الدامور مدينة ساحلية، تقع في محافظة جبل لبنان، وتبعد حوالي 25 كلم جنوب العاصمة بيروت، وتمتد على مساحة 800 كيلومتر مربع وهي أكبر المدن الساحلية اللبنانية وأجملها لما تحتضنه من مساحات خضراء ومعالم أثرية رائعة.
يرجع أصل تسمية الدامور إلى كلمة داموراس التي تعني ديمومة بالفينيقية.
وتتميز المدينة بطقس معتدل وأضحت تشكل نقطة جامعة للتمتع بحرارة شمسها وزرقة بحرها، وهي أيضا تعتبر موقعاً سياحياً بفضل مناخها والمعالم التاريخية والتراثية والمنتجعات البحرية القائمة فيها.
في عام 2009 تم اختيار الدامور كموقع لاستقبال الجزيرة الاصطناعية الأولى قبالة سواحل لبنان التي ستكون على شكل أرزة ومن المقرر أن يبدأ المشروع في وقت لاحق.
قبل الحرب كان عدد سكانها 15000 نسمة، أما اليوم فيبلغ العدد حوالي 25 ألف نسمة. وتضم المدينة العديد من العائلات التي يصعب تعدادها جميعا ولعل أكبرها عون، وقزي، وغريب، وابو عبدالله، وعقل، وداغر، وشعيا وغيرهم.
العاصمة الإدارية الفرنسية
أما تاريخ هذه المدينة ومناطقها المجاورة، فهو حافل إذ كانت عاصمة لجبل لبنان بين القرن 17 وبداية القرن 20 وقد أولى الأمير فخر الدين اهتماما كبيرا بهذه المنطقة لانها تقع على المحور المركزي للمعارك والحروب المتتالية.
وفي عام 1302 بعد أن استولى المملوك على جزيرة أرواد في 8 حزيران/يونيو من نفس العام، هبط القبارصة على نهر الدامور. ثم وقعت معركة بين الأمير فخر الدين عبد الحميد بن جمال الدين التنوخي وشقيقه الأمير شمس الدين عبد الله برفقة جيش من المسلمين ضد القبارصة، وفاز الصليبيون في المعركة. ثم قُتل فخر الدين بينما سقط أخوه شمس الدين كرهينة، وتم الإفراج عنه بعد خمسة أيام مقابل فدية قدرها ثلاثة آلاف دينار.
وفي عام 1941 كانت مدينة الدامور هي العاصمة الإدارية الفرنسية، وكانت نقطة عبور إستراتيجية على الطريق المؤدي إلى بيروت، وفي عام 1942 بنى مهندسون من جيش جنوب أفريقيا خط سكة حديد من حيفا إلى بيروت على طول الساحل واستمر المهندسون الأستراليون في بناء خط طرابلس.
تحتوي الدامور على العديد من الكثبان الرملية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وهي محاطة بمزارع الموز ومحاصيل الخضروات.
ولأن الدامور هي واحدة من المدن القليلة في الساحل اللبناني التي لديها شاطئ رملي ساحر وجذاب، ولأنها على بعد عشر دقائق من بيروت، نجدها تجتذب السياح من كل مكان وخاصة عشاق الرياضات المائية.
وتتواجد في الدامور العديد من المطاعم والمقاهي والأماكن السياحية والمنتزهات التي تقدم الوجبات الخفيفة والمشروبات على طول الشاطئ، ويوجد أيضًا عدد قليل من المطاعم على أطراف نهر الدامور.
وقد اشتهرت المدينة الساحلية بزراعتها للحمضيات واعتاد أهل جنوب لبنان المرور بأسواقها لشراء ما يحتاجونه من خضار وفواكه، وخاصة الخس والموز والبرتقال والماندارين.
قصر أثري عثماني
في المدينة ست كنائس أكبرها كنيسة نوتردام وسانت إلياس، وفيها أيضًا كنيسة سانت ميشيل وسانت نيكول وغيرها من الكنائس الأخرى القديمة والحديثة.
ويوجد فيها قصر أثري قديم يقال إنه كان مقراً لأحد المتصرفين الذين تولوا دفة البلاد ابان الحكم العثماني في لبنان، وقد تحوّل اليوم إلى مدرسة خاصة بعدما اعيد ترميمه واضيفت إليه مساحات جديدة.
