الرباط – «القدس العربي»: اشتكى الشاعر والإعلامي المغربي محمد بلمو التعامل السيئ مع «مهرجان بني عمار»، الذي راكم سنوات من العطاء وأهدى للمنطقة المنسية والهامشية إشعاعا تجاوز حدود الوطن.
جاء ذلك في لقاء لـ»القدس العربي» مع أحد مؤسسي وأعمدة مهرجان بني عمار، بكرنفاله الشهير الذي يحتفي بكائن خدوم هو الحمار.
وحسب بلمو فإن «هذا التعامل السيئ مع مهرجاننا، يجعلنا نلح على ضرورة الاستيعاب الجيد لدرس الطفل الراحل ريان، وهو انه لم يعد مقبولا بأي شكل من الأشكال ان نرهن مصير طفولتنا القروية بالثقوب المائية والثقوب الصحية والثقوب الثقافية والثقوب التنموية، لأننا نؤدي ثمن ذلك باهظا جدا.»
وقال «كنا ننظم أياما وأسابيع ثقافية محلية، لكن انشغالنا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور بالقصبة والمنطقة وارتفاع نسبة الهجرة القروية، جعلنا نفكر في تنظيم مهرجان ثقافي ليكون قاطرة تنموية.»
وأضاف «بدأنا سنة 2001، بتنظيم الدورة الاولى التي كان نجاحها حافزا من أجل الاستمرار رغم غياب الدعم باستثناء مساهمة المركز الثقافي الفارابي في هولندا والدعم المحتشم لوزارة الثقافة. لكن الدورة الثانية عرفت لأول مرة حضور والي جهة مكناس تافيلالت آنذاك إلى قصبة بني عمار، خلال اختتام الدورة. ولأن تقديم التراث المحلي هو ما يمنح التفرد لكل تجربة من هذا النوع، فقد أدخلنا في الدورة الثالثة للمهرجان فقرة أردناها ان تكون لحظة اعتراف بكائن يلعب عبر تاريخ المنطقة الجبلية دورا أساسيا في حياة واقتصاد السكان، الا وهو الحمار، رغم اعتراض البعض بسبب النظرة النمطية القدحية والتحقيرية لهذا الكائن الخدوم، والصبور والوفي والجميل. فقرة بسيطة عبارة عن سباق لأطفال القصبة وهم يركبون حميرهم، مع منع كل أشكال العنف المادي والرمزي في حق الحمير.»
وحسب المتحدث نفسه، فقد «كانت هذه الفقرة البسيطة كافية لنشر قصاصة تناقلتها كل صحف ووكالات انباء العالم. فقرة خلقت الحدث وأثارت النقاش وردود الفعل المختلفة وجعلتنا في موقع الدفاع ليس عن فكرة المهرجان، ولكن الدفاع عن هذا الكائن الذي نقابل خدماته التاريخية للإنسان بالمزيد من النكران والتبخيس والاحتقار، حتى جعلنا منه سبة نتبادلها فيما بيننا.»
وتابع قائلا «الإشعاع الذي نالته هذه الفقرة شجعنا على إعطاء المزيد من الاهتمام والعناية بها، فحولناها إلى كرنفال يتضمن عددا من الفقرات لعل أهمها سباق السرعة ومسابقة الجمال، وهو الكرنفال الذي تغطيه أكبر القنوات التلفزية ووكالات الانباء الدولية.»
سؤال «القدس العربي» الموالي، كان حول استفادة قصبة (قلعة) بني عمار العتيقة من الإشعاع الثقافي والصيت الدولي للمهرجان، وهل تمكنت من تجاوز عقبة الهامش والحصول على نصيبها من التنمية في مختلف المجالات خاصة البنية التحتية؟
قبل الرد على السؤال، أشار بلمو إلى أن عددا كبيرا «ممن تبقى علاقتهم محدودة أو سطحية مع تجربة مهرجان فيستي باز، يعتقدون أن إشعاعه الدولي كان صدفة وليس نتيجة عمل ومجهود كبيرين وتضحيات جمة ومغامرة إبداعية، في قرية جبلية مهمشة رغم تاريخها وتراثها، كان يصعب الوصول إليها بسبب رداءة الطرق المؤدية إليها وغياب علامات التشوير.»
بالنسبة لبلمو، فهؤلاء «يغفلون انه كان تحديا كبيرا أن ننظم مهرجانا ثقافيا وازنا في فضاء تنعدم فيه تماما وإلى يومنا هذا، البنيات الثقافية وبنيات الاستقبال عموما، فلا دار شباب ولا دار ثقافة ولا قاعة عرض ولا مطعم ولا فندق.»
ومع ذلك، يوضح المتحدث، «وبإمكانيات محدودة استطعنا ان ننظم دورات ناجحة من حيث البرامج والجمهور والمشاركين والتنظيم، فقد استقبلنا عشرات الكتاب والشعراء والفنانين، والاعلاميين، ونظمنا ندوات وتوقيعات كتب وتكريمات وسهرات وازنة ونوعية، فضلا عن الاوراش والمعارض والكرنفالات.»
وبغصة يقول بلمو، «لكن ذلك النجاح لم يكن بدون ثمن، فما بين 2001 تاريخ أول دورة وسنة 2019 تاريخ آخر دورة، قبل دخول العالم في دوامة وباء كورونا، لم ننظم سوى 12 دورة، في حين كان علينا ان ننظم 19 دورة، لماذا؟».
يجيب المتحدث على سؤاله، قائلا «لأنه كلما نجحت دورة من المهرجان، ونالت إشعاعا دوليا، كلما كثرت ونشطت معاول الهدم وتفتقت عبقرية الحقد والضغينة عن محاولات حثيثة لتشويه سمعة المهرجان والتحريض عليه والإساءة اليه لحرمانه من الدعم الهزيل أصلا، لا لشيء سوى لأنه نجح حيث فشلت الكثير من التجارب المستنسخة رغم أنها ولدت وفي أفواهها معالق من ذهب، ولسان حالها أن قرية لا تستحق أن ينظم فيها مهرجان كما لو كان سكان العالم القروي منقوصي المواطنة والحقوق ومن درجة ثالثة او رابعة.»
وتوقف بلمو عند واقعة صادفته شخصيا بمعية أعضاء من الجمعية المنظمة للمهرجان أثناء سعيهم في توفير الدعم اللازم، وقال «لقد فوجئنا حد الصدمة، عندما سألنا مسؤولا إقليميا في لقاء معه سنة 2019، عن علاقة مهرجاننا بثورة بوحمارة، وعن نية إساءتنا لبلدنا المغرب وتشويه سمعته دوليا من خلال الاحتفال بكائن الحمار، والكثير من الغرائب التي سردها علينا خلال لقاء دام أكثر من ساعة.»
واستطرد بلمو مؤكدا، «طبعًا، فنحن نعرف أن هذا المسؤول معذور، لأنه ليس من المنطقة وقد تلقى معطيات ومعلومات مغلوطة وكيدية حول المهرجان من طرف أناس من إقليم مكناس لم يعجبهم نجاح وإشعاع مهرجان قروي فقير تمويليا ولوجيستيكيا، لكنه غني وثري شكلا ومضمونا. وللأسف فقد انخرط في هذه الحرب على مهرجان بني عمار زرهون أشخاص ينتمون للنخبة «المثقفة» في إقليم مكناس كما في العاصمة الرباط ظلما وعدوانا. لذلك أجبرنا على إلغاء عدد من دوراته بسبب شح التمويل، رغم أنه حصل على جائزة دولية سنة 2013، كما سجلته مديرية الآثار والتراث في وزارة الثقافة تراثا وطنيا لا ماديا».
ويضيف المتحدث، «لكن الأهم من ذلك أن المهرجان استطاع تسليط الاضواء على القصبة والمنطقة، وساعد ذلك بتضافر الجهود بين المجتمع المدني والسلطات المحلية وأبناء القصبة الخيرين على تحقيق تقدم على مستوى جودة الطرق المؤدية من وإلى القصبة، كما هو الأمر بالنسبة لأزقتها وساحاتها وإصلاح وترميم المسجد الاكبر وإنشاء ملعب، لكن على مستوى البنيات الثقافية فما زالت القلعة لا تتوفر على دار ثقافة أو دار شباب أو قاعة عرض، ولا بنيات استقبال.
وهذا طبعا يلجم عملية تحويل المهرجان إلى قاطرة تنموية.
وصلنا في حوارنا مع محمد بلمو إلى سؤال الدورة المقبلة من المهرجان، وهل تجاوزت عقبة الدعم بعد كوفيد ام ان امر تنظيمها ما زال معلقا، فأجاب قائلا «رغم أن ضمان الحد الأدنى للدعم مشكوك فيه بسبب تجذر عقلية تمييزية في حق سكان العالم القروي، سواء في الادارات العمومية أو في القطاع الخاص تتوهم ان الانسان القروي عليه أن يكدح فقط، ولا حق له في الثقافة والفن والترفيه، ورغم استمرار محاربة مهرجاننا القروي من طرف عدة جهات، فإننا سنعمل كل ما في وسعنا من أجل تنظيم الدورة الـ13 خلال هذه السنة. سنقدم ملف الدورة أساسا لقطاع الثقافة في الوزارة الوصية التي سجلته مصالحها قبل خمس سنوات تراثا وطنيا لا ماديا مما يعني انه يستحق الدعم والاستمرارية، كما أن جهة مكناس فاس التي لم يسبق لها أن دعمت مهرجاننا مثل دعمها للعديد من المهرجانات، هي ملزمة بإنصافه ودعمه. وسنرى كذلك تفاعل عدد من الجهات الإقليمية والمحلية العمومية والخاصة مع طلباتنا.»