موضوعات تتناول عصابات تجارة المخدرات، أو جرائم القتل المتسلسلة، هي دائماً من الموضوعات المفضلة لدى عموم المشاهدين، في السينما والتلفزيون. لها جمهورها الثابت، وهذا ما يفسر حضورها الدائم على الشاشات الكبيرة والصغيرة. وذلك مفهوم لأسباب منها المغالاة في تصرفات الشخصيات، واللعب على توقعات المُشاهد في ما يخص هذه المغالاة التي تصل مراراً إلى القتل، وما في ذلك من مشاهد هي كذلك مغالية (طرق القتل). وذلك يتطلب تصويراً صريحاً لهؤلاء المجرمين، أو لأقل ممارسي عمليات الإجرام «الضرورية» لسير الأحداث، أو الآمرين مباشرةً بها، أي أن في الصف الأول أمام المشاهدين يكون الممارس المباشِر لكل هذه المهام: التجارة، القتل، الخطف، الخ.
الجديد في مسلسل «أوزارك» المعروض على شبكة «نتفلكس»، وقد بدأ بث موسمه الثالث قبل أيام (الموسم الأول بُث في 2017، والثاني في 2018)، أن الصف الأول من الشخصيات في المسلسل، أمام المشاهدين، هم من يكونون عادة في الصف الثاني، في أفلام ومسلسلات مماثلة، وهذه بحد ذاتها مخاطرة في طرح فيلم عن الجرائم، وتجارة مخدرات، تكون شخصياته الرئيسية هي تلك الثانوية في أفلام ومسلسلات مماثلة أخرى. طبعاً لا بد أن نشاهد قاتلين هنا، زعيم العصابة (لا بد أن يكون مكسيكياً كون المسلسل أمريكياً) ومن يتفرعون عنه، وكلهم يمارسون القتل بدم بارد. هم حاضرون، لا بد من ذلك، لكن حضورهم ثانوي، هم شخصيات ثانوية، في وقت كانت الشخصيات الثانوية في قصص كهذه، هي الشخصيات الرئيسية، وهي هنا مارتن بيرد وزوجته ويندي. الأول هو مستشار مالي يعرف جيداً كيف يبيض الأموال، ويتهرب من الضرائب وغيرها من المسائل المالية المعقدة، لسنوات وبدون أن يتم الإمساك به، وزوجته هي شريكته في ذلك، تتميز بدهاء وخبث ظاهرين، يبدأ الأمر بخيانتها لزوجها في الحلقات الأولى، وينتهي عند سماحها بقتل أخيها في الحلقات الأخيرة.
شخصيات كهذه هي إذن ليست في الواجهة، أو ليست ذات تأثير في فيلم يحكي عن عصابة مخدرات، لكنها كذلك في هذا المسلسل. تتوالى الشخصيات على الزوجين، تدخل شخصية وتخرج أخرى، مضيفة ديكوراً لا بد منه لإتمام صورة المرحلة التي يمر بها الزوجان، وابنهما معهما، تمر هذه الشخصيات حولهما، مع الأحداث، ويبقى الزوجان ثابتين، كالشخصيتين الأساسيتين في المسلسل، يجمعهما الطموح الذي لا سقف له، طموح السلطة والمال، طموح يترافق مع عمليات قتل يمهدان لها بدون أن يرتكباها (المرة الوحيدة التي مسك أحدهما فيها مسدساً كان في الموسم الثاني، وكان مسدسَ خاطفٍ لويندي هددها به، أي كان، نوعاً ما، دفاعاً عن النفس بسلاح ليس لهما)، ويجمعهما كذلك الدهاء الإجرامي لدى ويندي، والذكاء المهني لدى مارتي.
لذلك، ليس هنالك «أشرار» بالمعنى البين في المسلسل، وبالتالي ليس هنالك «أخيار» بالمعنى البين كذلك، والمُميز عن الأول. طبعاً الجميع في المسلسل «أشرار» إن سردنا ما ارتكبوه من قتل أو سرقة أو تهديد أو غيره، لكن المسألة أكثر تعقيداً هنا.
في المسلسل تداخل بين الشخصيات جميعها، بين تصرفاتها وأقوالها، ليس هنالك فاصل واضح بين من يستحق ماذا، الكل ارتكب جرائم بحق الكل، رغم ذلك، تبقى جرائم بطلَي المسلسل محصورة بين تبييض الأموال والتسبب بالقتل والابتزاز والتهديد، ما يجعل نقطة القوة في المسلسل الذي تم إخراجه بشكل جيد بالمناسبة (بمخرجين عديدين)، هي السيناريو والحوارات، والانعطافات التي كانت تأتي بها الشخصيات الثانوية، وتخرج معها، وهذا كله يعود لكتابة المسلسل.
هذا المسلسل إذن عن عصابة مكسيكية تتاجر بالمخدرات، زعيمها في المكسيك، وعائلة بيرد تقوم بغسل الأموال لها في الولايات المتحدة، في منطقة ميزوري، حول بحصيرة أوزارك. وتتطور الأحداث والحلقات من خلال محاولات الزوجين ابتزاز وفرض استثمارات على سكان محليين أصحاب أشغال قائمة، كمطعم وشركة عقارات وشركة دفن موتى وغيرها، إلى أن حصلوا، بالطرق ذاتها، على رخصة فتح كازينو، وفعلوها ليكون الكازينو هو مركز تبييض الأموال لديهم، كل ذلك يكون بعلاقات أقامها الزوجان مع مجرمين آخرين، وهي عصابات محلية صغيرة، تمارس القتل وإنتاج وبيع المخدرات والتخريب، كما تفعل العصابة المكسيكية.
قد يبدو من كل ذلك أن في المسلسل (Ozark) عنفا أقل من المتوقع، لموضوعه، هذا صحيح إن لم نأخذ العنف النفسي بعين الاعتبار، فعمليات الإجرام كانت لاحقة، أو آثارا جانبية، لسؤالٍ رسمَ تطور الأحداث أو تطور أفعال الزوجين، هو: كيف نبيض الأموال؟ وتطور بدوره ليكون: كيف نبيض المزيد من الأموال؟
٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا