نيويورك (الأمم المتحدة) ـ «القدس العربي»: في جلسة صباح الثلاثاء استمرت أكثر من ثلاث ساعات حذرثلاثة من كبار مسؤولي الأمم المتحدة من أن الجرائم البشعة التي يرتكبها «داعش» تجر العراق إلى كارثة، فيما تحاول البلاد تهدئة التوترات الطائفية المريرة ومعالجة الأزمة الإنسانية المتنامية التي طالت أكثر من خمسة ملايين شخص، ودعوا المجتمع الدولي إلى بذل المزيد من الجهود لمساعدة انتقال العراق الكامل نحو ديمقراطية مستقرة.
ففي ثلاثة إحاطات شاملة أمام مجلس الأمن الدولي، قدم كل من مبعوث الأمم المتحدة في العراق، نيكولاي ملادينوف، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فاليري آموس، تقييما قاتما للوضع على أرض الواقع في العراق، وسط هجمات متواصلة يرتكبها مسلحو داعش، وتزايد عدد النازحين داخليا الفارين من العنف الوحشي.
وقال نيكولاي ملادينوف في إفادته أمام المجلس «إن هدف داعش من ذلك واضح وهو تدمير دولة العراق واستبدالها بدولة الإرهاب التي تقوم على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومن أجل تحقيق ذلك تقوم الجماعة، باستخدام أجزاء من العراق وسوريا للتقدم في أنحاء المنطقة وتهديد الأمن والسلم الدوليين». وأكد أن ظهور داعش بمثابة تهديد للاستقرار الديمقراطي والإنساني للعراق المستمر حتى الان. وأشار إلى أن نظام العقيدة التكفيرية يستخدم من قبل العديد من الجماعات الدينية المتطرفة، بما في ذلك بوكو حرام في نيجيريا، موضحا أن المتشددين في داعش يفترضون تلقائيا صلاحية تكفير أي شخص أو اعتباره مرتدا، وسط إدانة الآلاف من الأقليات العرقية والدينية، والنساء والفتيات في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفي كثير من الحالات تصل إلى الموت. واستشهد السيد ملادينوف، «بالوحشية المتزايدة» للمجموعة التي تجلت في ذبح 322 من أفراد قبيلة البو نمر وهناك حالات أخرى موثقة جيدا لجرائم مماثلة تشير إلى عمليات الإعدام بإجراءات موجزة لأفراد من الطائفة اليزيدية وكذلك استعباد النساء والفتيات الصغيرات.
وأوضح السيد ملادينوف أن العراق كاد تقريبا أن ينهار مع ظهور الأزمة. فقد استولت داعش على مقاطعاته الغربية، وتحدث إقليم كردستان صراحة عن الانفصال، فيما كانت المحافظات الجنوبية تعاني من الفقر على الرغم من إنتاجها ثروات البلاد، وظلت بغداد تتعرض لوابل يومي من التفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة، عدا عن تعرض الأقليات في العراق لأهوال لا توصف ومع ذلك، أشاد السيد ملادينوف بالجهود التي تبذلها الحكومة العراقية لتحسين تعاونها مع القبائل المحلية والحكومات الإقليمية في محاربة داعش، مشيرا إلى أن المكاسب الإقليمية الأخيرة ضد المتشددين أظهرت أن الاستراتيجية «تؤتي ثمارها».
وردا على سؤال لـ «القدس العربي» حول موقفه من الميليشيات العراقية المتطرفة والتي قد تكون ساهمت بشكل غير مباشر في إنشاء داعش، قال ملادينوف «إن الحكومة العراقية الجديدة يجب أن تتأكد من إخضاع جميع حملة السلاح للقانون. وهذا تحد حقيقي للحكومة ولكننا نشاهد أن هناك تقدما في مجال إخضاع كافة المجموعات لسيادة القانون.لكن أيا من هذه الجماعات لا يقارن بداعش. داعش مجموعة لا يمكن للخلافات معها أن تحل بالتفاوض.إنها مجموعة قائمة على أساس الإرهاب وذات برامج توسعية مختلفة تماما عن بقية الأطراف التي يمكن إخضاعهم بالقانون في وقت ما».
ورسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، صورة قاتمة عن الوضع على الأرض في الأراضي التي تسيطر عليها داعش، وقال «إن الجرائم التي ارتكبت في العراق كانت ذا حجم وثقل قد يجعل منها جرائم دولية، تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية». وطالب المفوض السامي الحكومة العراقية بالإسراع إلى الانضمام إلى نظام روما الأساسي لعام 1998 من أجل الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
واقتبس المفوض السامي عددا من القواعد الأساسية في الإسلام التي توافق عليها 126 من كبار علماء المسلمين للرد على تصرفات داعش وتشويهها لصورة الإسلام ومبادئه المتفق عليها كتحريم قتل الأبرياء، وتحريم التعذيب وتحريم تشويه الجثث وتحريم قتل السفراء والدبلوماسيين والمبعوثين وتحريم الإكراه على تغيير الدين وتحريم إعلان خليفة للمسلمين دون إجماع بين كافة المسلمين. وطالب مجلس الأمن بدعم مواقف هؤلاء العلماء.
وردا على سؤال لـ «القدس العربي» بعد خروجه من مجلس الأمن حول كيفية هزيمة داعش وهناك تجليات طائفية شبيهة بداعش مثل عصائب الحق وكتائب أبو الفضل العباس وفيلق بدر قال السيد زيد «لقد ذكرت ذلك في كلمتي أمام المجلس حيث كان هناك إشارة واضحة لهذه الفصائل. والقانون الدولي الإنساني يجب أن ينطبق على جميع الفصائل وجميع الفئات». وأشار السيد زيد إلى أن جماعات القاعدة قد بدأت منذ عام 2003 تهاجم الشيعة في العراق وكان الرد من الميليشيات الشيعية ضد جماعات من السكان السنة مساويا في العنف. تلا ذلك عملية تهميش واضطهاد قطاعات واسعة من السنة بالإضافة إلى القتل العمد للناس الأبرياء التي مارستها الميليشيات الشيعية دون أدنى مساءلة. أضف إلى ذلك الفساد والتمييز والفشل الاقتصادي وانتهاكات حقوق الإنسان وعدم إتباع المعايير في محاكمات عادلة، كل هذه الظواهر تعتبر الجذور الحقيقية للأزمة التي يعيشها العراق الآن.
أما فاليري آموس، وكيلة الأمين العام للشؤون الإنسانية، فقد قدمت تقييما قاتما للوضع بالأرقام، مشيرة إلى أن نحو 5.2 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد في حاجة إلى المساعدة، بما في ذلك 3.6 مليون عراقي يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش وعلى الرغم من ضخ المملكة العربية السعودية 500 مليون دولار، والموارد التي قدمتها الجهات المانحة الأخرى في وقت مبكر من الأزمة، إلا أن «المطلوب أكثر من ذلك بكثير للمساعدة بشكل عاجل خاصة مع اقتراب فصل الشتاء». ووفقا لأحدث التقديرات، فإن ما لا يقل عن 450 ألف شخص، من بينهم 225 ألف طفل، يحتاجون لملابس وأحذية الشتاء الدافئة، ويحتاج 300 ألف شخص إلى البطانيات والمواقد وغيرها من أشكال الدعم غير الغذائي. وقالت السيدة آموس «إن انعدام الأمن والقتال الدائر يحولان دون جهود الأمم المتحدة من الوصول إلى جميع المحتاجين للمساعدة، خاصة أن أعداد المشردين داخليا في ارتفاع مستمر». كما ذكرت آموس المجلس أن الأزمة التي يعاني منها العراق تنتمي إلى المجتمع الدولي الأوسع، وهي جزء من كارثة إقليمية تقع علينا مسؤولية جماعية للتصدي لها».»
عبد الحميد صيام