بنغازي مدينة لا تزال تكتب تاريخها بالدم والأشلاء

حجم الخط
0

بنغازي ‘القدس العربي’ تعكس الأحداث الدامية التي تشهدها مدينة بنغازي، حقيقة الصراع الذي ضرب هذه المدينة الوادعة، صراع بين قوتين تحاول كل منهما إثبات وجودها والسيطرة على الأوضاع على الأرض، حلفاء الأمس في ميادين القتال ضد قوات النظام السابق، انقلبوا على أعقابهم وصاروا يتقاتلون ويتبادلون الاتهامات ويوجهون فوهات بنادقهم إلى بعضهم البعض.
اشتباكات عنيفة شهدتها مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية، بين قوات أمنية ‘من الشرطة والجيش’ ومسلحين ينتمون إلى ما يعرف بتنظيم أنصار الشريعة و’الدروع’، وهما كتائب مسلحة خارج شرعية الدولة، إلا من الدعم المالي الذي ترغم الدولة على سداده بالقوة، حيث اندلعت معركة ضارية بين الطرفين حينما حاول عدد من عناصر أنصار الشريعة والدروع المسلحة المنتسبة اسمياً إلى رئاسة الأركان اقتحام مديرية أمن بنغازي بأكثر من سبعين عربة عسكرية مدججة بالسلاح، بمنطقة الهواري فتصدت لهم القوة المتمركزة أمام المديرية، ما أسفر عن سقوط ثمانية قتلى وعشرات الجرحى من منتسبي القوات الخاصة ‘الصاعقة’وبعض الضحايا تمّ قتلهم ذبحاً بعد اختطاف عدد منهم من قبل المتشددين.
وبحسب ما أوردته بعض الصفحات على مواقع ‘فيسبوك’ والمعروفة بقربها من العناصر المتشددة، فإن تلك العناصر قد أطلقت عملية عسكرية، سمتها فجر تحرير بنغازي وهو يماثل الاسم الذي أطلقته قوات الناتو قبل ثلاث سنوات ‘فجر تحرير طرابلس’.
والجدير بالذكر أن تلك العناصر المتشددة تتمركز بشكل علني داخل مدينة بنغازي، وتسيطر على كثير من معسكراتها ، بل إن تنظيم أنصار الشريعة، يسيطر على أكبر بوابة في المدينة من ناحية الغرب ‘بوابة القوارشة’ ويرفعون راياتهم السوداء على عرباتهم العسكرية، وعلى الثكنات التي يتمركزون بها، ويقومون بتفتيش الداخلين إلى المدينة وفحص ثبوتاتهم والتأكد من هوياتهم وتفتيش أمتعتهم. وقد اعترف رئيس الحكومة الليبية السابق علي زيدان بسيطرتهم وإحكام قبضتهم على مفاصل الدولة على الرغم من دعمه لهم بمبلغ 900 مليون دينار، إلا أن هذا الولاء لم يشفع له ولم يحصنه، ما جعله يفر بجلده قبل أن يقع بين أيديهم وينكلوا به.
أما المؤتمر الوطني ‘البرلمان الليبي’ فلا حراك له، وليس أفضل حالا من قرينته’ الحكومة’ حيث تسيطر عليه قوى دينية متشددة متمثلة في أعضاء كتلة الوفاء للشهداء، التي يقودها قيادي سابق في الجماعة الليبية المقاتلة هو عبد الوهاب القايد.
الشارع البنغازي عبر أكثر من مرة عن رفضه لوجود هذه التشكيلات المسلحة غير الشرعية، وكان أبرز هذه التظاهرات ما عرف بـ’جمعة إنقاذ بنغازي’ في 2012، حيث خرج الآلاف من أبناء المدينة، منددين بما أسموه بالمليشيات المسلحة غير الشرعية، متهمين إياها بعمليات الاغتيال، والانفلات الأمني والخروج عن الشرعية، وبينما كان المتظاهرون يواصلون ‘تطهير’ مدينتهم من تلك المظاهر المسلحة، خرج رئيس المؤتمر الوطني آنذاك محمد يوسف المقريف وعدد من الوزراء والثوار ليقول بأن هذه الكتائب ‘شرعية’.

الجدار العازل في جامعة درنة

في الوقت الذي يواجه فيه المتشددون، تصدياً من قوات الجيش والشرطة في مدينة بنغازي، على الرغم من إمكاناتهم الضئيلة، وعمليات الاغتيال التي يتعرضون لها في شكل يومي، وتفجير المراكز الأمنية على امتداد المدينة، تمكن نظراؤهم من السيطرة على إحدى المدن الليبية المهمة في الشرق الليبي وهي مدينة درنة، والقضاء على أي مظهر من مظاهر الدولة في المدينة، فلا وجود لأي شرطي حتى شرطي المرور، لا وجود أيضاً لأي قوة للجيش الليبي. وتقوم هذه الجماعات المتشددة بالاستعراض على الملأ، بعربات كثيرة يمتطيها رجال ملثمون، وفوقها كل أنواع الأسلحة، خفيفها وثقيلها. وقد قامت هذه الجماعات مؤخراً ببناء جدار عازل داخل الحرم الجامعي في مدينة درنة يفصل بين الذكور والإناث.

فتش عن ديبورا جونز

تكثف السفيرة الأمريكية ديبورا جونز جولاتها بين المدن الليبية، ولقاءاتها مع أطياف مختلفة، بمن فيهم قادة الدروع وقادة كانوا ينتمون لجماعات جهادية، إلا أن كثيراً ممن شاركوا في هذه الاجتماعات عبروا عن خيبة أملهم، من مواقف الحكومة الأمريكية المترددة، في المساعدة الفعلية للسلطات الليبية في التصدي لهذه الجماعات المسلحة. وكشف عبد المجيد مليقطة، وهو قيادي بارز في كتلة التحالف الوطني وممن حضروا لقاءات السفيرة الامريكية ديبورا، أنها أكدت للحاضرين أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب كل ما يدور في ليبيا، وأنها بادرت بتصنيف جماعة أنصار الشريعة كجماعة إرهابية، وأضافت السفيرة ديبورا أن أمريكا سوف تتخذ المواقف المناسبة في الأوقات المناسبة.

تفويض وهروب إلى الأمام

وزير العدل الذي عينته الحكومة وزيرا مفوضاً كي يبقى في بنغازي ولا يغادرها حتى يتابع الملف الأمني عن قرب، ويقوم بتوفير الإمكانات المادية، لم يلتزم بمهمته وبالوعود التي قطعها على نفسه، وغادر إلى العاصمة تاركاً المدينة تسبح في دمها. وهذا الوزير نفسه هو الذي هرع إلى بنغازي بعد مقتل الناشط السياسي المعروف المحامي أحد رموز الثورة عبد السلام المسماري. الوزير صلاح المرغني أخذته الحمية وكان ذلك في شهر رمضان الفائت، وأقسم على نفسه أن يستقيل لو لم تظهر نتائج التحقيقات في مقتل المسماري بعد ثلاثة أيام. ونكث المرغني بوعده.
في مدينة بنغازي تم تدمير معظم مراكز الشرطة تدميرا كاملاً، وحرق المؤسسات الأمنية واختطاف مسؤول البحث الجنائي في المدينة لأنه تجرأ وحقق مع أحد المتطرفين وإلى الآن مصيره مجهول.
في مدينة بنغازي تم اغتيال مدير الأمن الذي اشتهر عنه خبرته الواسعة في مجال التحريات والكشف عن الجريمة .
في مدينة بنغازي تم اغتيال الضابط الذي استطاع أن يعد ملفاً كاملاً عن الأعمال الإرهابية فيها. بنغازي مدينة الثورة التي انطلقت منها شرارتها.

مدينة السعادة!

بنغازي مدينة السعادة هكذا كان اسمها عبر التاريخ. ذاكرة من الفرح والبهجة، يسري بها نهر الليثو، الذي يشق جنباتها الضاربة في التاريخ. وتسرد قصتها مع الفنون حاملات التفاح الثلاث، حارسات حلمها القصي من لصوص الليل. بينما يردد الشعراء قصائدهم في حدائقها الغناء. هذه مدينتي تبات على مذبحة وتصحو على مذبحة. تتسلل صور الأشلاء إلى أطفالها فيسكنهم الرعب والفزع . يذهبون إلى أسرتهم محاصرين بالكوابيس ويمضون إلى مدارسهم ملاحقين بأخبار الاغتيالات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية