مستعينة بدول عربية.. واشنطن تكرر السؤال: من سيحكم غزة بعد حماس؟

حجم الخط
0

  لا توجد لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أي خطة لليوم التالي، ولا يعرف متى سيدخل إلى حيز التنفيذ. بل ولا يعرف كيفية إعادة الأمن لسكان إسرائيل، لا سيما في غلاف غزة وغلاف لبنان. ولكن لديه صيغة لا يمكن التشكيك فيها حول ما لن يكون في غزة. “لن نسمح بسلطة مدنية تعلم الأطفال كراهية إسرائيل، وتدفع للقتلة حسب عدد الأشخاص الذين يقتلونهم. رئيس سلطة لم يدن المذبحة حتى الآن. يجب أن يكون هناك شيء آخر”، قال أمس. من غير الممكن أن تعرف منه ماذا يقصد بـ “شيء آخر”. 

في مقابلة مع “فوكس نيوز” الجمعة، أوضح نتنياهو أن إسرائيل لا تنوي احتلال قطاع غزة أو السيطرة عليه. ولكنها احتلت شمال قطاع غزة وتسيطر على أجزاء كبيرة في القطاع، وأيضاً على المعبر بين شمال القطاع وجنوبه وعلى الجزء الجنوبي، حتى لو لم يكن فيه قتال. إسرائيل تحدد حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع: مضمونها والجدول الزمني للهدن التي تسمح بالانتقال الأمن للمواطنين والسلع. لكن هذه سيطرة عسكرية مباشرة لا تنشغل بالقضايا الإنسانية مثل البنى التحتية الصحية والمدارس والمواصلات وجمع القمامة وفحص جودة مياه الشرب ودفع الرواتب وإدارة منظومة القطاع وقوة شرطية لضمان الأمن الشخصي وآلاف المواضيع والنشاطات التي تنشغل فيها أي سلطة مدنية أديرت حتى الآن من قبل حماس. 

المشاركون في “كابنيت الحرب” لا يعرفون أيضاً كم هو الوقت الذي سيستمر فيه القتال، أسابيع أم أشهراً أو سنة. لكل منهم رزنامته، وليس لديهم أي تفسير مقنع لمفهوم تدمير حماس باستثناء قتل آلاف المخربين وتشويش كبير لقدرتهم على المس بإسرائيل وتدمير شبكة الأنفاق، وإذا حالفنا الحظ أيضاً، قتل يحيى السنوار. ولكن بعد تحقيق هذه الأهداف، لن تبقى غزة فقاعة هواء فارغة. حتى بعد خصم الـ 11 ألف شخص من السكان الذين قتلوا حتى الآن، فسيبقى في غزة أكثر من 2.2 مليون إنسان. 

بخصوص هؤلاء السكان، يجب على إسرائيل، ليس على أي دولة أخرى، أن تجد من الآن ترتيبات مدنية تمكنهم من الاستمرار في العيش في هذه المنطقة التي ستكون منزوعة السلاح، وبدرجة كبيرة جداً، لكن كما يبدو غير كاملة، من العمل والتعلم ومصدر الرزق وإقامة مصالح تجارية واستيراد وتصدير البضائع والبدء في إعادة إعمار البيوت. مسؤولية ذلك ملقاة على إسرائيل، لا لأنها المسؤولة عن المنطقة، بل لأنها لا تطرح، على الأقل في هذه المرحلة، أي بديل عنها. 

تنشغل الإدارة الأمريكية منذ بضعة أيام في قضية العملية المدنية المحتملة بعد انتهاء الحرب. حسب أقوال دبلوماسي أوروبي مطلع على النقاشات، فإن “جزءاً من النقاشات تم بمشاركة زعماء عرب مثل رئيس مصر وملك الأردن وولي عهد السعودية وحاكم الإمارات ورئيس تركيا. لا يمكنني القول إننا نحظى بتعاون مثمر من قبل الطرف الإسرائيلي. يبدو أن رئيس الحكومة نتنياهو يحتفظ بالأوراق قرب صدره، ولا يميل إلى إشراك أحد فيها”. 

باحثون ومحللون في إسرائيل طرحوا اقتراحات وبدائل نشرتها وسائل إعلام محلية ودولية. من بينها اقتراح نقل السيطرة على القطاع للسلطة الفلسطينية وإقامة قوة متعددة الجنسيات وعربية، تتحمل المسؤولية عن الإدارة المدنية دون الأمنية، وتشكيل جهاز محلي، غزي، كنوع من الإدارة المدنية المنفصلة عن القائمة في الضفة الغربية، وحتى خيار نقل جزء من السيطرة لرجال حماس بعد أن يتم تحييد قدرتهم العسكرية. من إجمالي هذه الاقتراحات واضح أن خيار احتلال إسرائيل المباشر والكامل للقطاع، احتلال يشمل صلاحيات الإدارة المدنية على صيغة الاحتلال في الضفة وفي القطاع قبل اتفاق أوسلو، ليس موجوداً ضمن الخيارات في هذه الأثناء، على الأقل حسب تصريحات نتنياهو وعلى افتراض أنه لن يغير رأيه. 

       رفض أيديولوجي 

قوة متعددة الجنسيات تستند في أساسها إلى إدارة عربية غير فلسطينية، تبدو ممتازة. ولكن عملياً هذا ليس أكثر من أمنية. إذ لا توجد أي دولة عربية مستعدة لإرسال موظفيها للمشاركة في إدارة الحياة المدنية في غزة بدون تعاون من السكان هناك، وتحت سيطرة عسكرية إسرائيلية. بالنسبة للغزيين، هذه القوة ستعتبر احتلالاً عربياً يتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي. التجربة الأمريكية الفاشلة في العراق وأفغانستان أثبتت ما الذي يحدث عندما تحاول قوة أجنبية إدارة الحياة المدنية في أي دولة. في اليمن، حاولت السعودية والإمارات إدارة الدولة بواسطة حكومة دمى محلية، وما زال الفشل صارخاً. في لبنان حاول محمد بن سلمان إملاء تشكيلة الحكومة، ولكنه حصل على صفعة. الأردن، كما نذكر، فك الارتباط مع الضفة في 1988 ولم يخطر بباله أن يعرض خدمات إدارية مشتركة. 

لكن حتى لو سمحنا للخيال بالتحليق عالياً، وتم تشكيل مجلس عربي لإدارة غزة، فإن نفس هذا الخيال يجب عليه وصف الوضع الذي يتكون فيه مجلس من مصر والمغرب والأردن والإمارات، مثلاً، سيجلس في مدينة غزة ويقرر سلم أولويات المشاريع وتوزيع الميزانيات وتعيين المعلمين وقادة الشرطة، في الوقت الذي ستكون فيه أي خطوة كهذه بحاجة إلى تنسيق مع إسرائيل وموافقتها. من الذي سيحسم؟ إسرائيل أم المجلس؟ هل يجب أن تتخذ القرارات بالإجماع داخل المجلس؟ بالأغلبية؟ أم حسب سيطرة الدول الأعضاء في هذا المجلس؟ يمكننا سماع النقاشات الغاضبة التي تجري الآن بين أعضاء هذا “المجلس”، الذين يمثل كل واحد منهم مصالح دولة وليس مصالح غزة. 

معارضة نتنياهو لنقل الإدارة (حتى ليس السيطرة) إلى السلطة الفلسطينية تمتد جذورها إلى رؤيته الأيديولوجية، التي تعتبر الفصل بين الضفة الغربية والقطاع كابحاً حيوياً لأي حل سياسي يستند إلى صيغة حل الدولتين. إن أي حكم فلسطيني واحد وموحد، في القطاع والضفة، يعني تمثيلاً سياسياً معترفاً به ومتفقاً عليه من الشعب الفلسطيني كله. ومن هنا، تبدو المسافة قصيرة للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. ما دام يمكن لنتنياهو الادعاء، بفضل وجود حماس، بأنه لا يوجد مثل هذا التمثيل الموحد، وبالتالي فإن أي اتفاق مع ممثلية جزئية للفلسطينيين لا يساوي الورق الذي كتب عليه، فإن حل الدولتين تعفن في الدرج. لولا هذا المبرر فلا وجود لسبب حقيقي لعدم نقل السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية. 

ادعاءات نتنياهو تجاه السلطة كان يمكن أن تكون مقنعة لو فصلت إسرائيل علاقاتها مع السلطة بسبب أنها تدفع التعويضات للمخربين، أو بسبب أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يدن القتل. ولكن الأموال التي تدفعها السلطة للمخربين تخصمها إسرائيل من أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة، وتضعها في جيوبها. هي تثني على التعاون الأمني مع السلطة، وتسمح لها بإدارة الشؤون المدنية بالكامل في مناطق “أ” و “ب”، والحصول على المساعدات والمنح من دول أجنبية ومؤسسات دولية، وهي التي تدفع الرواتب، وهي المسؤولة عن كل موضوع التصاريح والمحاكم ووسائل الإعلام، وكل ذلك بمباركة من إسرائيل، فضلاً عن كونه جسماً معترفاً به دولياً. 

لا يوجد أي جسم فلسطيني آخر، رغم الفساد الكبير والخلافات الداخلية والطبيعة المستبدة لها، لديه خبرة مثل السلطة في إدارة نسيج الحياة المدنية الفلسطينية. ولا يوجد جسم آخر، فلسطيني أو دولي، يمكنه أن يستند إلى شرعية محلية في غزة وشرعية الدول المانحة في الغرب وفي الشرق الأوسط، التي سيطلب منها المساعدة في إعادة إعمار غزة. لا يوجد “شيء آخر” يمكن أن يتحمل المسؤولية عن إدارة غزة باستثناء السلطة الفلسطينية.

تسفي برئيل

هآرتس 13/11/2023

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية