مخيم طولكرم.. 45 ساعة من التدمير الممنهج لكسر المقاومة.. والمواطنون: إنها تاج على رؤوسنا

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

طولكرم- “القدس العربي”: بعد نحو 45 ساعة متواصلة، انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من مخيم طولكرم، الملاصق لمدينة طولكرم، شمال الضفة الغربية، مخلفة وراءها ما يقول عنه المواطنون بأنه أوسع عملية تدمير تمارسها وتقوم بها قوات الاحتلال في كافة مخيمات الضفة الغربية، منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وتحدث شهود عيان مؤكدين أن ما تعرّض له المخيم يفوق بمراحل ما تعرضت له مخيمات جنين ونور شمس وبلاطة شرق مدينة نابلس.

وقبل منتصف الليل، خرج مئات المواطنين فرادى وجماعات يستكشفون حجم التدمير الهائل الذي لم يترك مكاناً واحداً من دون تدمير.

تأسس مخيم طولكرم للاجئين، الذي يقع شرق المدينة طولكرم، ويلاصق أحياءها من الغرب والشمال والجنوب، في عام 1950، على رقعة مساحتها حوالي 165 دونماً، ثم زادت لتصلَ إلى 465 دونماً. ويصل عدد سكانه، حسب تقديرات “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني” لعام 2023، 10951 لاجئًا.

أحد سكان المخيم: هدف الاحتلال أن نصل لنتيجة نقول فيها إن المقاومة هي السبب في كل ذلك. نقول لهم نحن مع المقاومة، وسنبقى داعمين لها، أولادنا وشبابنا ونساؤنا مع المقاومة، المقاومة تاج على رؤوسنا

وجاء الانسحاب بعد أن قتلت قوات الاحتلال ثمانية شهداء، وهم أحمد طارق نعمان فرج (18 عاماً)، وليد إبراهيم محمد غانم (17 عاماً)، أحمد موسى مطلق بدو (17 عاماً)، أحمد معين ذيب مهداوي (35 عاماً)، عبد الرَّحمـٰن عصام إبراهيم عثمان (23 عاماً)، محمد مطيع محمود سليط (22 عاماً)، وأشرف أحمد ياسين ياسين من عزبة الجراد- طولكرم (22 عاماً)، محمّد فيصل دواس أبو عواد من مخيّم نور شمس (27 عاماً).

وتتحضّر المدينة بمخيميها وقراها المجاورة لأوسع عملية تشييع لسبعة من الشهداء، حيث من المفترض أن تنطلق بعد صلاة العصر بعد أن شيع أحدهم في ساعات صباح الجمعة.

وعثر عند منتصف الليلة، على جثمان الشهيد محمد مطيع محمود سليط (22 عاماً)، في مخيم طولكرم، ليرتفع عدد الشهداء في مخيمي طولكرم ونور شمس إلى 8 منذ بداية العدوان.

وكان الشهيد قد ارتقى إثر إصابته بعيار ناري من قناص إسرائيلي، بداية العدوان الأخير على المخيمين يوم الأربعاء الماضي، فيما منعت قوات الاحتلال الإسعاف من الوصول إليه، واختفى جثمانه وسط حديث عن إخفاء قوات الاحتلال للجثمان، ليتم العثور عليه فجر هذا الجمعة.

ويروي مواطنون من مخيم طولكرم جانباً من المعاناة التي وقعت على العائلات، حيث اعتدى الجنود على العائلات، وفجّروا الأبواب، ودمّروا منزلين بالصواريخ، في أوسع تدمير ممنهج بحق المدنيين الذي سكنوا المخيم، بعد أن كانوا يعيشون في قرى ومدن تتبع مناطق حيفا ويافا وقيسارية قبل عام 1948.

القصة الأبرز

وتبقى القصة الأبرز تلك المتعلقة بالشهيد عبد الله عثمان، الذي وثّق مواطنون استشهاده عبر فيديوهات تظهره مقيد الرجلين واليدين، وممدداً على الأرض.