ومن آثار الدامور بقايا جذوع الأشجار التي دلت الكشوفات على أنها كانت موجودة منذ الماضي السحيق، ونواويس حجرية، وكهوف ومغاور تعود إلى العهود الفينيقية، وبقايا الطريق الرومانية التي أنشئت على عهد قسطنطين، وبرج شيّده الصليبيون على الشاطئ للحراسة.
كما اشتهرت برجالِ أضحوا اليوم من المشاهير ومن أبرزهم مصمم الأزياء العالمي ايلي صعب والأديبة روز غريب التي اشتهرت بالتأليف وإدارة الدروس والتربية والتنشئة الأدبية والثقافية، والمطران ميشال عون الذي أصبح سنة 2010 مدققا في سينودس المطارنة للمسيحيين في الشرق الأوسط واليوم هو اسقف على جبيل، والشاعر الزجلي المعروف جوزيف الهاشم الملقب بـ «زغلول الدامور».
الجسر القديم
وشدد رئيس البلدية شارل غفري على أهمية تشجيع ودعم السياحة وبصورة خاصة السياحة البيئية ضمن إطار قانون بيئي يحمي المقدرات الطبيعية التي تشكل مصدر غنى لها، مع التركيز على أهمية دعم الاستثمارات لا سيما تلك التي يقوم بها أبناء الدامور والتي بلغت 15 مليون دولار، الأمر الذي يؤدي إلى تأمين فرص عمل ووظائف وينعكس استقرارا للأهالي في أرضهم. واعتبر غفري لـ«القدس العربي» ان أبناء الدامور يتمسكون بأرضهم ويرفضون بيعها، وكان لهم نضال في هذا المجال، حتى ان البلدة قامت بحملة لإعادة الممتلكات التي تم بيعها خلال الحرب ونجحت في استرداد العديد منها. وعبر غفري عن رفضه للمشروع السياحي العائم المقترح انشاؤه على ساحل الدامور ويقضي بردم مساحات في البحر وإنشاء منتجعات سياحية على شكل أرزة، معتبرا هذا المشروع يضر ببيئة البلدة وطبيعتها سالخا منها الكثير من مساحاتها.
وأكد غفري على ان الدامور هي من أهم وأبرز المدن التاريخية والسياحية في لبنان، وهي بالإضافة إلى ما فيها من معالم، فمنها يمكن التوجه إلى بلدة المختارة وقصر بيت الدين، وقصر موسى ودير القمر وغيرها من المناطق الأثرية في جبل لبنان.
ويؤكد على أن هناك محاولات جادة واتصالات واجتماعات مع الدوائر المعنية في الدولة وخاصة وزارة السياحة من أجل إعادة الدامور إلى ما كانت عليه قبل الحرب الأهلية من حركة سياحية وزراعة وصناعة حرفية.
وعدد غفري أكثر ما تشتهر به الدامور اليوم ويحتاج لمساعدة ودعم ومنها زراعة الحمضيات والموز، وصناعة الأواني الفخارية وكراسي القش والتحف إلى جانب الملابس التراثية والفولكلورية اللبنانية.
لافتا إلى ان الوضع اليوم في الدامور هادئ، رغم الانهيار المعيشي الذي يضرب لبنان، مؤكدا أن المدينة آمنة ومستقرة ويمكن للسياح الاستمتاع بجمال طبيعتها وبحرها ومعالمها وخاصة الجسر القديم الذي يعتبر من أهم المعالم الأثرية في الدامور كما قال غفري.
هذا الجسر الأثري يبلغ طوله نحو 20 مترا، أما تاريخ هذا المعلم فيعود إلى أيام الأمير بشير الشهابي الذي أولاه اهتماماً كبيراً، حيث كان يعتبر الدامور مركزاً استراتيجياً في منطقة جبل لبنان. وكان يطلق على الجسر لقب «المخرب» نتيجة الخراب الناتج عن فيضان النهر الذي يمر تحته في مواسم الشتاء القاسية. ورغم إعادة ترميمه أكثر من مرة إبان المتصرّف العثماني، فإن فرنكو باشا كان الوحيد الذي استطاع انقاذه والمحافظة عليه بعدما أنفق على إعادة بنائه ما يزيد عن 50 ليرة ذهبية مستعملاً الحديد والأسمنت المسلح. واعتبرت بلدية المدينة أن جسر الدامور القديم هو رمز من رموز لبنان الماضية، تماماً كالأسواق القديمة. وعرف الجسر شهرة واسعة قديما إذ كانت تقام عليه المهرجانات الفنية وتنصب فوقه أقواس الغار لاستقبال زائر غير عادي. وتروي حكايات أهالي المدينة بعض الذكريات، فعند زيارة العاهل الأردني الراحل الملك حسين للمنطقة فرش له أهل الدامور يومها السجاد الأحمر ومنعوا مرور السيارات على الجسر، ليتسنى لهم الاحتفاء بالملك. حتى الفنانة صباح ساهمت في شهرته عندما غنت على جسر الدامور الذي كان معروفاً بأشجار اللوز المحيطة به.
