“القدس العربي”: تساءل مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الإثنين، عن الخطأ الذي ارتكبه الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي والذي أدى إلى اختفائه بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول قبل ستة أيام.
وأكد ياسين أقطاي، في مقال نشرها في صحيفة “يني شفق” المقربة من حزب التنمية والعدالة الحاكم في تركيا، أن ما حدث لخاشقجي لم يكن شيئا موجها نحو شخصه فحسب، بل “عملية تستهدف تركيا في الوقت ذاته”، وهو ما كان أشار إليه في تصريحات صحافية سابقة، إلا أن الحقيقة الجديدة التي ظهرت خلال اليومين الماضيين بحسب أقطاي هي “أن العالم الحر والشريف قد أخذ على عاتقه الكشف عن ملابسات هذه الجريمة”.
ووصف أقطاي ما تعرض له خاشقجي بـ”الواقعة الوحشية والهمجية” التي أدت إلى رد فعل كبير متوقع في العالم بأكمله. وقال إن “اسم خاشقجي وما حدث له سيتحول إلى رمز لطلب تغيير كبير على مستوى العالم، بالضبط كما لم يستطع المتورطون في اختفائه في التستر على أي شيء، بل إنهم لم ينجحوا في شيء سوى إظهار كل شيء بتفاصيله”.
اسم خاشقجي وما حدث له سيتحول إلى رمز لطلب تغيير كبير على مستوى العالم، بالضبط كما لم يستطع المتورطون في اختفائه في التستر على أي شيء، بل إنهم لم ينجحوا في شيء سوى إظهار كل شيء بتفاصيله
وذكر المسؤول التركي أن خاشقجي كان قد نبه خطيبته التركية خديجة عندما دخل القنصلية مطالبا إياها بأن تبلغه هو والصحافي التركي الآخر توران كشلاكجي في حالة عدم خروجه. وأضاف أنه “عندما وصلنا هذا الخبر كان للأسف قد فات الأوان، لم تسنح لنا فرصة حمايته وفعل شيء بينما كان لا يزال على قيد الحياة”. وتابع أقطاي قائلا “في الواقع، هذا يزيد حجم الأمانة التي حمّلنا إياها. لقد عجزنا عن إيقاف اختطاف الصحافي الذي أتابع أفكاره ومواقفه بتقدير وتصويب، أو قتله بطريقة وحشية (وإن كنا نحاول المحافظة على بعض التفاؤل إلى الآن). فحالة الحرج الذي وضعنا فيها من عدة زوايا وصلت إلى أبعاد لا يمكن وصفها. بيد أنّ الأمانة التي تركها لنا لم تكن حياته فقط، بل كان كفاحه الذي كان مهتمّا به أكثر من حياته”.
ويرى مستشار الرئيس التركي أنه لا شك أن خطابات خاشقجي التي كان يركز فيها على قيم من قبيل: تعزيز حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، تطور الديمقراطية، ضمان حرية التعبير، الاهتمام بشرف الإنسان كما يستحق، القضاء على الفساد، ضمان الشفافية في إدارة الدولة، أزعج البعض. وقال في هذا السياق “سنواصل إزعاجهم كذلك مستقبلا”.
وأضاف “لقد كان يتابع بنفسه بتقدير وفرحة كبيرة المسافة التي قطعتها تركيا في هذه المسائل، لكنه لم يكن يتوانى عن توجيه النقد اللازم لجوانب النقص التي لا تزال تعاني منها تركيا في هذه المسائل أيضا. غير أنّ انتقاداته لم تكن مزعجة، لأنها كانت مخلصة، لم تكن ذات نية سيئة، بل كانت بناءة، لم تكن عدائية، بل كانت محبة وصادقة. وفي الواقع كانت انتقاداته إلى حكام بلاده على هذا النحو أيضا، لكنهم كانوا منزعجين. فنقص الإخلاص وسوء النية والخصومة لم تكن هذه المرة لدى خاشقجي، بل كانت لدى من ينتقدهم”.
انتقادات خاشقجي لتركيا لم تكن مزعجة، لأنها كانت مخلصة، لم تكن ذات نية سيئة، بل كانت بناءة، لم تكن عدائية، بل كانت محبة وصادقة. وفي الواقع كانت انتقاداته إلى حكام بلاده على هذا النحو أيضا، لكنهم كانوا منزعجين. فنقص الإخلاص وسوء النية والخصومة لم تكن هذه المرة لدى خاشقجي، بل كانت لدى من ينتقدهم.
وأشار أقطاي إلى أنه ربما كان انتقادات خاشقجي بشأن الاعتقالات التعسفية في المملكة والتي طالت مؤخرا مثقفين وعلماء دين وصحافيين في بلده، هي أكثر ما أزعج السلطات هناك.
وانتقد المسؤول التركي الطريقة التي تتبعها الحكومة السعودية “لتكميم أفواه معارضيها”، مشيرا إلى أن المسألة “خرجت من كونها قضية داخلية لإحدى الدول. فاعتقال مجموعة من أبرز علماء الإسلام الذين لهم بصمة كبيرة في العالم الإسلامي، دون أي سبب واضح، واحتجازهم في ظل ظروف سجن قاسية يدمي قلوب العالم الإسلامي بأسره”.
وأضاف أن “السجن التعسفي بدون أي حجة لمجموعة من أبرز العلماء من أصحاب الشهرة والصيت الكبير في العالم الإسلامي، من أمثال سلمان العودة وسفر الحوالي اللذين يعانيان من أمراض بالجملة، لا يعتبر مسألة داخلية سعودية، بل قضية تهم المسلمين كافة”. وأشار في هذا السياق إلى أن أكثر ما كان ينتقد خاشقجي الرياض بشأنه هو “اعتقال العالم الكبير عبد العزيز الفوزان، الذي انتقد بدوره اعتقال أو تكميم أفواه العلماء لانتقادهم الإصلاحات التي قامت بها السعودية، وسجنه ليس من المحدد مصيره”.
وتطرق أقطاي إلى الإعلام السعودي مشيرا إلى أنه كان “مستعدّا في بداية الأحداث تصوير اختطاف خاشقجي، في أفضل الأحوال، أو مقتله، في أسوأ الأحوال، على أنه نجاح عملية استخباراتية”. وقال “لا شك أنّ ثمة وضعية فاسدة اختلط بها كل ما هو صحيح وخاطئ في نقطة ما. وقد نشرت وسائل الإعلام في السعودية في الساعات التي اختفى فيها خاشقجي خبرًا يفيد بالقبض على مطلوب بالتعاون مع الإنتربول”.
وأوضح أقطاي في هذه المسألة أنه “أولا، الإنتربول ليس لديه سجل بحث عن خاشقجي، وثانيا فإن هذه الواقعة ليس بها أي جانب لنجاح أي عملية أو عمل مخابراتي”. وتابع قائلا إن دخول إنسان أعزل قطعة من أرض بلده (مبنى القنصلية) وهو يثق بالعاملين، ممكن أن يتعرض في هذه اللحظة لأي شيء لكن “هذا لا يعني أن هذا الشيء يعتبر نجاحا مخابراتيّا”.
ويختم أقطاي مقاله بالقول إن ذنب جمال خاشقجي كان الثقة. ويوضح أن الصحافي السعودي وثق بأن مواطني بلده لن يستطيعوا أن يفعلوا معه هذا الأمر. كما وثق بمستوى العلاقات السعودية التركية التي اجتهد كثيرا من أجل تطويرها. ووثق بأن الجانب السعودي لن يضحي بإفساد هذه العلاقات. كما وثق بأنه لن يلحق به أي ضرر عندما يدخل كضيف أعزل إلى جزء من أرض بلده في الخارج. لأنه وثق بتقاليد بلده لأنه اعتقد أن “بني جلدته لا يمكن أن يكونوا قد فسدوا إلى هذا الحد وانسلخوا عن عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم إلى هذه الدرجة”.