الناصرة ـ «القدس العربي»: أرسل مدى الكرمل – المركز العربيّ للدّراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة في حيفا داخل أراضي 48 – رسالة إلى رئيس الجامعة العبريّة في القدس وإلى عميدها، أدان بها تعليق عمل الأستاذة نادرة شلهوب كيفوركيان التي تتعرض للملاحقة بسبب معارضتها للحرب واتهامها إسرائيل بارتكاب إبادة ضد الفلسطينيين، كما أدان سياسات الجامعة تجاه المجتمع الأكاديميّ الفلسطينيّ واعتبرها جزءا من عمليّة إبادة للصوت الفلسطينيّ ومساهمة مباشرة في إبادة الغزيين. وجاء في المذكرة: «نكتب إليكم باسم مدى الكرمل – المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة – لنُعرب عن إدانتنا قرار الجامعة تعليق عمل أ.د. نادرة شلهوب كيفوركيان في مجال التدريس. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من التأكيد على أنّ هذا التعليق هو شهادة على تواطؤ الجامعة على دعم وتعزيز المشروع الصهيونيّ المنعكس في الاحتلال الإسرائيليّ ونظام الفصل العنصريّ المفروضين على الفلسطينيّين». وينوه «مدى الكرمل» أنه قد سبق هذا الإجراء حملة اضطهاد وقمعٍ قاسيين على نطاقٍ واسعٍ، أطلقتها جميع الجامعات ومؤسّسات التعليم العالي الإسرائيليّة ضدَّ المجتمع الأكاديميّ الفلسطينيّ في الجامعات والمؤسسات الأكاديميّة الإسرائيليّة، بما في ذلك الموظّفون والطلّاب. لقد تعرّض المجتمع الأكاديميّ الفلسطينيّ لوابلٍ من الهجمات الشخصيّة والاعتقالات التعسّفيّة والرقابة والإجراءات العقابيّة. وقامت المؤسّسات الأكاديميّة بالتضييق على أكثر من مئة طالب وطالبة فلسطينيّين؛ كما جاء في ورقة مركز عدالة: «تعرّض 52 طالبًا فلسطينيًّا إلى تعليق تعليمهم قبل استدعائهم إلى جلسة استماع، وطُرد ثمانية طلّاب دون جلسة استماع، وطرد ثلاثة آخرون من السكن الطلّابيّ دون إشعارٍ مسبَّقٍ أو فرصة لعقد جلسة استماع للنظر بشأنهم».
سجل المنجزات العلمية
وقال «مدى الكرمل» أيضا في مذكرته إنه نظرًا إلى سجلّ الإنجازات العلميّة الموثّق للأستاذة د. شلهوب كيفوركيان، إلى جانب سجلّ العديد من الباحثين والباحثات الفلسطينيّين الآخرين العاكفين على تحليل العنف الاستعماريّ وعلى الدعوة لإنهاء الاستعمار، فإنّ مركز مدى، كمركز أبحاث، يتساءل عمّا إذا كانت الجامعة العبريّة تنظر إلى الفلسطينيّين كمراقبين سلبيّين للتاريخ فقط، بدلًا من النظر إليهم كوكلاء نَشِطين داخله. وتساءل في مذكرته هل التاريخ مجرّد حدثٍ يتكشّف من حولنا، أم أنّه يتشكّل من خلال أفعالنا الجماعيّة؟ هل تَعتبر الجامعة مساعينا العلميّة مجرد سلعٍ يتمّ استغلالها من أجل تعزيز سمعتها العالميّة وتعزيز صورة جميلة ونقيّة لدولة إسرائيل، بينما هي تفرض علينا ثمنا ندفعه بأرواحنا ومعرفتنا؟
كيف يمكن للمثقّفين الفلسطينيّين، بالذات أولئك المتضلّعين في قضايا العدالة والتحرير والاستعمار، أن يلتزموا الصمت في مواجهة حرب الإبادة الجماعيّة المستمرّة التي تتكشّف أمام أعينهم، وبالقرب من بيوتهم، وتستهدف شعبهم؟ ويتابع «مدى الكرمل» في تبيان موقفه: «بالإضافة إلى الأشكال التي لا تعدّ ولا تحصى لما يتعرّضون له من القمع والعنف، فإنّ هذا العنف المعرفيّ يفرض علينا أن نكون متواطئين معه عبر صمتنا، في حين أنّنا شاهدون عليه وعلى فظائعه، وشهادتنا العلنيّة هي موقفنا الأخلاقيّ قبل أن تكون موقفا وطنيًّا». ويقول إنّ تأييد الجامعة الواضح للصهيونيّة، والذي يتّضح في الرسالة الموجّهة إلى أ.د. شلهوب كيفوركيان، يؤكّد أنّ العنف المدمّر المستمرّ ضدّ الفلسطينيّين في غزّة متأصّل في المشروع الصهيونيّ، أمّا تصنيف معارضة المجازر والجرائم كفعل معادٍ للصهيونيّة، فإنّه يعني الاعتراف بالجوهر العنيف للصهيونيّة، الأمر الذي يحوّل مطالبتنا بالتصالح مع الصهيونيّة إلى مطالبة بالاستسلام للعنف بحقّنا. ويمضي في محاججة الجامعة العبرية الصهيونية: «في خضمّ هذا الهيجان العنيف، يتواصل التفكيك المنهجيّ للبنية التحتيّة التعليميّة في غزّة ودون توقُّف. إذ تمّ تدمير جميع الجامعات الاثنتي عشرة في غزّة، والضرر بما يقارب 378 مدرسة وتدميرها بسبب القصف الإسرائيليّ؛ وبشكلٍ مأساويّ. كذلك، فقد 4.327 طالب و231 معلّمًا و94 أستاذًا أكاديميًّا حياتهم. رغم هذه الخسائر المهلكة، التزمت الجامعة الصمت حيال إبادة التعليم العالي والأكاديمية الفلسطينيّة في غزة».
مذابح
منبها أنه على خلفيّة المذابح القاسية والمروّعة، فإنّ التحريض ضدّ صوت أ.د. شلهوب كيفوركيان يعتبر تأكيدًا صارخًا على التواطؤ طويل الأمد لهذه الجامعة وللأوساط الأكاديميّة الإسرائيليّة على تعزيز الأجندة الصهيونيّة. وبينما تسعى آليّة العسكرة إلى محو وجودنا ذاته، يسعى الحقل الأكاديميّ إلى محو أصواتنا وتاريخنا وروايتنا. ويشدد «مدى الكرمل» على إنّ الحملة التي تستهدف الفلسطينيّين/ات في الجامعات الإسرائيليّة، مدعومة بمبادرة عالميّة أوسع، تهدف إلى خنق الخطاب المعادي للصهيونيّة داخل الدوائر الأكاديميّة والجامعات، والذي يشمل الفلسطينيّين واليهود في الولايات المتّحدة وبريطانيا ودول أوروبيّة مختلفة ـ وهي مجموعات نتماهى معها بعمق. ويؤكد أن جهود تلك الحملة تهدف إلى إسكات من يدافع عن مستقبلٍ إنسانيٍّ ومنصفٍ وشاملٍ لجميع سكّان هذه الأرض، بغضّ النظر عن الجنسيّة، أو العرق، أو الدين ـ مستقبل مُتصَوّر خارج حدود الصهيونيّة. ويقول إنّ إلغاء قرار تعليق عمل أ.د. شلهوب كيفوركيان عن العمل كردّ على الضغوط الدوليّة المتزايدة لا يمحو أو يبطل الضرر الناجم عن أفعال الجامعة العبريّة. ويخلص مدى الكرمل» للقول للجامعة العبرية: «ما زال واضحًا أنّكم تعتبرون إسكات المعارضة والقضاء على الرواية الفلسطينيّة والإنسانيّة حول الحرب جزءًا من مهمّتكم. مطالبنا الآن موجّهة إلى الأوساط والمؤسّسات الأكاديميّة في جميع أنحاء العالم لمساءلة المؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة على دعمها للانتهاكات الجسيمة للقانون الدوليّ، ووقف أيّ تعاون أكاديميّ معها طالما أنّها تصطفّ وراء الاحتلال غير القانونيّ ونظام الفصل العنصريّ المفروضين على الفلسطينيّين».