وحديثاً أقامت الدولة اللبنانية على الجسر القديم جسرين ومع ذلك بقيت الطبيعة في حوضه، عذراء وبقي ماؤه الجاري نقياً برغم انه غير مصنف كمحية.
ملتقى الحضارات والعيش المشترك
يعتبر نهر الدامور من أبرز معالم المدينة وهو نهر ساحلي يمتد إلى حوالي 37.5 كيلومتر (23.3 ميل) في محافظة جبل لبنان، وينبع من عدة أنهار في منحدرات قمة جبل الباروك الطبيعية التي يبلغ ارتفاعها 1943 مترا، وتتدفق مياه النهر غربًا عبر وادي جسر القاضي، حيث يستقبل المياه من مجاري جبال الشوف، ويتدفق النهر باتجاه البحر الأبيض المتوسط، جنوب الدامور.
وأما المتنزهات القليلة القريبة من مصبه، والمتنزهات عند منبع أحد رافديه فشكلت هي الأخرى حاجزا من التلوث، إذ إن أصحاب المتنزهات يدركون ان نقاء النهر وجمال حوضه هما جزءان من رأس مالهم، ولذلك منعوا الصيد، ومنعوا قطع الأشجار، فضمنوا بذلك حركة سياحية قريبا من المصب.
وتشهد الدامور سياحة ناشطة لما تتمتع به من طقس معتدل وانتشار العديد من المعالم السياحية لا سيما الأوسيانا والجنة على البحر، ويعتبر ملتقى النهرين من أجمل المناطق السياحية في لبنان، بالإضافة إلى نهر الدامور والسهل الذي يمتد على طول الشاطئ.
يقول جورج داغر (70 عاما) من أهالي الدامور أن المدينة هي من أهم المدن التاريخية والسياحية اللبنانية، نظرا لموقعها الاستراتيجي ولمكانتها التاريخية ولما فيها من معالم أثرية وسياحية، وكانت الدامور كما يقول داغر ملتقى الحضارات والعيش المشترك، وكانت موقعا سياحيا يقصده العرب والأجانب، لشراء الأواني الفخارية والاستمتاع بالجو الهادئ والهواء النقي والشاطئ الذهبي.
وأضاف داغر لـ«القدس العربي» اشتهرت مدينة الدامور قبل الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 بأماكنها السياحية ومعالمها التاريخية وأسواقها التجارية وصناعة الفخار وتصنيع الخشب والقش إلى جانب التحف الأثرية.
ويعرب عن أسفه لما وصلت إليه الأحوال في الدامور، وقال: بعد الحرب اللبنانية تغيرت معالم المدينة، ورحل معظم سكانها، البعض غادر إلى مناطق لبنانية أكثر أمنا والبعض الآخر غادر لبنان إلى غير رجعة.
وتابع، الدامور اليوم جميلة بطبيعتها وهدوئها وجمال الحياة فيها، لكنها ليست الدامور القديمة التي كانت أسواقها وشوارعها تشهد ازدحاما بالمغتربين اللبنانيين، وبالسياح العرب والأجانب.
وختم قائلا، اليوم ومع الانهيار الذي يتعرض له لبنان، لم يعد من الممكن إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، ولم نعد نتوقع أو نحلم بعودة الحياة وحركة الأسواق والازدحام في الأماكن السياحية كما كان خلال سنوات خلت.
لاشك أن المناطق اللبنانية غنية بالمدن التاريخية والمعالم الأثرية، ومنها صور وصيدا وجبيل وبعلبك، ودير القمر وغيرها، لكن لمدينة الدامور الساحلية ميزة خاصة من بين المدن، نظرا لموقعها الاستراتيجي الرابط بين مختلف المناطق والمدن الرئيسية اللبنانية، ونظرا لموقعها في تاريخ لبنان القديم والمعاصر، ودورها الريادي في أيام السلم والاستقرار، وهذا كله جعل لمدينة الدامور ميزة يشعر بها المتجول في شوارعها وأزقتها، ولمن تسمح له الظروف بالجلوس مع أهلها على الكراسي المصنوعة من القش والخشب.