مدينة الدور إحدى مدن وسط العراق، وتمثل إداريا قضاء تابعا لمحافظة صلاح الدين، إذ تقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وتبعد عن العاصمة بغداد حوالي 170 كم، كما تتوسط مدينتين تاريخيتين من مدن العراق القديمة، فهي في منتصف المسافة بين سامراء وتكريت، تبعد عن سامراء حوالي 30 كم، بينما تبعد 25 كم عن تكريت، ويحدها من الشرق نهر العظيم وتلال حمرين ومحافظة كركوك، ومن الشمال مدينة تكريت، ومن الجنوب مدينة سامراء ومن الغرب نهر دجلة.
كل سكان الدور الأصليين من القبائل العربية القديمة التي سكنتها منذ مئات السنين، وبالرغم من عراقة نسب هذه القبائل التي تعود أصول بعضها إلى النبي محمد (ص) أو العباس بن عبد المطلب عم الرسول (ص) إلا أن عددا كبيرا من أبنائها تركوا أسماء قبائلهم وانتسبوا إلى المدينة فأصبحوا يحملون لقب الدوري.
ومن عشائر الدور، عشيرة الشويخات التي يرجع نسبهم إلى إلى جدهم الأعلى شويخ المتحدر من قبيلة الجبور ويعتقدون انهم متحدرون من نسل الصحابي عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وعشيرة المواشط يدعون التحدر من السيد محمد الخلاني دفين بغداد ويعود نسبهم إلى علي زين العابدين بن الحسين (ع) أما عشيرة البوحيدر التي تنتسب إلى قبيلة طيء القحطانية، فيذكرون أن نسبهم يرجع إلى الصحابي عدي بن حاتم الطائي. وكذلك عشيرة البو مدلل التي يرجع نسبها إلى العباس بن عبد المطلب (رض) عم الرسول (ص) ومن أبرز عوائل هذه العشيرة عائلة السويدي البغدادية المعروفة.
النقل النهري
الدور تشبه الكثير من مدن وسط العراق في حوض دجلة الشمالي، اعتاشت على مر القرون على الزراعة، كما تشير الدراسات التي تناولت تاريخ المدينة وحال سكانها إلى أنهم اشتغلوا بالتجارة، ونسيج الأقمشة، والعباءات، والأفرشة الصوفية والقطنية، واشتهرت بشكل خاص بنقل المنتجات الزراعية من مدن شمال العراق إلى الوسط والجنوب وبالعكس، وكانت تجارة الدوريين تتم بواسطة النقل النهري في نهر دجلة، إذ استخدموا «الأكلاك» في نقل حمولاتهم الكبيرة حتى عام 1957م وهو تاريخ اكتمال بناء سدة سامراء التي أدت إلى اضمحلال هذه الطريقة في النقل النهري نتيجة قطع الطريق الواصل إلى العاصمة بغداد.
والكلك عبارة عن طوف خشبي مكون من مجموعة ألواح يتم ربطها بالحبال وتعويمها باستخدام القرب المصنوعة من جلود الحيوانات المنفوخة التي تربط ببعض ليتم بها تعويم الطوف الخشبي العملاق الذي يحمل أطنانا من البطيخ والحبوب والفحم والبلوط والتبغ من مدن شمال العراق، ونقلها مع انحدار تيار نهر دجلة إلى العاصمة ومدن الجنوب، حيث تتم عمليات تفريغ وبيع حمولات المنتجات الزراعية، ليتبع ذلك تفكيك الأكلاك وبيع الجلود والأخشاب في مدن الفرات الأوسط كالنجف وكربلاء، لتتم العودة برا في قوافل تحمل التمور والأصواف والشاي والسكر والزيوت الحيوانية وتتجه شمالا إلى مدينة الدور ومدن الشمال كالموصل وباقي مدن الجزيرة الفراتية.
وقد سكن جزء من أهالي مدينة الدور في إحدى محلات كرخ بغداد غرب نهر دجلة، وهي «محلة الدوريين» حيث كانت تلك المنطقة السوق الأكبر لتجارة الحبوب والمنتجات الزراعية في العاصمة، فبات الدوريون ينتقلون بين مدينتهم شمال العاصمة ومحلتهم حيث يستقبلهم أبناء عمومتهم في العاصمة بغداد.
وقد برز من أبناء المدينة الذين استقروا في العاصمة شخصيات علمية وسياسية واجتماعية كثيرة، وربما كان الأبرز بين العوائل المتحدرة من مدينة الدور والتي لعبت أدوارا سياسية مميزة في تاريخ العراق المعاصر هي عائلة السويدي التي برزت منها شخصيات دينية وعلمية مثل الفقيه الشيخ يوسف السويدي، والسياسيان توفيق السويدي وأخوه ناجي السويدي الذين شغلوا مناصب وزارية متعددة في الحقبة الملكية. ومن أبنائها الأكاديمي والمؤرخ العراقي البارز الدكتور عبد العزيز الدوري الذي ولد في الدور عام 1919.
طبقات من التاريخ
كحال أغلب مدن العراق، هناك طبقات من التاريخ تراكم بعضها على بعض، ويجب علينا أن نقشرها عندما نتناول إحدى المدن بالكتابة والبحث. وقد أشار يونس السامرائي في كتابه «تاريخ الدور» إلى الأسماء التاريخية لهذه المدينة بقوله إن «اسم المدينة القديم هو دورا، وقد ورد هذا الاسم في بعض الكتابات الآشورية». كما أشار الآثاري العراقي سالم الالوسي في عدد مجلة «سومر» الصادر عام 1954 بقوله «ويبدو لنا أن طرق القوافل في شمال العراق قد تبدلت بمجيء الساسانيين إلى الحكم، إذ يخبرنا المؤرخ اميانوس مارسيلينيوس بأن الامبراطور الروماني جيوفان وجيوشه المندحرة في طيسفون سلك عام 363 م طريقا يحاذي نهر دجلة من الجهة الشرقية ثم عبر دجلة عند موضع الدور شمال سامراء، ومنه حث السير نحو هدفه نصيبين سالكا أقصر الطرق».
كما ورد ذكر مدينة الدور في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي باسم «دور عربايا» وهو الاسم الذي عرفت به قبل مئات السنين، ومعنى الاسم «مساكن العرب». كذلك ذكر في مكان آخر «أن بها ديرا مسيحيا قديما هو دير الطواويس». أما محب الدين الحسيني، صاحب «تاج العروس من جواهر القاموس» فقد ذكرها باسم» دور عربايي». ويشير يونس السامرائي في «تاريخ الدور» إلى أن المدينة قد خربت آخر عهد الساسانيين في العراق، وبقيت خربة حتى عهد العباسيين، إذ أعيد بناؤها على يد الخليفة العباسي المعتصم بن هارون الرشيد سنة (221هـ – 836م) أي بعد تشييد بغداد بنحو خمس وسبعين سنة. وعن بناء المدينة يخبرنا المسعودي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر» في الحديث عن بناء مدينة سامراء وما حولها من تعمير، إذ يقول «وأقطع المعتصم قائده أشناس التركي قطيعة كبيرة شمالي المدينة عرفت باسم كرخ سامرا، وقامت فيه قصور وعمائر وسور كبير من اللبن، وأقطع بعض القواد قطيعة شمالي كرخ سامرا عرفت باسم الدور، كما أقطع قائده الافشين قطيعة كبيرة جنوبي المدينة سميت المطيرة».
مزار الإمام محمد الدوري
في المدينة عدد من المساجد، بعضها مثبت التاريخ، بينما البعض الآخر بتاريخ شفاهي، فقد زار المدينة كاظم الدجيلي عام 1911م وكتب عنها مقالا نشر في مجلة «لغة العرب» لصاحبها انستاس ماري الكرملي ذكر فيه «وأبنية هذه البليدة مبنية بالحجارة والجص لا بالآجر أو بالطين فقط، وأغلب أشغال رجالها مكاراة الدواب والبذرقة واتخاذ الأكلاك» ثم يضيف «وفي البلدة خمسة مساجد هي الجامع الكبير، ويقال أنه من أبنية الخليفة عمر بن عبد العزيز، ولا أثر هناك لكتابة تؤيد هذا الرأي، ثم جامع السادة، ومسجد الشويخات وهو قديم لا يعرف بانيه، ومسجد المواشط وهو خرب، وجامع البو حيدر وهو قديم البناء لا يعرف من عمره». ثم يعرج الدجيلي على أهم مزارات المدينة ومعالمها التاريخية وهو مزار الإمام محمد الدوري فيقول واصفا «بالقرب من المدينة مرقد الإمام محمد الدوري، ويصفه العوام بمحمد الدر، وفي كتاب جامع الانوار للبندنيجي أن هذا الشيخ ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم، وقد توفي في قرية الدور، وفي كتاب التاج أنه مات قبل 300هـ».
كما ذكر مزار الإمام محمد الدوري، الصوفي محي الدين الصديقي الخلوتي في كتابه «كشط الروى وغسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان» إذ قال في تفاصيل رحلته التي قام بها عام 1726 م ما نصه «وصلنا إلى قصبة يقال لها الدور، وقد حلاها سيدي محمد المرفوع الستور نجل سيدي موسى الكاظم الإمام المشهور، وكان له من الأولاد نحو الثلاثين ومنهم هذا السيد المذكور».
كما ذكر المدينة وإمامها عدد من الرحالة الأجانب والمحليين ممن زاروا المنطقة. إذ يشير الرحالة الفرنسي تافرنييه الذي زار المدينة عام 1632م وكتب عنها قائلا «بعد أن جذفنا ثلاث ساعات صادفنا بلدة على الجهة الآشورية تسمى إمام دور، وهي باسم شخص له مرقد فيها ويعده الناس وليا، وهو موضع تكريمهم، ويقصده كثير من أهل الدعاء والنذور». أما الشيخ عبد الله بن حسين بن مرعي السويدي الذي قام برحلته في عام 1745م فكتب يقول «الدور قرية شرقي دجلة على شاطئها فوق سر من رأى، وبها مشهد عظيم يزار ويتبرك به، وله أوقاف وجامع وخطبة، يقال انه مشهد الشيخ محمد الدوري وقد خرج من بعده في القرية علماء وصالحون لا يحصون».
أما السيد محمد بن احمد الحسيني المعروف بالمنشيء البغدادي فقد ذكر مدينة الدور ومشهدها في رحلته عام 1822، فقال «ومن تكريت إلى إمام دور ستة فراسخ، وفيها ما يقرب من ألف بيت، ومن مشاهدها قبر الإمام محمد الدوري، وأهلها نسجاون وملائية وحفاظ، شافعية المذهب». أما الخاتون، مس غيرترود بيل فقد زارت مدينة الدور عام 1908 وكتبت عنها «تقع قرية الدور فوق موقع قديم، وقد ذكرها المؤرخ الروماني مارسيلينيوس في حديثه عن تراجع الامبراطور جيوفان، وهي تشتهر الآن بمعبد إمام دور محمد بن موسى بن جعفر الكاظم الذي يرتقي نسبه إلى أئمة الطائفة الشيعية، وقد قرأت هذا النسب في كتابة محفورة على لوحة من المرمر مثبتة فوق الباب، وهذه الكتابة مؤرخة سنة 871هـ الموافق 1466م، وهناك شك حول هذه الكتابة، إذ نقلها البروفيسور سار من دون ان يلاحظ التاريخ، وأعطاها إلى البروفيسور فون بيرخم الذي قرر أن شكل الكتابة قد يعود إلى القرن التاسع».
أما حال مدينة الدور اليوم فيمكننا القول إنها شهدت أحداثا جسام بعد الاجتياح الأمريكي عام 2003 إذ تم في كانون الأول/ديسمبر 2003 إلقاء القبض على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في أحد بساتينها في مخبئ عرف بحفرة العنكبوت، كما شهدت المدينة الكثير من جولات القتال ضد القوات الأجنبية، ولاحقا ضد قوات الجيش العراقي، نتيجة سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة على المدينة، لذلك فقد تعرضت بيوتها وبناها التحتية إلى الكثير من الدمار في معارك تحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي عام 2015 وما تزال الدور تلعق جراحها وتحاول أن تعيد دورة انبعاثها مرة أخرى.