخذ المسافة نفسها مع كل النصوص الشعرية، وتترفع عن الإخوانيات التي لم تخلف إلا أوراما وأوهاما، وتنأى عن الثبات والجمود والنمطية والزعاماتية في حقول الأدب، لأنها إن فعلت ذلك فقَدَت جِدتَها وصارت نسخةً مكرورةً لواقع الجماعات والتكتلات التي تمتهن التثالبَ والتقاذفَ في الزوايا المظلمة، لذلك تدعو «شعر» إلى كل عددٍ من أعدادها هيئة جديدة من أهل الاختصاص، من النقاد الأقرَبَ إلى المجال المتناوَل للدرس، ضمانا للنزاهة والموضوعية. وتحرص على الاستئناس بآراء أهل الشعر والنقد المنتمين إلى أجيال ومدارس واتجاهات ورؤى مختلفة في تحكيم النصوص الشعرية، مع كل إجراءات «الشفافية» هذه المفردةُ التي استنزفها سياقٌ كاملٌ فصارت مجردَ جرَس صوتي، لكن هيئة «شعر» جددت الثقة بها وأعادت وميضها، بالمحافظة على سرية أعمال اللجنة الاستشارية التي لا يقع التعرف إلى أعضائها إلا عند نشر العدد.
وقد تم الاحتفاء بالعدد التأسيسي يوم 29 مارس/آذار 2019 في المكتبة المغاربية في محافظة بن عروس (ضواحي تونس العاصمة) التي تشرف عليها فتحية شعبان التي سخرت فضاء المكتبة لمجلة «شعر» وكانت لها سندا لا يعرف الحدود. وقد ضم العدد الأول ثلاثة أقسام تتوزع حسب اهتمامات ثرية متنوعة. إذ ينفتح بقسم أول استأثر بمقالات نقدية ألفَها كل من عبدالدائم السلامي وحافظ محفوظ ورشيد قرقوري. تناول الأول حفريات فكرية في مسألة أنطولوجية وأبستمولوجية في آن، وهي الشروط اللازمة والكافية ليكون الشاعرُ شاعرا، كتبه صاحبه بحس فلسفي ووعي أسطوري ومرَح نيتشوي ولغة جامعة بين صرامة الاستدلال ووارف الخيال. فيما اتجه حافظ محفوظ إلى قراءةٍ عالمةٍ تواجه المستقر من الأفكار الرائجة عن الإيقاع في الشعر، الذي يدور حوله لغط واسع، مصححا مذاهب سطحت القولَ الشعري، وضيقت أفقَه مستندا إلى مرجعية تعود إلى ممارسته الطويلة للكتابة الشعرية، فضلا عن الدراسة النظرية الغربية، خاصة كتابات الفرنسي ميشونيك، في نبر سجالي دقيق واتجاه استدلالي مقنع انتهى إلى نتائج مهمة. وينغلق القسم الأول على مقالة رشيد القرقوري، ذات طابع عملي ميداني انطلقت من المدونة الشعرية للشعراء الشبان تنقد بعض مظاهرها وتشذب بعضَ نماذجها وتنير الدروبَ أمام القصيدة الناشئة كي تكون، انطلاقا من خصائصها الإنشائية المنشودة، بدون تعسف على الشعراء الشبان، وقد تميزت مقالتُه بنزعة تعليمية واضحةٍ وبتخفف مقصود من الحمولات النظرية.
أما القسم الثاني فتمحور حول شخصية شعرية ونقدية معروفة بميول قومية عربية وعشق جلي للعراق وتعصب للقضية الفلسطينية ومواقف جريئة في كبريات الإشكاليات وهو حسين العوري. وقد وهب الرجلُ عمرا مديدا للشعر والبحث مراوحا بين التدريس في الجامعة والمساهمة في الحياة الثقافية. فوجب الالتفات إليه وتسليط الضوء على تجربته في الحياة والشعر. وقد اندفعت مجموعة واسعة من البحاثة والشعراء والأصدقاء للإسهام في هذا الملف تطوعا. والطريف أن محور العدد ألف ما يشبه السيرةَ الذاتيةَ وسمها بـ»صفحات من كتاب العمر» ثم تولى رمضان العوري كتابةَ شهادة على العصر بلغة وجدانية يفيض فيها سَيلُ الشعور وشجنُ الذكرى، عنوانها «في بيتنا… شاعر» عندها افتتح باب الدراسات النقدية التي توزعت على مجالين: نقد شعر حسين العوري، ونقد مجهوده البحثي في الشعر التونسي. أما المجالُ الأول فقد اشتمل على دراسة فتحي أولاد بوهده الممهورة بـ»حسين العوري، شاعرا مأخوذا بشاغل النضال» تلتها دراسة فتحي فارس، وهي بعنوان «خط الألم وخط القلم: دراسة في شعرية الرثاء فـي دواوين حسين العوري» ثم قدمت منية العبيدي دراسة حول منزلة المكان في المدونة الشعرية للعوري، بالبحث عن تجليات الانتماء والالتزام. وخاض محمد بن الطيب في مقاربة طريفة لمفهوم الشعر ووظائف الشاعر عند حسين العوري، من خلال قراءة في ديوان «موالٌ للخصب شمعة للجفاف». وللجانب التطبيقي أيضا نصيبٌ من العناية تجلى في قراءة الهادي إسماعلي لقصيدة العوري الأشهر «لو كان العالم أطفالا» مستكشفا شعرية العوالم الممكنة المنبجسة منها. أما مجال نقد النقد فاشتمل على مقالين، الأول لسمير السحيمي حول أسئلة النقد في مصنف العوري «الرفض في شعر نزار قباني» والثاني عالج فيه فاروق العمراني الجهد البحثي للعوري في أطروحته حول الشعر الحر في تونس، معالجةً لا تخلو من دقة وأناة.
وينغلق هذا العدد بقسم شعري تضمن نصوصا تُنشَر لأول مرة لخيرة حذاق هذه الصناعة: آدم فتحي، يوسف رزوقة، كمال بوعجيلة، محمد الغزي، جمال الجلاصي، عبدالعزيز الحاجي، فتحي النصري، محمد عجينة، وقد عبر هؤلاء الشعراء عن انحيازهم بدون قيد أو شرط إلى مجلة «شعر».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أماني العياري:

    كل التوفيق ، هل ممكن لهواة الشعر أن يرسلو نصوصهم

إشترك في قائمتنا البريدية