مسلسل «الاختيار2»: هل قصّر الإخوان؟!

حجم الخط
9

كأني بهم كهذا الذي كان يهيم على وجهه، فرأى القوم يضعون على أعينهم مكبرات الرؤية بحثاً عن هلال شهر رمضان، فلما استعار من أحدهم جهازه، ولم يكد يضعه على عينيه ويرفع وجهه إلى السماء، حتى وجد الهلال، فلما صفقوا له ومنحوه جائزة عظيمة، أعاد الأمر من جديد في الاتجاه المعاكس، ليقول يبدو أن هلالاً آخراً هناك!
فقد كذب أهل الحكم في مصر حتى صدقوا أنفسهم، وروجوا عبر ذبابهم الإلكتروني وأذرعهم الإعلامية، نجاح مسلسل «الاختيار» الذي عرضوه تلفزيونيا في شهر رمضان الماضي، حتى تأثروا هم بهذه الدعاية، فذكرونا بيوم جمعة الغضب في ثورة يناير، عندما قصفتنا الشرطة بأطنان من القنابل الفاسدة المسيلة للدموع، فشاركونا التأثر وساهم هذا في ترنحهم، بعد هذا تعلم المجلس العسكري الدرس فكانت قواته تقصف المتظاهرين بالقنابل من بعيد، مع الوضع في الحسبان أنهم كانوا أكثر اخلاصاً لمهمتهم من حبيب العادلي، وزير الداخلية، الذي كان من الواضح أن مخزون القنابل لديه هو نتيجة صفقة فساد، وهو من أثبتت الأيام أنه استغل موقعه في الوزارة من أجل أعمال البيزنس والتسهيلات التجارية، فقنابل العسكر كانت مطابقة للمواصفات، وذات مظاهرات قصفونا بها في ميدان التحرير، فخرجت من الميدان مسرعاً، وفي ظني أن التأثير انتهى، فإذا بي أشعر به من على بعد في كل منطقة وسط القاهرة!
لقد أقام القوم الأفراح والليالي الملاح لمسلسل «الاختيار» حد أنهم توهموا أنه نال من «الجماعة الإرهابية» وهزمها، فلما تأثروا بهذه الدعاية أعلنوا أنهم في طريقهم لإنتاج مسلسل «الاختيار 2» وسيكون موضوعه فض اعتصام رابعة، وسيقوم بدور البطولة الفنان أحمد مكي، عندئذ انطلق هجوم واسع وقلق ضد المسلسل، وأبدى كثيرون دهشتهم من أن يشارك الفنان المذكور في هذا العمل، وبدوا منزعجين لقبوله المشاركة، فماذا يعرفون عن أحمد مكي؟!
بدا لي هؤلاء «المتشحتفون» كما لو كانوا حديثي عهد في مشاهد الدراما، وعليه فقد حدث الخلط الطبيعي الذي يحدث لمن هم في حالتهم، فيتصورون أن الفنان الذي يقوم بدور «الشرير» هو في الواقع شريراً، وأن من يمثل أدوار الطيب هو بالقطع شخصياً طيباً و»ابن حلال» و»عريس لُقطة» يستجاب به الدعاء ويستمطر المطر، وتصل التصورات الهلامية لدى البعض، إنهم يعتقدون أن الفنان الذي يقوم بالأدوار الساخرة، هو يسير في الشوارع يوزع النكات ويُضحك المارة، ولعل عادل إمام تأثر بهذه التصورات، فحرص مبكراً في حياته العامة أن يبالغ في التكبر، كما يحرص في مشاركته، على قلتها، في البرامج التلفزيونية أن يكون حيث ما يريد المشاهدون، فيسعى لإضحاك الناس، وتكون النتيجة انتاجه لقصص وحكايات تستهدف اكمال رسالته كممثل كوميدي، ولا أظنه نجح في هذا!
بعض المتدينين المتقاعدين، يقدمون الآن على مشاهدة الدراما لإثبات وصلاً بالمجتمع، فيمكن لي أن أقف على هذا بسهولة من خلال قراءة منشوراتهم عن مشاهدتهم التلفزيونية، عندما يكتب أحدهم أنه شاهد اليوم ثلاث أفلام وحلقتين من مسلسل، وقرأ رواية، فإذا بالمشاهدات قديمة وإذا بهم يتحولون إلى نقاد وكأن العمل لا يزال معروضاً في دور العرض، قال أحدهم شاهدت فيلم «أبي فوق الشجرة» فرددت عليه لقد نزل من كان فوق الشجرة منذ قرن ورقد على رجاء القيامة!

المهرج أحمد مكي

ومع هذا، فان التأثر بالفنان أحمد مكي في أعماله لا يمكن أبداً أن يكون نفس فجيعتك إذا نظرت لمحمد صبحي على أنه «المربي الفاضل» في مسلسل «ونيس» أو أن يصل لموقفك إذا تحول الفنانان الراحلان محمود ياسين، ونور الشريف، مع وعيهما السياسي، فشاهدت الأول مدافعاً عن مبارك، وانحاز الثاني قبل وفاته للانقلاب العسكري؛ وليس «سعد» هذا ولا ذاك، فليس أكثر من مهرج في أدواره.
وإنسان يقوم بهذه الأدوار، ماذا فيه لو أنه قبل القيام بدور البطل في مسلسل يعتمد رواية السلطة عن موقعة «رابعة» أو حتى لو قام بدور السيسي نفسه، كشيخ على سجادة صلاة؟ وهذا يذكرني بزميلة ناصرية تعمل في النقد الفني، كانت في غاية التأثر لأن الفنان أحمد زكي، الذي جسد الحلم، وقام بدور الزعيم جمال عبد الناصر، أعلن أنه سيقوم بدور السادات، ونقلت اليه هي صدمتها فكان تعليقه: أنا فنان. ولم يخفف هذا من شعورها بالصدمة وقد طعنت في مثلها الأعلى، وعندما نقلت لي هذا، وكانت لا تزال مصدومة، قلت لها كان لا بد أن يضرب بعصاة فوق أم رأسك وهو يهتف أنا أحمد زكي ولست جمال عبد الناصر!
المأساة، أن الطرف الآخر أو صاحب الرواية الأخرى، أصيب بحالة فزع وخارت قواه بهذه الإعلان عن «الاختيار 2» فكان هذا تسليماً منهم بأن المسلسل نجح ليس قبل عرضه، ولكن قبل تمثيله، واندفعوا يتلاومون فالإخوان قصروا في انتاج عمل درامي، وعليهم ألا يلوموا إلا أنفسهم عندما يبادر النظام العسكري ويقرر تقديم روايته في مسلسل.. لقد كنا أمام عرض من لطم الخدود وشق الجيوب!
الإخوان مقصرون بلا شك في الجانب الإعلامي كله، وهذه الجماعة التي كانت قبل حركة الضباط الأحرار في سنة 1952، وفي عهد الإمام المؤسس، تملك ترسانة من الصحف، ما بين يومي، وأسبوعي، وشهري، فضلا امتلاك دار نشر ومطبعة، جاء الجيل الجديد غير مدرك لقيمة الإعلام، وأنه مهنة، فلما دانت لهم، أطلقوا قناة ضعيفة، وصحيفة ليست أكثر من منشور لا يصلح للقراءة إلا في اجتماعات «الأسر» ليعرف الأعضاء توجه القادة!
ومع هذا التقصير فلا أراهم قد قصروا في انتاج مسلسل عن مذبحة رابعة، فماذا يمكن أن يقول المسلسل أكثر بلاغة من الواقع!
إن الفن عندما يعرض الوقائع القديمة، إنما يحاول تقديم ما جرى لمن لم يشاهده، فما هو الأكثر بلاغة صورة لا تزال حية، جرت في الميدان، وفشل الجناة في أن يصدق الرأي العام في الخارج أو الداخل روايتهم، مع أنهم استخدموا مدفعيتهم الثقيلة ضد اعتصام رابعة قبل وبعد، لكن ظلت لعنة المذابح تطاردهم، فلم يقنعوا الناس بروايتهم عن أن الاعتصام مسلح، وهو ما استدعى استخدام القوة في فضه، والدليل على ادراك الجناة فشلهم في اقناع الناس، أنهم يسخرون الأموال لإنتاج مسلسل يقدم روايتهم بعد سبع سنوات من الفض، وفي قالب فني بعد فشل الاقناع بالخطاب السياسي والإعلامي، ومع أن من قدم أدلة الإدانة للمعتصمين، وأدلة البراءة للمجرمين، حسب التحقيقات وفي مؤتمر صحافي عالمي، هو «ناصر أمين» الناصري والناشط في مجال حقوق الإنسان!