وكانت الروايات قد تضاربت حول ما تعرّضَ له الشهيد، ومن هي الجهة التي قامت بتقييده. وفي شهادة أم جمال أبو هيش، التي يقع منزلها في مكان استشهاد الشاب عثمان، تؤكد أن الشاب تفاجأ بالجنود الذي أطلقوا النار عليه من داخل منزلها، وأنهم قاموا بعد إطلاق النار عليه والتأكد من استشهاده بالدعس عليه بالأرجل وركله وضربة وشتمه بمختلف الألفاظ.

وتضيف: “كما قام الجنود بالسخرية من الشهيد ومن ثم تصوروا معه وهم يضحكون، ولاحقاً قاموا بتمزيق أغطية من منزلها، ومن ثم سحبوه وقاموا بربطه وتعليقه على عمود قريب من المنزل، وهناك نكّلوا بجثته، وقاموا بالتبول عليه”.

وبقي الشهيد عثمان لساعات ممدداً على الأرض، حتى تمكّنت مسعفتان من الهلال الأحمر الفلسطيني، تمام الساعة السابعة مساء، من الوصول للمكان، ونقله إلى منزل مجاور، حيث تم تنظيفه من آثار الدماء، ومن ثم نقله عبر سيارات إسعاف، بعد عبوره منازل مواطني المنطقة.

وروت المسعفة داليا حدايدة تفاصيل محاولة إنقاذها للشاب عبد الرحمن، مشيرة إلى أنها خاطرت بنفسها وبطواقم الإسعاف من أجل إنقاذ الشاب الذي تبيّن أنه كان متوفياً.

وقالت حدايدة: “في ساعات المساء، وبعدما أعلن عن انسحاب جزئي، تمكّنتُ برفقة مسعفة أخرى من الاقتراب من المكان، وهناك وجدت الجثة مسحوبة من مكانها، وملفوفة بغطاء، وكان جسمه بارداً وينزف، حيث قمنا بنقله لمنزل قريب، وهناك طلبنا الإسعاف الذي جاء وتمكّنا من نقله، لكن الجنود اعترضوا طريقنا، وفتشوا السيارة، وحاولوا اختطاف الجثة، لكننا رفضنا ذلك، وتمكّنا من نقله للمستشفى”.

وفي مشهد آخر، نشر جنود من جيش الاحتلال فيديوهات تظهرهم في لحظات تنكيل بالمواطنين، حيث ظهر في أحد الفيديوهات جنود يجلسون على كنب يعود لأحد المنازل، فيما يجلس معتقلون معصوبو الأعين على الأرض، فيما الجنود يغنّون ويضحكون ويسخرون منهم.

وفي فيديو آخر نشرته صفحات عبرية، ظهر جندي متدين يقوم بالنفخ في البوق، في إشارة توراتية، فيما يظهر في خلفية المشهد مئات الجنود في أحد شوارع المخيم، وهم ينفذون عمليات تمشيط واسعة.

وروت إحدى الأمهات أن جنوداً متدينين قاموا بتكثيف عمليات التدمير الممنهج في المخيم، وفي استهداف العائلات التي تم نقل رجالها وشبابها إلى مناطق بعيدة من أجل التحقيق الميداني، فيما بقي الأطفال والأمهات وسط الخوف والرعب.

وقالت مواطنة إنه، في حالات كثيرة، قام الجنود بالسيطرة على المنازل، فيما طردت النساء والأطفال في البرد والعتمة.

وخلال العملية، التي استمرت نحو 45 ساعة من الاقتحام، قال جيش الاحتلال إن قواته داهمت نحو 1000 مبنى، مدعياً العثور على نحو 400 عبوة ناسفة.

وادعى جيش الاحتلال إحباط العشرات من العبوات الناسفة التي زرعت تحت الطرق من أجل استهداف الجيش في المخيم.

وأشار الجيش إلى أن قواته حقّقت مع المئات من المواطنين في المخيم، اعتقل منهم العشرات، ما يزيد عن 37 شخصاً.

كما ادعى جيش الاحتلال مصادرة 27 قطعة سلاح والكثير من العتاد العسكري، وأنهم دمّروا خمسة مختبرات لتصنيع العبوات الناسفة، وأربع غرف لعمليات الاستطلاع.

كما اعترف جيش الاحتلال بإصابة أحد جنوده بجراح بالغة الخطورة، جراء إطلاق النار من مقاومين فلسطينيين.

أحد سكان المخيم: الخسائر هي ضريبة ندفعها لكوننا لاجئين، في المقابل تحول المخيم ليصبح أسطورة، وهنا لا يمكن أن تكسر شباب المخيم.. كل ما يجري فداء الشباب

في المقابل، أظهرت فيديوهات لمقاومين تفجير جيب عسكري إسرائيلي أثناء الانسحاب من المخيم، من دون أن يعلن الاحتلال عن أي إصابات.

مهمة مستحيلة

وبعد الانسحاب، انهمك المواطنون في عملية إزالة لمخلفات العدوان، في مهمة تبدو شبه مستحيلة في ظل تكرار الهجمات على المخيم، حيث يتنقل جيش الاحتلال على 3 مخيمات أساسية، في عمليات أسبوعية، وهي جنين ونور شمس وطولكرم.

وقال أحد المواطنين إن الدمار لا يمكن الحديث عنه، فالمشهد يظهر حجم الدمار، وتساءل: “الشوارع شو خصها يتم تدميرها، نحن أمام عملية تدمير ممنهجة وسرقة وقتل واعتقال”.

 وتابع: “نحن نعلم هدف الاحتلال، إنه يريد أن نصل لنتيجة نقول فيها إن المقاومة هي السبب في كل ذلك. لكن نقول لهم نحن مع المقاومة، وسنبقى داعمين لها، أولادنا وشبابنا ونساؤنا مع المقاومة، ما نقوله هو كلمة واحدة وهي أن المقاومة تاج على رؤوسنا”.

وتابع المواطن: “ما يقومون به هو من أجل أن نصل لمرحلة نقول فيها للمقاومة توقفوا، لكن العكس هو الذي يحدث، نحن وكل المخيم سند، ولن نتهجر من المخيمات”.

وأضاف: “في حال خرجنا فسيكون من أجل العودة لبلادنا، المقاومة ثابتة والدمار والمأساة كبيرة. لكن كله يمكن تعويضه، والمال لا شيء أمام سلامة المقاومين”.

وعقّب أحدُ المواطنين الذي دمّر الاحتلال محله لبيع الهواتف الخليوية، ومخبزاً، إلى جانب سيارة من نوع جيب، مشيراً، بنوع من الغضب، إلى أن سكان المخيمات يتوقعون كل شيء من الاحتلال، حيث التدمير والقتل والتنكيل، لكنه تساءل: أين هي القيادة التي تغيب عن المشهد؟

وقال: “العتب على القيادة التي لا تنظر على شيء اسمه المخيم”، وطالب أن تأتي القيادة للمخيمات، وتعيش ظروف الحال التي يعيشها المواطنين.

وتابع: “لن نأسف على ما خسرناه، ولا عتب على الاحتلال، والحقيقة أن المخيم لا يمكن كسره، وفي المقابل لا يوجد من يمثّل اللاجئين، المخيم يمثل نفسه فقط”.

وأضاف، وهو يسير مستعرضاً ما تعرّض له من خسائر: “الخسائر هي ضريبة ندفعها لكوننا لاجئين، وفي المقابل تحول مخيم طولكرم ليصبح أسطورة، وهنا لا يمكن أن تكسر شباب المخيم. كل ما يجري فداء الشباب”.

وقال مدير عام الإدارة العامة لدائرة شؤون المخيمات في “منظمة التحرير” محمد عليان إن “ما تتعرض له المخيمات هو جانب من مسلسل إجرامي احتلالي يمارس في غزة، وأصبح يمارس بنفس الصورة في الضفة الغربية”.

وتابع في حديث صحافي: “الدموية في التعامل مع الفلسطيني تتنقل من مكان لآخر، ومن مخيم لآخر، وهي تصبُّ في محاولة التهجير التي أصبحت تسير بطريقة ممنهجة، لكن يقابل كل ذلك بصمود المخيمات، رغم كونها الأكثر فقراً وصعوبة للحياة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية