الأمم المتحدة- “القدس العربي”: عقد مجلس الأمن الدولي في آخر يوم عمل له في سنة 2023 جلسة طارئة، اليوم الجمعة، لمناقشة الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة.
وفي إحاطة قدمها خالد خياري، مساعد الأمين العام لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، أكد أن الوضع في الشرق الأوسط مثير للقلق، مشيرا إلى أن الوضع الإنساني في غزة يستمر في التدهور. وجدد دعوة الأمين العام إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية. وأشار خياري إلى أن العمليات البرية الإسرائيلية المكثفة والقتال بين القوات الإسرائيلية وحماس وغيرها من الفصائل ما زال متواصلا في معظم المناطق. وقال إن حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى ما زالت تطلق الصواريخ من غزة على إسرائيل، ولا يزال المدنيون من كلا الجانبين، وخاصة في قطاع غزة، يتحملون وطأة هذا الصراع.
ودعا مساعد الأمين العام خياري إلى ضرورة أن تتوقف الأعمال العدائية الحالية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة بخطة لدفع الأطراف بشكل جاد نحو التوصل إلى حل تفاوضي، ولمنع تكرار الحرب ودورات العنف التي لا نهاية لها.
وقال خياري إنه “يتعين علينا استعادة الأفق السياسي والتحرك نحو الإمكانية الوحيدة القابلة للتطبيق لتحقيق مستقبل سلمي – وهو حل الدولتين، حيث تكون غزة جزءا لا يتجزأ من دولة فلسطينية مستقلة، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، في سلام وأمن، على أساس خطوط عام 1967 وتكون القدس عاصمة للدولتين، وذلك تماشيا مع قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي”.
وتطرق خياري إلى العنف المتصاعد في الضفة الغربية المحتلة، حيث تصاعد التوتر بين قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينيين، واستمر العنف المكثف والقيود واسعة النطاق على الحركة في الضفة. وقال خياري إن الأسابيع الأخيرة شهدت بعض العمليات الإسرائيلية الأكثر كثافة في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية. “وقع العديد من الضحايا الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في سياق العمليات الإسرائيلية في المنطقة (أ)، بما في ذلك بعض الضحايا خلال اشتباكات مسلحة. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل 304 فلسطينيين، من بينهم 79 طفلا، في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”. وقال إن عنف المستوطنين يظل مصدر قلق بالغ ويستمر بمستويات عالية.
من ناحية أخرى، أشار خياري إلى الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا بشكل يومي، حيث تنفذ الولايات المتحدة بعض الضربات الجوية ضد الجماعات المشتبه في قيامها بهذه الأعمال في العراق وسوريا. كما وردت أنباء عن غارات جوية إسرائيلية داخل سوريا. وقال خياري إن التهديد الحوثي المستمر للملاحة البحرية في البحر الأحمر يشكل مصدر قلق متزايد. “فهو يهدد بتفاقم التوترات الإقليمية، ومزيد من التصعيد، كما أن له عواقب سياسية واقتصادية وإنسانية خطيرة محتملة على الملايين في اليمن والمنطقة”. وقال إن الأمم المتحدة تواصل تشجيع وقف التصعيد ووقف الهجمات والتهديدات حتى تتمكن حركة المرور عبر البحر الأحمر من العودة إلى حالتها الطبيعية وتجنب خطر جر اليمن إلى حريق إقليمي. وتؤكد الأمم المتحدة أهمية ضمان احترام القانون الدولي بالكامل فيما يتعلق بالملاحة البحرية. وناشد جميع أعضاء المجتمع الدولي أن يبذلوا كل ما في وسعهم لاستخدام نفوذهم على الأطراف المعنية لمنع تصعيد الوضع في المنطقة.
وبدعوة من الإمارات، قدم مروان المعشر، نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، ونائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، إحاطة أكد فيها أن العودة إلى النماذج القديمة للحلول لن تنجح أبدا. وقال إن جميع السيناريوهات التي طرحت حتى الآن غير واقعية لأنها تركز على اليوم التالي للحرب في غزة، بدلا من تقديم حلول ضمن حزمة شاملة تعالج السبب الجذري للمشكلة المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي.
المعشر: جميع السيناريوهات التي طرحت حتى الآن غير واقعية لأنها تركز على اليوم التالي للحرب في غزة، بدلا من تقديم حلول ضمن حزمة شاملة تعالج السبب الجذري للمشكلة المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي
وأكد المعشر على أن الظروف الحالية لدى الأطراف المحورية – إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة – غير مواتية لإجراء عملية سياسية جادة. وعرض على المجلس رؤيته لعناصر النجاح لعملية مستقبلية تتعلم من أخطاء الماضي- بما في ذلك تحديد إطار زمني لإنهاء الاحتلال من بين العديد من العناصر الأخرى، التي ستجعل مسألة من يحكم غزة خطوة على طريق إنهاء الاحتلال بدلا من غاية في حد ذاتها. وقال إن خيار السعي لعملية على غرار العمليات السابقة موجود، “لكنه سيفشل، مع استمرار العنف في تحديد عالم الفلسطينيين والإسرائيليين في المستقبل المنظور. وأضاف: “إما أن يتم اتخاذ قرار جريء لإنهاء الصراع الآن، ومحاولة تفعيل حل الدولتين القابل للحياة مع الاستمرار رغم الصعوبة الكبيرة، أو سيتعين على العالم أن يتعامل، ليس فقط مع الاحتلال، ولكن مع مسألة الفصل العنصري الأكثر صعوبة. الخيار يعود لنا”.
“إما أن يتم اتخاذ قرار جريء لإنهاء الصراع الآن، ومحاولة تفعيل حل الدولتين القابل للحياة، أو سيتعين على العالم أن يتعامل، ليس فقط مع الاحتلال، ولكن مع مسألة الفصل العنصري الأكثر صعوبة”.
مروان المعشر، نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي ونائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، pic.twitter.com/x8qDKTtRAG
— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) December 29, 2023
واستمع المجلس كذلك إلى إحاطة من إيتاي إبشتين، كبير مستشاري المجلس النرويجي للاجئين، والذي سلط الضوء على الملاحظات القانونية التي تدعم استجابة المجلس النرويجي للاجئين للأزمة الإنسانية. وقال “بعضها يصور الانتهاكات الخطيرة التي تم ارتكابها وما زالت تحدث، والبعض الآخر يتعلق بالفظائع المتعمدة التي ينبغي أن يمنعها هذا المجلس الموقر”.
وأشار إلى أن جميع الأطراف – الجماعات الفلسطينية المسلحة وإسرائيل – أظهرت استهتارا بأعراف القانون الدولي، بما في ذلك القواعد الأساسية للقانون الإنساني الدولي. وشدد على أن المجلس النرويجي للاجئين أدان أعمال العنف الوحشية التي تشنها حماس ضد المدنيين الإسرائيليين، ويواصل الدعوة إلى إطلاق سراح جميع الرهائن على الفور. كما يدعو إلى معاملة المعتقلين الفلسطينيين معاملة إنسانية، بما يتماشى مع القانون الدولي وأضاف: “إن نفس اليقين القانوني يجب أن يعني أيضا وقف الهجوم الإسرائيلي قبل أن يودي بحياة المزيد من المدنيين، والعديد منهم من النساء والأطفال”.
ألقى السفير ماجد بامية، نائب المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، كلمة بلاده، مؤكدا في البداية أن قتل المدنيين الفلسطينيين بهذا العدد ليس من الآثار الجانبية للحرب، مضيفا أن “الهجوم الإسرائيلي الذي يهدف إلى القتل الجماعي والعشوائي للمدنيين، والكارثة الإنسانية في غزة ليست نتيجة للحرب. إنها أداة تستخدمها إسرائيل للضغط على الناس وإجبارهم على الرحيل”. وقال إن المجاعة في طور التكوين ليست نتيجة غير مرغوب فيها للحرب، بل تجويع كأداة للحرب. وأشار إلى أن القتل العشوائي والاعتقال الجماعي، وتصوير عملية إذلال الفلسطينيين والاختفاء القسري والاختطاف، وبعض عمليات الإعدام التي تهدف إلى ترويع الشعب الفلسطيني برمته، هي “اعتداء كامل” على 2.3 مليون فلسطيني محاصرين ويتعرضون للقصف والتهجير منذ أكثر من 80 يوما.
ممثل فلسطين: الكارثة الإنسانية في غزة ليست نتيجة للحرب. إنها أداة تستخدمها إسرائيل للضغط على الناس وإجبارهم على الرحيل
وقال بامية إن “من تجرأ حتى الآن على إيجاد طريقة أو أخرى لتبرير ما يحدث في قطاع غزة، سيتعين عليه أن يتحمل العار إلى الأبد”. وأضاف أن من دعا إلى عدم الانتقام وعدم اللجوء إلى العنف، “يجب عليهم أن يدعموا جهودنا لتحقيق العدالة. وهذا هو الطريق الذي اخترناه. العدالة وليس الانتقام”، منبها إلى أنه حتى الآن “ما زال هذا المسار مسدودا في وجه الشعب الفلسطيني”. وأكد أنه إذا لم يتم استعادة الأمل ولم تَسُد أبواب الحرية، “فلن يستطيع أحد التنبؤ بالفصل التالي من هذه المأساة”.
من جهة أخرى، أعرب جلعاد إردان، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة في كلمته أمام الجلسة عن “الصدمة إزاء رغبة هذا المجلس في إضاعة وقته في التركيز على ظاهرة التطرف الهامشية هذه بينما تشتعل المنطقة بأكملها. والسبب الحقيقي لهذه النار المستعرة يحظى بالصمت التام هنا”. واتهم إردان المتحدثين الثلاثة بأنهم “منحازون وتقارير المنظمات الإنسانية والأمين العام كذلك”. وقال إن ما يتلى على هذا المجلس كذب من وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، وإن الأمم المتحدة تصدقها بدون تمحيص. وركز أردان على التهديد الذي تتعرض له إسرائيل من جماعة حزب الله في جنوب لبنان المدعومة من إيران، والتي أدت إلى إخلاء أكثر من 50 ألف إسرائيلي من الشمال. وقال إن إسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها.
وأشار إردان إلى أن القضية محل النقاش في مجلس الأمن هي “نتيجة للصراع، وليس السبب الجذري له”. وأفاد بأن العنف المتطرف ضد الفلسطينيين آخذ في التراجع في الضفة الغربية، مؤكدا أن إسرائيل تدين جميع أعمال العنف، ويتم اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة ذلك العنف، مضيفا “نحن نبذل قصارى جهدنا لتقديم جميع الجناة إلى العدالة”.
وقال “دعونا نتحدث عن الظاهرة المنتشرة التي تهدد الوضع في الضفة الغربية حقا؛ الإرهاب الفلسطيني”. وأضاف أنه “حينما يتم ارتكاب إرهاب فلسطيني ضد الإسرائيليين، فإن الأمم المتحدة إما تشوه أو تتجاهل الحقائق المتعلقة بضحايا الإرهاب الإسرائيليين”. وأكد أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية لها هدف واحد فقط وهو “إبطال قنابل الإرهاب الموقوتة”. وقال مندوب إسرائيل إنه ليس هناك سوى حل واحد لإنهاء الحرب في غزة على الفور وهو أنه “يتعين على إرهابيي حماس تسليم أنفسهم، وإطلاق سراح جميع الرهائن. هذا هو الحل الوحيد”. وقال إن الرهائن المحتجزين في غزة لا أحد يتكلم عنهم وقال إنه سيقرأ أسماءهم جميعا في المجلس.
وتحدث في الجلسة مندوبو الدول الأعضاء – خمسة من هذه الدول تنهي مساء 31 كانون الأول/ ديسمبر عضويتها غير الدائمة وهي: الإمارات وغانا وألبانيا والبرازيل وغابون. وسيحل محلها الجزائر وسيراليون وسلوفينيا وكوريا الجنوبية وغيانا.