شيطنة الاعتصام

وفي المساء كانت كل القنوات التلفزيونية المصرية، تكمل مهمتها في شيطنة الاعتصام، واستضافت إحداها الإخواني السابق مختار نوح ليقول إنه كان يمكن أن يقوم بدور أفضل في الشيطنة من «ناصر أمين» ومع هذا فشل القوم، والدليل على فشلهم هو نقلهم الرواية في قالب فني، لكن تكمن نقطة الضعف هنا في أن العسكر الجدد، لا يعترفون إلا بالعمل المباشر ورسائل التوجيه المعنوي، وعندما يصبح كاتب الدراما ضابطاً، أو يعمل بتوجيه من ضابط، فشل العمل قبل عرضه، فتضيع رسائل الفن بالمباشرة، وسيكون المسلسل امتداداً لخطاب أحمد موسى، وعمرو أديب، ولميس الحديدي!
في حملة الفزع، التي أراها مفتعلة، لأسباب تخص أصحابها، جرى الحديث عن تأثير الفن في وجدان الناس، وفي اعتماد عبد الناصر والسادات عليه في اخضاع الرأي العام لهما ونجاحه في ذلك. فهل نجح فعلا؟!
حتماً فإن عبد الناصر ليس هو السيسي، من حيث الثقافة والوعي والرسالة وامتلاك المشروع، ولهذا فإن ناصر أوكل بالمهمة لمحترفين في مجالهم، وكان الأداء الفني وفق مقاييسه، ومع هذا فبعد سنوات من الدعاية ضد «العهد البائد» يموت النحاس باشا فتكون جنازته مقلقة لعبد الناصر نفسه، ولأول مرة يتم القبض على جناة كل تهمتهم المشاركة في تشييع جنازة، وعندما عاد «الوفد» في منتصف الثمانينات، كان زعيمه فؤاد سراج الدين كلما حل بمحافظة مصرية خرج سكانها لاستقباله!
وقد استمتعت لمن يقول إن مسلسل «الاختيار» في رمضان الماضي نجح، فما هو دليل نجاحه، وكم قناة فضائية في الخارج حرصت على شرائه وعرضه. وقرأت لآخر أن مسلسل «الجماعة» نجح كذلك في التأثير في الناس ليكونوا ضد الإخوان لولا الثورة!
في حين أن نجاح ثورة شارك فيها الإخوان، يؤكد أن هذا التأثير السلبي لم يحدث، وفوز حزب الإخوان الوليد بالأغلبية البرلمانية، وبالرئاسة يؤكد على نفس المعنى!
ولا توجد وحدة قياس لمعرفة تأثير الدراما في وجدان الناس وحدود هذا التأثير، وهو ما قاله فريق من غير المؤيدين للسيسي، وكل واحد له في مدح النبي غرام. وإذا كان هناك تأثير هائل، فأيهما أقوى تأثيراً، صورة ممثلة تقوم بدور «أسماء البلتاجي» أم صورة أسماء نفسها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن قتلتها قوات السيسي؟ بدلاً من أن تنشغل بمهمتها في حفظ التراب الوطني!
وأيهما أكثر تأثيراً مسلسلاً موجهاً يتحدث عن خصالها، أم أن تظهر والدتها على الشاشة للتحدث عن أسماء؟!
وأي المشهدين أكثر تأثيراً، مشهد والدها الدكتور محمد البلتاجي والدموع تملأ عينيه في يوم الهول وهو يعلن خبر استشهادها فانفطرت القلوب لهول ما جرى، أم استدعاء ممثل مهما كانت مهاراته في التقمص للقيام بهذا الدور؟!
إن مسلسل «ال اختيار2» لن يكون أكثر من تبديد أموال بلا مردود، وكأنه المال الحرام، الذي ورد في الأثر، إنه يذهب من حيث أتى!
خففوا من درجة الهلع يرحمكم الله.

صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فائق الناطور:

    مشكلة فشل ثورة حقيقية في مصر،بسبب ضعف شخصية الرئيس الراحل محمد مرسي.الذي تاه في كرسي الرئاسة ولم يستطع ان يمثل على شعب يعشق التمثيل والممثلين.

  2. يقول عزالدين:

    اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه….. صدقت وكفيت ووفيت… كل التقدير والاحترام استاذي المحترم سليم…. تحياتي لك من بلجيكا

  3. يقول مغربي:

    أحسنت…..تحياتي…….والموت للخونة من عسكر السيسي….وبيادقه التى تحمل صفة كاتب او فنان…في جوقة اليساريين والقومجيين……اما الانتماء الى العروبة فعليه نربي أبناءنا…..

  4. يقول O oraby:

    كلام عاقل و قلم ذو بصيرة

  5. يقول عبدالرحمن عبدالحليم:

    من كان على مقربه من الاخوان كان يعلم انهم سائرون في طريق الفشل لعده اسباب ليس المجال الان لسردها
    الوحيدون الذين لم يدركوا ذلك هم الاخوان أنفسهم خاصه القيادات
    والان وهم بين السجون والمنفى نرى الخطاب الإخواني المعارض اشبه بحلقات الردح منها إلى المعارضه النقديه الموضوعيه بينما النظام يثبت أقدامه بتنفيذ مشاريع عملاقه على ارض الواقع
    والتي الكثير منها مفيده للدوله لهذا لم يعد الشعب يستمع للمعارضه الرداحه ولبس لانه يحب التمثيل عليه كما يرى البعض

  6. يقول Lamiaa mostafa:

    جميل..احسنت القول .ما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها

  7. يقول الكروي داود النرويج:

    لا حول ولا قوة الا بالله

  8. يقول ensaidr:

    يا اخ يا مغربى
    مبروك عليكم التطبيع مع الكيان الصهيونى مع تحياتى لانتماىْك العروبى . يحيا النفاق !!!

    1. يقول إدريس فرنسا:

      يا اخ!
      المغربي الذي تتحدث اليه أقرب إلى القضية الفلسطينية منك. و رغم التطبيع، فالمغاربة قاطبة لهم عروق تجري القدس فبها مجرى الروح. و لقد بدلوا، و سيبدلون، الغالي و النفيس من أجل القضية الفلسطينية التي تعادل قضية الصحراء المغربية بالنسبة لكل مغربي.
      ها أنت لم تطبع، لكن ما الذي قدمته الفلسطينيين غير الكلام المعسول؟
      هذا من جهة، وَ من جهة أخرى، فموضوع الاستاذ عزوز متعلق بمصر و تعليقك لا محل له من الإعراب هنا!
      مع جزيل الشكر

إشترك في قائمتنا البريدية