كلما وقعت عملية إرهابية في أمريكا أو أوروبا، حكم على العالم غير الغربي بأن يدفع الثمن على الفور. ذلك أنه إذا حدث بقدرة قادر أن سلم ‘المشبوهون المعتادون’ من عرب ومسلمين من التهمة، فما هم ولا بقية العالم بسالمين من القصف الإعلامي المكثف الملاحق لهم لزاما. إذ ما أن تحدث العملية حتى تنقلب الأولويات الإخبارية رأسا على عقب. ليس في أمريكا فحسب، بل في العالم كله. فإذا بنا ننام ونصحو لأيام على وقع مسلسل اكتشاف الملابسات، والأسماء والتفاصيل شاردها وواردها. والأعجب أن هذه التبعية الإعلامية لا تقتصر على حوادث الإرهاب، بل إن العالم أجمع يدخل في حالة طوارىء إخبارية حتى عندما يتعلق الأمر بجرائم عادية مثل عمليات إطلاق النار التي تشهدها مدارس أمريكا من حين لآخر نتيجة انتشار السلاح هناك.
أخبار تنزل كل مرة نزول القضاء، حسب سيناريو مكرور. والحق أنه لا مسؤولية لأمريكا أو أوروبا في وضع التبعية الإعلامية هذا. حيث أنهما لا تفرضان على الإعلام في بقية العالم الإفراط في الانشغال بما ينشغل به الغرب. وإنما هي عادات إعلامية سيئة درج عليها العالم غير الغربي منذ عقود، سواء عندما كان يطالب، في سبعينيات القرن العشرين، بإقامة نظام إعلامي عالمي جديد أكثر توازنا، أو عندما أصبح يتمتع، مثلما هو الحال اليوم، بمؤسسات إعلامية كبرى بعضها أغنى وأقوى من بعض المؤسسات الغربية.
والدليل على استفحال التبعية الإعلامية أن العالم بأسره سمع بعملية بوسطن فور وقوعها، ولكن معظمه لم يسمع أن اليوم ذاته شهد مقتل أكثر من 50 عراقيا بتفجيرات في بغداد. كما أن معظمه لم يعلم أن اليوم الموالي هو يوم الذكرى الخامسة والعشرين لاستشهاد خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس. والمثير أن دولة إسرائيل قد تبنت هذه العملية الإرهابية أواخر العام الماضي عندما سمحت رقابتها العسكرية ليديعوت أحرونوت بنشر التصريحات التي خصها بها، عام ألفين، ناحوم ليف قائد فريق الكوماندوز الذي نفذ هذه الجريمة الإرهابية. ومعلوم أن القانون الدولي يخول للحكومة التونسية، بعد هذا الإقرار الإسرائيلي، طلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن وفتح تحقيق، تفعيلا للقرار الدولي 611 الصادر آنذاك، إضافة لطلب تفعيل القرار 573 الذي يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على حمام الشط ومقتل عشرات من التونسيين والفلسطينيين عام 1985، والذي ينص على حق تونس في الحصول على اعتذار وتعويضات.
أدرك أن العقلاء قد يلوموننا، كما قد يلومون السيد عبد الوهاب الهاني الذي كان سباقا إلى حث الحكومة التونسية على الاضطلاع بواجبها (خاصة أن هنالك شبهة تواطؤ من النظام السابق في اغتيال خليل الوزير)، على الإفراط في التفاؤلô وما هو بذاك، وإنما القصد هنا هو التنبيه إلى واقع الإعلام العالمي في ابتذاله اليومي، ودعك مما فشا لدى بعض بني جلدتنا في الأعوام الأخيرة من نشوة التنظير و’الكلام الكبير’.
ذلك هو واقع الإعلام العالمي: كل ضحايا الإرهاب متساوون. ولكن بعض الضحايا متساوون أكثر من غيرهمô مساواة من اجتمعت لهم القوة الغاشمة مع ‘القوة الناعمة’، في مقابل مساواة من لا بواكي لهم حتى من إعلام بلدانهم!