«سلسال الدم» والعنف من المكونات الأساسية والطبيعية في البنيان الاجتماعي والسياسي السعودي المحافظ؛ منذ نشأة الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر وحتى وقتنا هذا، وكانت سوابقه دامية بين المتصارعين والمتكالبين على المال والمغانم والأرض والمياه والسلطة والحكم، واستمر محكوما بسقف تطلعات وأطماع العشائر والقبائل المتناحرة والمتنافسة؛ في معارك وحروب لا تتوقف للاستحواذ على الأرض والماء والمرعى وأضيف إليها النفط والطاقة في القرن الماضي، وتُغِير كل منها على الأخرى لهذه الأسباب.
ولم يكن جمال خاشقجي أول معارض سعودي يواجه هذا المصير، مع إن علاقاته وخدماته للمملكة لم تكن في حاجة للخشونة ولا لذلك الانتقام الدموي؛ ولم يشفع له دوره الداعم لـ«المجاهدين» الأفغان؛ الذين اعتمدوا بشكل مطلق على دعم ثلاث دول أساسية، هي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية (الساداتية)؛ تولت الرياض التجنيد والتسليح والتمويل والرعاية والإعاشة والتعبئة والحشد والنقل، وشاركت مصر بقوة ضاربة من شباب جماعات «إسلامية» مستجدة؛ محتضنة من السادات ويرعاها ويتابعها رجاله وحاشيته؛ كالمقاول عثمان أحمد عثمان؛ مؤسس «المقاولون العرب»، ومحمد عثمان إسماعيل المحامي ورجل السادات في الصعيد، أحمد عبد الآخر، ويوسف مكادي من أعيان سوهاج والمنيا وغيرهم ممن تولوا مسؤولية تصفية الثورة، و«شيطنة» رموزها، وتخريب منجزاتها، وإعداد شباب «الإسلاميين» للتصدي بـ«العنف المسلح»؛ بالسلاسل الحديدية (الجنازير).. والخناجر.. والأسلحة البيضاء؛ للتصدي لطلاب وشباب الجامعات الوطنيين والقوميين.
واندفع ذلك الشباب في طريق «العنف» بعد أن وضعت حرب 1973 أوزارها، ومع خُذلان السياسة لبسالة الجنود وإنجازات السلاح، وتضحيات الشهداء، أما الموقف الرسمي المصري فقد تولى أداء مهمة تغيير موازين القوى؛ بالتحريض على استنزاف القوات السوفييتية في أفغانستان دون اقتراب من الحلول السياسية، وكان ذلك هو مخطط الولايات المتحدة، حيث تولت القيادة والإشراف والتوجيه والتخطيط الاستراتيجي والتجهيز والتدريب على فنون القتال في الجبال الأفغانية والمناطق الوعرة؛ بفريق خبراء وعسكريين وزارة الدفاع «البنتاغون» والمخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه». وكان خاشقجي على تماس بهذه الدوائر في ذلك الوقت.
وحسب ما جاء في مقال الصحافي «ديفيد إغنايشس» من واشنطن، والمنشور يوم الاثنين الماضي وصف فيه خاشقجي: بـ«شاب نشيط في أفغانستان أرسلته السعودية لدعم المجاهدين.. أشياء في قصة حياة خاشقجي لا يعرفها أحد».. وبدأ طريقه الطويل من أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي، «عندما كان صحافياً شاباً شغوفاً، ويدعم المؤسسة الحاكمة السعودية، وأوصله (ذلك الطريق) إلى أبواب قنصلية بلاده في إسطنبول، وإلى الأهوال الكامنة خلف هذه الأبواب؛ لكنه لم يستطع مقاومة انتقاد العائلة المالكة عندما اعتقد أنها مخطئة».
ولن يتوقف «مسلسل الدم» والقتل غير المبرر ما دامت هذه طبيعة الحكم السعودي وقناعة أولي أمره ومسؤوليه!
قاد ذلك خاشقجي إلى منطقة محفوفة بالمخاطر، وهو الذي كان ودوداً مع أسامة بن لادن في شبابه، وحظي برعاية الأمير تركي الفيصل؛ مدير المخابرات السعودية الأسبق، الذي سانده في عمله المهنيّ، في نفس الوقت الذي تردد فيه خاشقجي كثيرا على قطر خلال العقد الماضي، مع استفحال الخصومة بين الرياض والدوحة. «لكن كتاباته المنشورة ورسائله الخاصة تظهر أنه كان سعودياً حتى النخاع في قلبه وعقله».
لم يكن خاشقجي أول معارض للحكم السعودي، والمعارضة الحقيقية بدأت بالراحل ناصر السعيد مبكرا، منذ بدء عمله في شركة «أرامكو»، وفيها خاض سلسلة إضرابات ضد ظروف العمل الشاقة، وسجل له التاريخ أنه أول معارض للحكم السعودي بعد نشأته عام 1932. وهو ينحدر من مدينة «حائل» في شمال وسط شبه الجزيرة العربية، وتعد مركزا للحركة التجارية، وملتقى خطوط النقل والمواصلات، ووُلِد عام 1923، وانتقل إلى الظهران في عام 1947، وبرز وسط العاملين السعوديين في «أرامكو»، وشاركهم ظروفهم المعيشية الصعبة، وتمكن مع زملاء له من تنظيم سلسلة احتجاجات وإضرابات؛ طالبت بتحسين الظروف المعيشة والسكنية والصحية، واستجابت الشركة لمطالبهم.
ويعتبر الراحل ناصر السعيد أهم معارض في تاريخ الحكم السعودي، وعزز ذلك الاعتقاد قيادته لانتفاضة 1953 الشعبية، التي طالبت بالوقوف مع القضية الفلسطينية، فقبض عليه وأودع «سجن العبيد» في «الإحساء»، وفي كلمته التي ألقاها في حفل الترحيب بالملك سعود بعد تنصيبه ملكا جديدا خلفا لوالده الراحل الملك عبد العزيز في مدينة «حائل»؛ في ذلك الخطاب طالب بدستور للبلاد، وتنظيم وإصلاح موارد المملكة المالية، وإلغاء الرق وإقرار الحقوق السياسية وإطلاق حرية التعبير والرأي للمواطنين.
وحين تسرب إليه أمر القبض عليه وتقديمه للمحاكمة تمهيدا لإعدامه ذهب إلى مصر عام 1956، وهناك اتسعت علاقاته، وزاد تأثيره، واشرف على برامج إذاعية موجهة إلى الجزيرة العربية من إذاعة «صوت العرب»، وفي 1963 انتقل إلى «عدن»، وانشأ فيها مكتب للمعارضة، واشترك مع ضابط سعودي منشق في تأسيس تنظيم «اتحاد شعب الجزيرة» في منتصف ستينيات القرن الماضي. وبعد رحيل عبد الناصر وبداية التراجع عن خط الثورة رحل إلى دمشق وأقام بها، ثم ذهب للعيش في بيروت حتى اختطافه في كانون الأول/ديسمبر 1979.
واختطاف المعارض الراحل ناصر السعيد تم عن طريق عملاء سعوديين في بيروت عام 1979، ونشرت بعض المصادر أن بينهم صحافيا فرنسيا، وأحد قياديي «منظمة التحرير الفلسطينية»، وذلك بترتيب من السفير السعودي في لبنان الجنرال علي الشاعر، وتم استدراجه، تحت إلحاح الصحافي الفرنسي لمقابلته في مقر صحيفة وطنية لبنانية، وذهب السعيد في الموعد ولم يحضر الصحافي الفرنسي، وخرج من الصحيفة ليجد زبانية الجنرال علي الشاعر في انتظاره، وهكذا وقع في الفخ.
وبعد أكثر من 30 عامًا على مرور الحادثة، كشف حارس بريطاني؛ عمل لحساب أمراء آل سعود اسمه «مارك يونغ» في كتاب له عنوانه: «مارك يونغ ـ حارس سعودي» (saudi bodyguard ـ mark young) كشف عن أن المُعارض الراحل ناصر السعيد «لم يتم التخلص منه في السعودية عام 1979 كما قيل سابقاً، بل تمّ التخلص منه في لبنان بعد اختطافه بأمر من الأمير (الملك فيما بعد) فهد، ورُمِي جثمانه من طائرة على السواحل اللبنانية»؛ وأكد «يونغ» أن مصدر معلوماته هو الملك فهد شخصياً، التي أسَرّها إلى شخص مقرب منه جداً آنذاك، وما زال ذلك الشخص يرتبط مع «يونغ» بعلاقة وثيقة حتى الآن،
ومما قال: «لا تزال زوجة المعارض الشهير «أم جهاد» تنتظره بعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً، وحمّلت الحكومة السعودية مراراً المسؤولية الكاملة عن اختطاف زوجها». ويُعتبر ناصر السعيد هو المعارض الأكبر، الذي عرفته السعودية منذ نشأتها، وكان قد أصدر كتابا ضخما بعنوان «تاريخ آل سعود» عرض فيه لأصل هذه العائلة السعودية وتعاونها مع بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية، وفضح فيه تفاصيل الممارسات الدموية ضد أبناء الجزيرة العربية!!.
وها هو جمال خاشقجي يلحق بالمعارض الراحل ناصر السعيد.. ولن يتوقف «سلسال الدم» والقتل غير المبرر ما دامت هذه طبيعة الحكم السعودي وقناعة أولي أمره ومسؤوليه!!
كاتب من مصر
عائلة مجرمة فاسدة متخلفة تتستر بالدِّين الاسلامي وهي ابعد ماتكون عن الدين والإسلام
ما يحدث في مصر على يد العسكر الانقلابيين أبشع! تكلموا عنه!
يبدو ان رسائل مقتل الصحفي الخاشقجي تحيلنا الى ثلاث حالات بالغة في الاهمية :
* اننا نحن العرب ليس في اذهاننا ابدا مبادئ حرية التعبير بل نحن بارعون جدا ومميزون في مهارات تكميم الافواه .
* ان الحكام والملوك العرب الأفاضل وذوي السمو يخافون على كراسيهم
وفخامتهم اكثر مما يخافون على شعوبهم .
* ان امريكا في عهد ترامب تسوق الحكام والملوك العرب مثل القطيع وتوقع صلاحيات حكمهم بالدولار وآلتذهب الحريات العربية والاعلام والصحافة والشعوب العربية الى الجحيم …//
عبد العزيز حمدان
ورغم اموال قارون التي مكنتهم منها بريطانيا، فصاروا اسياد السمائ وما فوق الارض وما تحتها، الا ان كل ذالك لم يكفيهم، فتامروا علئ بلاد الاسلام والمسلمين من خط جكارطا الساحل الافريقي، للمزيد من الثروات والمغانهم.
حتئ القضية الفلسطينية واولئ القبلتين لم تعد لها قيمة في حساباتهم، فقايضوها والشعب الفلسطيني، لاجل عيون الصهيونية.
فالتاريخ الاسلامي لم يشهد ظاهرة كهذه الظاهرة التي نحن نعيشها، ولا نستطيع تغييرها.
أفضل مقال قرأته! ففيه الكثير من المعلومات التي كنت أجهلها كدور مصر في حرب أفغانستان وناصر السعيد ولا حول ولا قوة الا بالله