ثمة أسئلة طرحت حول مسار العلاقات الإسرائيلية – الهولندية بعد اعتبار البرلمان الهولندي في نهاية حزيران /يونيو الماضي، أن خطة الضم الإسرائيلية لأراض فلسطينية انتهاك للقانون الدولي، ومطالبته اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل في حال تنفيذ المخطط. وتبعاً لذلك يعتبر القرار الهولندي سابقة سياسية ورافعة للقانون الدولي فضلاً عن كونها انتصاراً جزئياً للدبلوماسية الفلسطينية.
الانحياز المطلق
قد يكون السبب في التحول في الموقف الهولندي تفاقم عنصرية إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني وانزياح شرائح كبيرة ومؤسسات مدنية هولندية خلال السنوات الأخيرة لنصرة الحق الفلسطيني، وقد تجلى ذلك بمقاطعة عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني الهولندي لبضائع المستوطنات الإسرائيلية كونها معالم احتلالية.
تعتبر مملكة هولندا من أشد الدول الأوروبية المؤيدة لإسرائيل منذ نشأتها في أيار / مايو 1948 حيث انحازت هولندا إلى إسرائيل في مختلف المجالات والمحافل الدولية. فقد صوتت لصالح تقسيم فلسطين في لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين عام 1947. وعندما أصدرت الجمعية العامة توصيتها بتقسيم فلسطين يوم 29/11/1947 كانت هولندا في مقدمة الدول التي تبنت تلك الوصية، وبذلت الجهود لإقرارها، فضلاً عن ذلك اعترفت هولندا بإسرائيل وتبادلت معهد التمثيل الدبلوماسي واغتنمت الغرض لتأييدها ودعم مواقفها. لا بل ان هولندا انفردت أكثر من مرة بهذا التأييد من بين الدول الأوروبية كافة.
في مفاوضات دول السوق الأوروبية المشتركة في بروكسل عام 1966 كانت هولندا الدولة الوحيدة التي أيدت طلب إسرائيل الانضمام إلى تلك السوق. كما أنها كانت الدولة الوحيدة بين دول السوق التي قبلت أن يكون مقر مغادرتها في مدينة القدس استجابة للرغبة الإسرائيلية.
واللافت أن هولندا منحت إسرائيل تأييدا سياسيا خاصا أثناء عدوانها على الدول العربية واحتلالها لأراض عربية شاسعة في حزيران /يونيو حرب 1967 كما رعت هولندا مصالح إسرائيل في الاتحاد السوفييتي السابق وبولونيا بعد قطع هاتين الدولتين علاقاتهما بإسرائيل، وخلال حرب عام 1973 لم تتوان هولندا عن فتح أراضيها وأجوائها من دون غيرها من الدول الأوروبية لتأمين المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل لتمويل آلة الحرب.
الموقف من العرب
ويلحظ المتابع بأن مواقف هولندا، باستثناء حالات نادرة أو هامشية، بتبني المواقف السياسية الإسرائيلية، كانت تنحاز على الدوام، من خلال الدفاع عنها، سواء على صعيد الأمم المتحدة أو في اجتماعات السوق الأوروبية المشتركة. وأبعد من ذلك فإنه عندما وافقت هولندا على موقف أوروبي موحد، كما حدث في وثيقة شومان عام 1971 وبيان مجموعة الدول التسع في 6/11/1973 كانت تحرص على أن تكون آخر من يوافق وأول من يتنصل من القرار.
تبعاً للمواقف الهولندية من القضية الفلسطينية وانحيازها لإسرائيل، كان من الطبيعي أن تتردى العلاقات بين هولندا ومعظم الدول العربية، ولا سيما خلال حرب تشرين الأول / أكتوبر من عام 1973 وبعدها.
فقد قامت الدول العربية النفطية بحظر النفط العربي عن هولندا دون غيرها من الدول الأوروبية، في حين أمم العراق حصتها في شركة نفط البصرة، في مقابل ذلك سارعت إسرائيل إلى تقدير الموقف الهولندي والانحياز لهولندا.
وقد رفع حظر النفط هذا بقرار من وزراء النفط العرب في العاشر من تموز /يوليو 1974 وذلك بعدما رفضت هولندا في بيان رسمي أنها التزمت سياسة الأسرة الأوروبية.
ولكن سرعان ما عادت سيرتها الأولى فامتنعت مثلا عن التصويت على قرار الجمعية العامة ذي الرقم 3210 (د-29) عام 1974 القاضي بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاشتراك في مداولات الجمعية العامة بشأن قضية فلسطين. وصوتت في العام نفسه أيضا ضد القرار3236 (د-29) القاضي بمنح المنظمة مركز مراقب في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمؤتمرات التي تنعقد في ظلها. والفضل يعود في تمتين العلاقات السياسية التقليدية والتعاون الاقتصادي المتزايد بين هولندا وإسرائيل يعود إلى وجود جالية يهودية قديمة قوية النفوذ في المملكة الهولندية. حيث أخذ النفوذ اليهودي بالاتساع، بعد طرد اليهود من إسبانيا الكاثوليكية عام ( 1492 م) ولجوئهم إلى مملكة هولندا التي كانت بروتستانتية ليبرالية آنذاك، ليصبح لهم منذ القرن السابع عشر، نفوذ مالي وتجاري وسياسي بارز ويلعبوا بعد ذلك دوراً هاماً في كافة مؤسسات الدولة القضائية والتنفيذية، ويقدر عدد اليهود في هولندا خلال العام الحالي 2020 بنحو خمسين ألفاً والغالبية يتمركزون في العاصمة أمستردام.
حرصت إسرائيل منذ إنشائها على توظيف وجود اللوبي اليهودي ونفوذه في هولندا لاستمالة الموقف الهولندي إلى جانب المواقف والتصورات الإسرائيلية، خاصة وأن للوبي اليهودي نفوذا وتأثيرا واضحا على الشعب الهولندي الذي تجاوز عدده (18) مليون نسمة خلال العام الحالي 2020 وبشكل خاص في حقول الإعلام والاقتصاد والنشاطات الحزبية والثقافية. وتقطن النسبة الكبرى اليهود في هولندا في مدينة أمستردام، حيث توجد معابدهم ومدارسهم ومحلاتهم التجارية ومؤسساتهم الثقافية والإعلامية في أحياء ومقاطعات: ريفيرن بورت، أود زاود، باوتن فيلدرت وأمستل فاين.
نفوذ اللوبي
وقد لعب انحياز اللوبي اليهودي في هولندا لإسرائيل دوراً بارزاً في استمالة المواقف الهولندية للتصورات والسياسات الإسرائيلية. لكن مع مرور الوقت ثمة انزياح واضح لعدد كبير من الشعب الهولندي وهيئات المجتمع المدني لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وقد عزز هذا الانزياح انكشاف صورة إسرائيل العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني وخاصة خلال العقدين الأخيرين، فضلاً عن حراكات الجالية الفلسطينية والناشطين الفلسطينيين جنباً إلى جنب مع مناصرين هولنديين للقضية الفلسطينية في هولندا في المناسبات الوطنية الفلسطينية والوقفات المتكررة ضد سياسات إسرائيل في المدن الهولندية وخاصة مدينة لاهاي التي يوجد فيها مقار المحكمة الجنائية الدولية. ويبقى القول أن قرار البرلمان الهولندي أخيراً، الذي يعتبر خطة الضم الإسرائيلية لأراض فلسطينية انتهاكا للقانون الدولي، إنما هو تغير جزئي في مسار العلاقات الإسرائيلية – الهولندية لكنه في الاتجاه الصحيح لنصرة الحقوق الفلسطينية.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تسليط الضوء على سياسة المملكه الهولنديه اتجاه الدعم الذي تتلقاه دولة الاحتلال لاكثر من خمس عقود .وانحيازها الدائم لصالح الاحتلال كان له الاثر الكبير ضد قضيتنا.ولكن بفضل الناشطين الهولنديين وابناء الجاليه الفلسطينيه القديمه كان هناك تغيير في تلك السياسه.
بوركت جهودكم اخي نبيل .نعم للعمل من اجل نصرة قضيتنا .وفقكم الله وتحياتي لكم