كراتشي- عامر لطيف: قبل أيام، أعلنت السعودية عن حزمة مساعدات لباكستان بقيمة 6 مليارات دولار، وهو إجراء عده خبراء اقتصاديون سيعمل على استبعاد احتمال تخلف باكستان عن سداد التزاماتها المالية في الوقت القريب، حيث تعاني نقصاً في السيولة المالية.
غير أنهم ذهبوا في الوقت ذاته إلى أن الإجراء، لا يعدو عن كونه تأجيلاً لعلاج الاقتصاد الباكستاني المتعثر.
وتشمل حزمة المساعدات 3 مليارات دولار لدعم ميزان المدفوعات، وهو ما جرى الإعلان عنه عقب اجتماع بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان خلال فعاليات منتدى مستقبل الاستثمار بالرياض يوم الثلاثاء الماضي.
كما وافقت الرياض، الثلاثاء الماضي أيضا،على تأجيل سداد مدفوعات لمدة سنة قيمة استيراد نفط بقيمة 3 مليارات دولار.
وفي مواجهة العجز الهائل في الحساب الجاري البالغ 18 مليار دولار، طلبت باكستان بالفعل مساعدة صندوق النقد الدولي لمواجهة أزمة عجز ميزان المدفوعات المتفاقمة.
ومن المقرر أن تقوم بعثة من صندوق النقد الدولي بزيارة إسلام أباد الشهر المقبل لمناقشة شروط وحجم القرض.
شهيد حسن صديقي، الخبير الاقتصادي والمقيم في كراتشي، اعتبر الحزمة “بمثابة إنقاذ مؤقت ولن توفر سوى منطقة راحة للحكومة للتعامل مع التحديات الاقتصادية الوشيكة، ولا سيما قضية ميزان المدفوعات”.
وأضاف صديقي أن حزمة الإنقاذ ستساعد باكستان على تحسين موقفها إزاء التدهور السريع للاحتياطي الأجنبي والحد من العجز التجاري، كما ستحسن من تراجع سعر العملة المحلية وبورصة الأوراق المالية.
الإصلاح الهيكلي
لكنه حذر من أن حزمة الإنقاذ المؤقتة لن تكون مفيدة إلا في حال تطبيق إصلاحات هيكلية واسعة النطاق لتعزيز الاقتصاد المترنح، مع التركيز بشكل رئيسي على العوامل الخارجية، الاحتياطيات الأجنبية وعجز الحساب الجاري.
وتشكل تحويلات الباكستانيين العاملين في الخارج السنوية البالغة نحو 20 مليار دولار المصدر الرئيسي للاحتياطيات الأجنبية للبلاد، التي تبلغ حاليا 16 مليار دولار.
وقال صديقي: “إذا لم يتم تطبيق الإصلاحات الهيكلية، أخشى أن يستأنف الاقتصاد مواجهة أزمة مماثلة للحالية بعد بضعة أشهر”.
وتبنى الخبير الاقتصادي محمد سهيل المقيم في كراتشي، وجهة نظر مشابهة، حيث يصف الحزمة السعودية بأنها “مساحة تنفس” للحكومة الوليدة بقيادة رئيس الوزراء عمران خان الذي يشغل المنصب للمرة الأولى، وتتعرض لضغوط هائلة بسبب تدهور الاقتصاد في البلاد.
وقال سهيل: “الفجوة الحالية في التمويل الخارجي الصافي بباكستان تتراوح بين 10-12 مليار دولار. يمكننا سد الفجوة بمساعدة حزمة الإنقاذ والتي ستعطي فرصة للحكومة لوضع الاقتصاد على المسار الصحيح خلال الـ 6- 12 شهرا المقبلة”.
ويبلغ الدين الخارجي الحالي لإسلام آباد نحو 100 مليار دولار، معظمه ديون من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي والبنك الإسلامي للتنمية والولايات المتحدة والصين وفرنسا ودول أخرى.
وقد تكبدت الدولة النووية في جنوب آسيا خسارة بقيمة 100 مليار دولار منذ عام 2002 بعد انضمامها إلى الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب، بحسب إعلام محلي.
ارتفاع الواردات
ووفق مراقبين، فإن زيادة الواردات تشكل تهديدا كبيرا لاقتصاد باكستان التي يبلغ حجم ناتجها المحلي 300 مليار دولار.
وتبلغ قيمة واردات إسلام أباد السنوية حاليا حوالي 60 مليار دولار مقارنة بصادراتها التي تصل إلى 24 مليار دولار فقط.
وفي هذا الصدد، قال صديقي: “يتعين علينا أن نقدم برنامجا صارما يهدف إلى تقليل وارداتنا بهدف تخفيضها 10 مليارات دولار عن المستوى الحالي. وفي الوقت نفسه ، يتعين علينا سد الفجوة المتسعة بين الواردات والصادرات للحفاظ على التحسن الذي نتوقع تحقيقه بفضل حزمة الإنقاذ”.
وأضاف أنه على الرغم من تلقي حزمة الإنقاذ السعودية ، فإن إسلام أباد ستضطر إلى الذهاب لصندوق النقد الدولي لأسباب متعددة.
وتابع: “القرض السعودي ليس بديلا عن برنامج صندوق النقد الدولي. ليس فقط لأننا بحاجة إلى المزيد من المال ولكننا نحتاج إلى دعم صندوق النقد الدولي لسياساتنا الاقتصادية للحصول على قروض من البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي ووكالات مانحة أخرى”.
ارتفاع الأسعار والتضخم
ويتوقع صديقي أن يكون للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي تأثير سلبي على الاقتصاد لا سيما في شكل ارتفاع الأسعار والتضخم.
وقال: “علينا التخلص من برنامج صندوق النقد الدولي في أقرب وقت ممكن لأن شروطه الصعبة سوف تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية”.
غير أن سهيل يختلف مع صديقي قائلا إن الحكومة اتخذت بالفعل “تدابير صارمة” من خلال زيادة أسعار الغاز والكهرباء والسلع الأخرى.
وقال: “لن يكون هناك أي تأثير كبير على الأسعار بسبب برنامج صندوق النقد الدولي. في الواقع ، فإن شروط صندوق النقد الدولي ستكون متساهلة بعد الحزمة السعودية لأننا لا نسعى للحصول على حزمة أكبر الآن”.
وأضاف: “الذهاب إلى صندوق النقد الدولي أمر ضروري أيضاً لأنه سيؤدي إلى تحقيق الانضباط المالي ( خفض عجز الموازنة) في اقتصاد البلد بعيدا عن تأييد المصادقة على تلقي قروض من وكالات إقراض أخرى”.
ومن المرجح أيضا أن تحصل باكستان على قروض أصغر نسبيا من الصين، أكبر شريك اقتصادي ودفاعي لها، بالإضافة إلى حليفتها الإمارات العربية المتحدة في الأشهر المقبلة. (الأناضول)