اغتيال الكراد ورفاقه، سيؤدي في نهاية الأمر إلى ارتفاع وتيرة الاغتيالات وسيتحول الريف الغربي ومدينة درعا إلى منطقة منفلتة أمنيا.
دخلت محافظة درعا جنوب البلاد في حالة ارتباك شديد مع مقتل أدهم الكراد الذي شغل قيادة فوج الهندسة والصواريخ في الجبهة الجنوبية وأحمد المحاميد قائد لواء أحفاد الرسول وعدد من القادة العسكريين. وتعرض القادة إلى كمين محكم في مناطق سيطرة النظام، وهم عزل من السلاح.
وأكدت مصادر عسكرية مقربة من الكراد صحة ذهاب القادة القتلى إلى دمشق للاجتماع بضباط من النظام من أجل المطالبة بتسليم جثامين 33 عنصرا من فصائل الجيش الحر في درعا، قتلوا في هجوم على كتيبة الدفاع الجوي “الكتيبة المهجورة” في تشرين الأول/اكتوبر 2016. وتطل الكتيبة على طريق درعا- دمشق وتبعد عنه نحو 2.5 كم من الجهة الغربية وترصد من الجهة الغربية أيضا بلدتي ابطع وداعل، وشكلت الجدار الفاصل بين البلدتين والطريق، وحالت دون قطع الطريق وفصل مدينة درعا عن دمشق.
ويغلب الظن أن الكراد استدرج من قبل قائد فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، العميد لؤي العلي، المتحكم والمشرف على الوضع الأمني بكل تفاصيله بجنوب سوريا.
ويعتبر الكراد أحد أبرز قادة اللجنة المركزية التي فاوضت الروس في تموز/يوليو 2018 وتوصلت إلى اتفاق التسوية، واشتهر الكراد بعبارة “تسقط موسكو ولا تسقط درعا” التي ترافقت مع الهجوم على درعا وجلسات المفاوضات مع اللواء الكسندر سلوفيتش في بلدة بصرى الشام شرق درعا.
ويمثل أدهم الكراد الخط الذي فضل البقاء في درعا ورفض الخيارين اللذين قدمتهما موسكو وهما، الانضمام للفيلق الخامس الذي شكلوه مؤخراً، أو التوجه إلى ادلب. حيث حاولت اللجنة المركزية للتسوية محاولة اللعب على الضمانة الروسية من أجل تخفيف الخسائر وامتصاص غضب النظام، واستيعاب الحالة النفسية المحطمة لنحو 20 ألف مقاتل بقيوا في المنطقة ورفضوا الانضمام إلى الفيلق الخامس تحت إشراف قائد فرقة شباب السنة وعضو الهيئة العليا للمفاوضات، أحمد العودة والذي تربطه بنائب رئيس الهيئة العليا السابق خالد محاميد علاقة مصاهرة. وقدم الأخير استقالته بعد أن قدمت الكتلة العسكرية في هيئة التفاوض طلبا للتصويت على عزل المحاميد بسبب دوره في “تسليم الجنوب” واتفاق المصالحة، ما أغضب المحاميد ودفعه لتقديم استقالته.
وقال رئيس دار العدل السابق في حوران، عصمت العبسي إن ما جرى “جزء من الصراع اليومي والتدافع بين الثوار والنظام من جهة وبين صراع المشروعين الروسي والإيراني”. وأشار العبسي في تصريح لـ “القدس العربي” أن الصراع الحالي “في أعتى مراحله، لكن الاغتيال ورغم قسوته وحجم خسارته لن يشكل انعطافة كبيرة للسياق اليومي الحاصل، فالاغتيالات بين الأطراف يومية ومستمرة”.
ودعا أبناء المنطقة الجنوبية إلى تظاهرات حملت أسماء “جمعة أدهم الكراد” خرجت في عدة مناطق في ريف درعا الغربي، رفع خلالها الشبان علم الثورة السورية وهتفوا ضد النظام السوري.
إن اغتيال الكراد ورفاقه، ورغم التوقعات بعدم انعكاسه على الواقع الميداني في درعا، سيؤدي في نهاية الأمر إلى ارتفاع وتيرة الاغتيالات وسيتحول الريف الغربي ومدينة درعا إلى منطقة منفلتة أمنيا. وسيقوم حزب الله والمخابرات السورية بمحاولة استهداف قادة اللجان المركزية وممثليها في كل مدن وبلدات حوران، وسترد الفصائل المسلحة بعمليات اغتيال لقادة وضباط في جيش النظام وأجهزته الأمنية، وهو ما سيرجح تحول تحرك النظام من مستوى الاغتيالات والاعتقالات إلى اللجوء إلى عمليات عسكرية كبرى يقوم من خلالها باقتحام المدن وفرض شروطه على الفصائل التي عارضت التسوية بشكلها النهائي ورفضت تسليم سلاحها.
من جهة أخرى، سيكون أحمد العودة قائد اللواء الثامن في الفيلق الخامس المدعوم روسيا أكثر المستفيدين من الفلتان الأمني في غرب درعا، حيث سيتوجه إليه عدد كبير من العناصر الذين يعتقدون أنهم أصبحوا بلا ظهر يحميهم مع اغتيال الكراد، أو بسبب الاعتقاد بأن مشروع اللجنة المركزية للتسوية قد انهزم وان الحل هو بالالتحاق بالفيلق الثامن، فهو على الأقل محمي روسيا وسيوفر لهم غطاء أمنيا يمنع النظام من اعتقالهم.
واستطلعت “القدس العربي” عددا من قادة فصائل الجبهة الجنوبية المهجرين في إدلب أو اللاجئين في عمان، وفضلوا عدم ذكر أسمائهم أو ربطهم بما يحدث على الأرض بسبب خصوصيته وحساسيته معا تاركين الأمر لأصحابه الذين يتنازعون مع النظام ويحاولون الخروج من المأزق الكبير. ويرى أغلب القادة أن اغتيال “أبو قصي الكراد” لن يغير في مجريات الأمور على الأرض. فالمؤمنون بمشروع البقاء في درعا لن يجبرهم اغتيال أحد على التخلي عنه، رغم “الكاريزما التي امتلكها الكراد” حسب ما قال أحد القادة المقيمين في إسطنبول.
وتشير مصادر “القدس العربي” إلى حركة نزوح لمقاتلين ونشطاء سابقين مع عوائلهم من درعا باتجاه الشمال السوري، وأن تكاليف الرحلة أصبحت باهظة للغاية. حيث يدفع المطلوبون أمنيا مبلغ 3 آلاف دولار أمريكي للوصول من درعا إلى مناطق درع الفرات، عبر مناطق سيطرة النظام السوري وبواسطة شبكات تهريب متعاونة مع النظام وحواجزه. فمصلحة النظام هي تفريغ محافظة درعا من المعترضين على التسوية والمصالحة، وفي نفس الوقت يعتبر خط التهريب أحد المداخيل الاقتصادية الكبيرة للنظام وتغذيه بالعملة الصعبة أيضا.
على المقلب الآخر، فان ما يحصل في ريف درعا الغربي والقنيطرة يعد خرقا للالتزامات الروسية أمام إسرائيل بما يتعلق بالشرط الإسرائيلي بإبعاد إيران مسافة 30كم عن الحدود والالتزام الروسي بذلك. فاستمرار الاغتيالات وتنصل الروس من مسؤولياتهم المتعلقة بالاتفاق، ستؤدي إلى مزيد من التغول لإيران وحزب الله قرب الحدود السورية مع الاحتلال الإسرائيلي، وسيؤدي مع الوقت إلى اختراق إيران للقاعدة الشعبية المناهضة لها أساسا، فالعمل مع إيران وحزب الله أصبح وسيلة أيضا للهروب من النظام في المناطق التي لا تتواجد بها روسيا.
ويتعين على الروس البحث عن حل أفضل لفصائل اللجنة المركزية التي رفضت الانضمام إلى الفيلق الخامس بقيادة العودة، الوكيل الحصري لهم في الجنوب. وربما يكون الاعتماد عليهم كقوة محلية دون إشراكهم في القتال على جبهات الشمال أحد المخارج التي تعيد موسكو إلى الالتزام باتفاق التسوية في الجنوب.