مسارات الشعرية العربية كما يراها العراقي إياد الحمداني

حجم الخط
0

صدر للناقد الأكاديمي إياد عبد الودود الحمداني عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق- بغداد الطبعة الأولى 2021 كتاب «البنى الناطقة/ تطبيقات في الشعرية العربية ومظاهرها الأسلوبية» وهو كتاب يقف عند معالجات تستهدف الوظائف الجمالية في النصوص الأدبية متجاوزة حدود التنظيرات، التي شوشت المفهوم وشظت وجهته المعرفية، ومع التأكيد على أهمية التنظير في كونه يؤسس لفكر يتعاطى مع البنية اللغوية الإبداعية وآليات العمل الجمالي الذي يستند إلى الشعرية، إلا أن الكتاب ينطلق من رؤى تطبيقية، اعتقاداً بأن الشعرية تتجلى تنظيراتها من خلال وجودها مظهراً بنيويا داخل نص إبداعي ما.
تُعنى الشعرية بدراسة اللغة بتشكيلها الإبداعي فتسعى جادة إلى فهم النص الأدبي، واستكشاف جمالياته الوظيفية ومكوناته، وتداعيات الحضور والغياب,،فتدخل إلى عوالمها المقاربات البنيوية اللسانية، والإجراء الوصفي للفنون والأجناس الأدبية وطرائق تحليل الخطاب، وفق مستويات تسهم في استنتاجات علمية، وتصورات موضوعية حول المكونات الجمالية في النص الأدبي، فالشعرية إجراء يستقرئ القواعد التي يحتكم إليها النص في توليد طاقته وإشعاعه الجمالي، ومن ثم، فالشعرية تتجه إلى علْمنة الأدب ودراسة معاييره الأسلوبية، والوقوف عند ما يجعل من الأدب أدبا، من خلال رصد علائق التركيب والدلالة، فموضوع الشعرية الذي ينطلق منه هذا الكتاب هو الاهتمام بما يميز نصاً أدبيا عن نص آخر، أو خطاب آخر، أي حسب الوظائف الجمالية التي تستوجب إشارية المستوى التركيبي إلى المستوى الدلالي، الذي يخص النصوص الإبداعية في الإجراء الوصفي والتحليلي، وهي من هنا، تجعل ـ إجرائيا – نظرية الأجناس الأدبية حاضرة بشكل لافت، من خلال التعريف بخصوصية كل جنس والوقوف عند وظائفه الخاصة؛ فالشعر بتشكلاته المتنوعة، يمتاز بوظائفه الشعرية النابعة من خصوصية بنائه شكلاً ومضموناً، وكذلك بنى السرد تمتاز بالوظائف الحكائية الخاصة بتشكيله، وكذلك الفنون الأخرى: السينما المسرح.. فهي تعرض الآليات البنائية التي تقوم عليها اللغة الإبداعية: صوتية، أسلوبية، وإيقاعية، وصرفية، نحوية، ودلالية، وبلاغية، فميدانها البحثي يدفع باتجاه نظرية في تحليل الخطاب الأدبي، وفق أسس تنطلق في رصد الوظائف الجمالية، مرتكزة على إسقاط مستويات: العدول، الاستبدال، الترادف، المجاز، وعلاقات المجاورة، زيادة على تداعيات الشكل والمضمون في التركيب النحوي، وهذا يعني أن الشعرية التي يتبناها الكتاب تكشف عن تأصيل المظاهر الأسلوبية في البنية والدلالة معاً، فيؤسس لشعرية تُعنى بحصر مكونات النصوص الأدبية وسماتها التجنيسة، لننطلق بعد ذلك للحديث عن الشعرية الأجناسية: شعرية الشعر، شعرية النثر، شعرية السينما، شعرية المسرح، شعرية اللوحة التشكيلية، شعرية الإيقاع، وشعرية الأسلوب، ويمكن من خلال ذلك الحديث عن شعريات أخرى، كالشعرية البنيوية والشعرية اللسانية والشعرية التوليدية والشعرية المعرفية وشعرية النسق.
يتوقف الكتاب في محتواه التطبيقي عند (الشعرية العربية) وتحديد الشعرية العربية له مبرراته الفنية، فالكتاب وكما ذكرنا هو تأصيل تطبيقي يقوم في مسارين: شكلي (خارجي) ينطلق من تصورات أدبية تحفز فاعلية القراءة والتلقي، ثم مسار مضموني (داخلي) فهو لذلك يتتبع خصوصية الأمثلة المنتخبة من اللغة الإبداعية العربية التي تبرز- ضمنا – تشكلات تحيل على الشعرية، ومن خلالها يرصد خصوصية تلك التشكلات بفاعلية موجهات العقل والحس.
لقد وقف الكتاب في إجرائه التحليلي عند أمثلة من القرآن الكريم، تتجلى فيها الرؤية التي يؤسس لها المؤلف، منطلقا من أن البحث في الشعرية العربية تطبيقاً، إنما هو بحث في الإعجاز القرآني، وأن أسلوبه المتنوع في طرائق التعبير هو أصل قار في الذاكرة الإبداعية الجمعية للموروث الأدبي عند العرب: شعراً ونثراً، فخصوصية الإبداع تنطلق من الكشف عن البنى وتوظيفات الأشكال الدالة، فوقف عند (شعرية التثنية) بوصفها نمطاً له خصوصية في التعبير العربي، تدفع توظيفاته الجمالية نحو تعالق الشكل والمضمون، بمستويات التدفق الصوتي وانسيابية الحروف وتموجات النغم وغيرها، كذلك وقف عند خصوصية البنية الإيقاعية وفاعلية الأوزان وتشكلاتها، بما ينسجم مع عملية التخيل والتخييل، لتوجه نحو ماورائيات اللغة وتداعيات معنى المعنى، حين تشحذ الخيال للتعاطي مع النص وتوظيفاته الأسلوبية الجمالية.
كما أن الكتاب يؤسس لمنهجية في قراءة النصوص الإبداعية بطريقة لها علاقة واضحة بمفهوم الأصالة، فيبرز ما بين المصطلحات من التعالق، ولاسيما في الوقوف عند (شعرية القبح) وخصوصيتها الواقعة – ضمناً- في النص، والمفعلة بمظاهر المراوغة والتلطف والإغراب، فهي تبرز شعرية لها مدلولها الجمالي على مستوى العدول في المعنى، ثم أعقب بتأصيل (عقلي) للشعرية يتجاوز حدود الشكل، في الإشارة إلى المعاني، معولاً على الإدراك الحسي والتأثير الجمالي، فأصّل تطبيقاً لنمط (القصائد الذهنية) التي تبرز خصوصية توليد الشعرية، من خلال المغايرة الذهنية في توظيف البنى التي تحقق التداعي غير الخاضع للمنطق، كما هو في نص الرثاء (الهجين) للشاعر المعاصر غزاي الطائي، الذي تشكل بطريقة مبتكرة تستند إلى عملية التحول في إبراز المعنى، وكذلك خصوصية نص السياب (غريب على الخليج) فهو يستند إلى خصوصية التصوير الذي يستدعي البحث في شعرية تحقق تصنيفاً أجناسياً للتعاطي مع اللغة الإبداعية؛ لأن البحث في طريقة التصوير يصب في البحث في طبيعة الشعرية، ومن هنا فالكتاب يتناول مظاهر الشعرية العربية على تماسٍ مع خصوصيتها التي يرتبط البحث فيها بعُمر اللغة الإبداعية، الممتد زهاء ألف وخمسمئة عام، وتأثير درس الإعجاز القرآني، الذي رسخ هوية الإبداع الذي أحدث نقلة في الدرس الأدبي نقداً وكتابة، كل ذلك أبعَدَ الشعرية العربية عن توجهات الشعرية الأجنبية، التي تحتكم إلى خصوصية لغاتهم، وكيفية التعامل مع البنى اللغوية: اللواصق، الضمائر، الإفراد، التثنية والجمع، البناء العروضي، حتى انتهى الكتاب إلى أن خصوصية العربية قائمة على أسسٍ تاريخية وفلسفية، وارتباطات عقدية، جعلت من النص الإبداعي شكلاً يرتبط بالهوية والأصالة التي تفرض خصوصية في طرائق التلقي والتحليل.

باحث من العراق

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية