مرض النسيان

حجم الخط
0

المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع بلا ماض. حرب الخمسين يوما، التي انتهت قبل ثلاثة اسابيع فقط كادت تشطب تماما من الذاكرة الجماعية. ظاهرا، فان دولة ادارة حرب طويلة ضد عدو اضعف بكثير وأنهتها دون حسم مطالبة بحساب نفس جماهيري: ما الذي أدى بنا الى هذه الحرب، التي تبينت في نظرة الى الوراء كنسخة دقيقة لسابقاتها؟ لماذا دارت كما دارت وما هي الدروس التي يجب ان تستخلص منها؟ ظاهرا فقط.
. ففي الاسبوع التالي الاول، نعلن أن الان كل شيء سيكون مختلفا. اسبوع آخر يمر وكل شيء يشطب: تشطب المخاوف غير العقلانية التي بدأت بها الحرب (هذا هو؟ لم تعودوا خائفين من الانفاق؟)، يشطب احتدام الكراهية للعدو من الخارج ومن الداخل. من المشاعر الشديدة لا يتبقى شيء.
وللحظة سخرنا من تصريحات الانتصار المتلعثمة لبيبي وبوغي، وللحظة طالبنا نوعا من الحساب، ولكن منذئذ نسيت الشكوك. صحيح أننا لا نصدق القادة، ولكننا لا نؤمن بامكانية التغيير ايضا. فما الذي يمكن تعلمه من الماضي ان لم يكن شيئا قابلا للتغيير.
واذا كانت تغييرات (واحيانا تغييرا كبيرة) في خريطة الواقع، فاننا نتجاهلها. فلماذا ننشغل بهذه الحرب المؤسفة في غزة عندما يكون ممكنا ان نشاهد حرب «الخطة الاقتصادية» الجارية بين وزير المالية الذي يريد ان نتعاطى معه بجدية وبين رئيس الوزراء في دور الراشد المسؤول والذي وان كان غير مسؤول حقا. ولكن هذا هو الموجود؟ يمكن ان نكرس الطاقات لرسالة الرافضين ورسائل ردود الفعل المرتقبة عليها. ما كان هو ما سيكون. الماضي كيف يقال، قد مر.
واذا كنتم تصرون على ان هناك حاجة لماضي، فعندنا لكم الماضي المطلق. الكارثة هي الماضي الوحيد الذي تعترف به اسرائيل رسميا. وهي تمتشق في كل مناسبة نضطر فيها الى الماضي. في بداية الحروب مثلا، مهما كان العدو الذي نقف امامه ضعيفا، عندنا نسمع دوما صوت القطار في الطريق الى اوشفتس.
شيء ما مهدد في المفاوضات؟ في اسرائيل كل مفاوضات مع العرب (ليس على وقف النار) هو اتفاق ميونخ: سياسيون عديمو المسؤولية، يقفون لمنح فضائل لهتلر الدولي. واذا لم نحضر، فستعود كارثة اوسلو. وامام كارثة اليمين يحرص اليسار على ان يضع كارثته. وهو لن يعفينا من النار المتوقعة وان كانت لا تجدي الاذن، ولكن في كتب التاريخ سيسجلون هم كانبياء الغضب والخراب.
ومن سيكتب كتب التاريخ اياها؟ ليس نحن. فنحن لا نحتاج الى كتب التاريخ. التاريخ على اي حال يتكرر: البحر هو ذات البحر، العرب هم ذات العرب، العمليات هي ذات العمليات ولجان التحقيق هي ذات لجان التحقيق.
بيبي هو ذات بيبي، الابرياء الذي يقتلون هم ذات الابرياء، الوعود السياسية هي ذات الوعود، توسيع البناء في المستوطنات هو ذات توسيع البناء في المستوطنات، المطالبات بزيادة ميزانية الدفاع هي ذات المطالبات. نحن عالقون في واقع خالد، محكوم علينا أن نعيشه من جديد مرة تلو الاخرى بادارة زعماء يمنحون انفسهم اعفاء من مواجهة الواقع الراهن باسم مواجهة الواقع الاوروبي في الثلاثينيات.
ان الذي يعاني منه المجتمع الاسرائيلي يشرح السلبية الغريبة التي ميزت المجتمع الاكثر رأيا في العالم – الاحساس أن شيئا لا يتغير. في عالم يتغير بلا انقطاع، فان هذه السلبية خطيرة على وجودنا اكثر من حماس.

يديعوت 17/9/2014

أفيعاد كلاينبرغ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية