مزيد من الألغام لتأجيل الانتخابات العراقية المبكرة

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

ولأن الانتخابات المبكرة تهدف لإضعاف ديكتاتورية الأحزاب الفاسدة فإنها ستقاتل لإفشالها من خلال افتعال الأزمات والمشاكل والصراعات، سواء باستخدام السلاح المنفلت أو تصعيد العمليات الإرهابية.

بغداد-»القدس العربي»: رغم ان الانتخابات المبكرة في العراق، المقررة في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، هي مطلب حاسم لانتفاضة أكتوبر واستحقاق شعبي أساسي، التزم به البرلمان وحكومة مصطفى الكاظمي، من أجل التغيير الحتمي وإيقاف تدهور الأوضاع في العراق، إلا أن أحزاب السلطة ما زالت تخلق المزيد من الألغام في طريقها، لإلغائها أو إبقائها على الموعد السابق لها في عام 2022.
وقد أثارت سلسلة حرائق المستشفيات والمولات والتجمعات التجارية في العديد من المحافظات في الأيام الأخيرة، وما تبعها من تظاهرات حاشدة ضد حكومة بغداد، إضافة إلى تصاعد استهداف مصالح التحالف الدولي، شكوكا بوجود دوافع سياسية وراءها، وسط اتهامات لقوى سياسية فاعلة، مرتبطة بأجندات محلية وخارجية، بافتعال المزيد من الفوضى والتوتر من أجل تأجيل موعد الانتخابات المبكرة، إلى أبعد فترة ممكنة، بالترافق مع محاولات إفراغها من محتواها المطلوب.
فعلى خلفية حادثة حريق مستشفى ابن الخطيب في بغداد وسقوط عشرات الضحايا فيها، حذر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من «حرب انتخابية» ملمحا إلى «عمل تخريبي» في الحادثة، عبر قوله في تغريدة له، «أخشى أن يكون ذلك الحادث الأليم ضمن حوادث ستكون متتالية من أجل أهداف يضمرها بعض المخربين لاستهداف أمن العراق ولا سيما مع اقتراب الانتخابات». وحذر الصدر «من زج الشعب والأبرياء في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل» مشيرا إلى إن «هناك جهات تريد تعكير الأمن في العراق لأسباب عديدة أهمها تأخير أو إلغاء الانتخابات وذلك من خلال بعض الميليشيات المنفلتة» حسب قوله.
وكان زعيم حزب الدعوة ورئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، شكك بإمكانية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، بحجة «صعوبة الأوضاع الأمنية والاشكاليات المتعلقة بقانون الانتخابات» معبرا عن رفضه للإشراف الدولي على الانتخابات، في تأكيد على نوايا تكرار التزوير فيها.
وفيما أقر عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، إن «هناك إرادتين في الدولة العراقية، إحداهما تريد الإصلاح، والأخرى لا تريد للانتخابات أن تجري ولا لهذه الحكومة أن تنجح» فإن رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني أكد «احتمال ان يشهد العراق اضطرابات أكثر في الفترة المقبلة التي تسبق الانتخابات».
وقد طرحت العديد من القوى السياسية (وأغلبها قوى شيعية) مبررات لتأجيل الانتخابات، حيث اقترح بعض النواب، فكرة تاجيل الانتخابات النيابية لمدة ثلاثة شهور أو أكثر، لتفادي ما سموه التزوير المتوقع، جراء استخدام البطاقة العادية في الانتخابات التي ستكون بوابة نحو التزوير الواسع، فيما ذكر نواب عن دولة القانون، سببا آخر للتأجيل وهو إن مجالس المحافظات قدمت شكوى إلى المحكمة الاتحادية حول قرار حلها، ومن الممكن أن المحكمة تقبل هذه الشكوى وتعاد المجالس، وفي حال عودتها ستقرر المفوضية إجراء الانتخابات البرلمانية والحكومات المحلية في آن واحد لكن بتاريخ قد يكون في نيسان/ابريل 2022.
وفي السياق ورغم إعلان مفوضية الانتخابات، إن موعد العاشر من تشرين الأول/أكتوبر المقبل لإجراء الانتخابات «حتمي ولا تراجع عنه» فإن العديد من النواب في تحالف الفتح الذي يضم الفصائل المسلحة، كشفوا عن وجود حراك واسع، لإجراء تعديلات على بعض فقرات قانون الانتخابات، ومنها المطالبة بإجراء تعديل على نظام الدوائر الانتخابية المتعددة ونظام التصويت البايومتري، والعد اليدوي أو الآلي لأصوات الناخبين، وغيرها من التبريرات التي تعرقل إجراء الانتخابات في موعدها.
ولتعزيز مساعي خلط الأوراق وافتعال الأزمات والتوتر في المشهد العراقي، طالبت حركة «كتائب حزب الله» في العراق وقوى شيعية أخرى، بإقالة حكومة مصطفى الكاظمي، أو تغيير بعض الوزراء، على خلفية حريق مستشفى ابن الخطيب مؤخرا، لتضاف هذه المطالبات إلى التظاهرات التي انتشرت في العاصمة العراقية بغداد، وبعض المحافظات الجنوبية، التي حمّلت الحكومة مسؤولية تدهور الخدمات وتدني مستوى المعيشة وازدياد الفقر. مع ملاحظة ان التظاهرات تركزت في المناطق ذات الكثافة الشيعية التي تعمل فيها أحزاب وفصائل لا تريد الانتخابات المبكرة.
ومع عدم امكانية تجاهل حقيقة تأثير الميليشيات المسلحة على العملية الانتخابية، خاصة مع ارتباط تلك الفصائل بأجندات خارجية لا ترحب بالانتخابات ولا تريد تغيير واقع البلد، وتسعى لاستخدام العراق كورقة قوية ضمن الصراع الإيراني الأمريكي، فقد تصاعدت مطالبات أطراف سياسية وشعبية للحكومة، بأهمية وضع حد لسطوة الميليشيات وسلاحها المنفلت لضمان عملية انتخابية حقيقية وآمنة.
ولأهمية الملف العراقي دوليا، فإن سفراء الدول الكبرى والإقليمية في بغداد، يواصلون لقاءاتهم مع المسؤولين في الحكومة العراقية وقادة الأحزاب ومفوضية الانتخابات لمتابعة تحضيرات العملية الانتخابية ومنع محاولات عرقلتها أو للحد من عمليات التزوير المتكررة في كل الانتخابات السابقة، من خلال الإشراف الدولي لضمان عدم عزوف المواطنين عن المشاركة فيها، ما دفع مفوضية الانتخابات إلى إعلان تشكيل لجنة للإشراف الدولي بمشاركة مندوبين أجانب. كما قدمت بعثة الأمم المتحدة في العراق «يونامي» مجموعة مقترحات لتعديل آليات عمل المفوضية ومنع التزوير في الانتخابات.
ولان الانتخابات المبكرة التي يطالب بها الشعب ليست هدفا بحد ذاتها، وان الهدف الأهم هو إضعاف ديكتاتورية الأحزاب الفاسدة والفاشلة، المهيمنة على شؤون البلد، عبر إحلال وجوه وطنية بدلا عنها بانتخابات نزيهة وإشراف دولي، فإن المؤكد هو ان تلك الأحزاب غير مستعدة للتخلي عن السلطة وامتيازاتها، لذا فهي ستقاتل لإفشال أو عرقلة إجراء الانتخابات المبكرة ولتأجيلها إلى أبعد مدى ممكن من خلال افتعال الأزمات والمشاكل والصراعات، سواء باستخدام السلاح المنفلت والمال السياسي أو تصعيد العمليات الإرهابية وغيرها من الوسائل المتاحة التي تعد خطرا حقيقيا على إجراء أي انتخابات نزيهة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية