“مسيرة الأعلام”… تهويد للقدس بالأمر الواقع وانعكاس لتجاذبات إسرائيلية داخلية ورهان على “ارتداع حماس”

وديع عواودة
حجم الخط
2

الناصرة ـ “القدس العربي”: يواصل بعض الأوساط الإسرائيلية التحذير مما يصفه “اللعب بالنار”، مؤكدا أن مسيرة الأعلام داخل الشطر الشرقي من القدس استفزاز حقير ويهدد حياة البشر، لكن هذه تبقى صوتا في البرية مقابل شبه إجماع إسرائيلي على تسييرها رغم أنها دفعت في العام المنصرم إلى إشعال حرب “سيف القدس” أو “حارس الأسوار”. يشار إلى أن أساس هذه المسيرة التي تعني وضع أصبع بعيون الفلسطينيين هو احتفال إسرائيلي بذكرى سقوط الشطر الشرقي من القدس بيد الاحتلال، وقد انطلقت فكرتها من الحاخام كوك حاخام المعهد الديني “مركازهراف” وأتباعه بعد استكمال احتلال القدس عام 1967، وكانت المشاركة فيها تقتصر على أتباعه الذين يصلون إلى حائط البراق عبر باب الخليل في مسيرة مسائية. ومع مرور الأعوام اتسعت رقعة المشاركين فيها وشملت محتفلين من خارج مدينة القدس المحتلة فيما يعرف بـ “يوم توحيد شطري القدس” لكنها بقيت تعتمد بشكل أساسي على جمهور ما يعرف بـ”المتدينين الوطنيين” أو أتباع الصهيونية الدينية.
وتمول وتنظم هذه المسيرة الاستفزازية من جمعيات متشددة إلى جانب وزارة التربية والتعليم وبلدية القدس.
وبعد سنوات على إطلاقها بات المشاركون فيها يصلون إلى حائط البراق عبر أبواب البلدة القديمة، وهذا أثار توترا كبيرا مع المقدسيين، لكن خلال الأعوام الأخيرة اعتمدت شرطة الاحتلال والمنظمون باب الخليل لدخول النساء وباب العمود للرجال على أن يتوقف المشاركون في ساحة باب العمود ويؤدون رقصات وهم يحملون أعلام إسرائيل. وبات الآلاف يشاركون في هذه المسيرة في مشاهد استفزت الفلسطينيين ووصلت في أحيان كثيرة لاعتداء مجموعات متشددة على أبناء القدس وتجارها الذين يجبرون على إغلاق محالهم. وفي العام الماضي نفذت الفصائل الفلسطينية في غزة تهديداتها وأطلقت رشقة من الصواريخ باتجاه القدس تزامنا مع انطلاق مسيرة الأعلام وانطلقت بعد ذلك الحرب الإسرائيلية على القطاع.
تهدد الإسرائيليين والفلسطينيين
وربما على خلفية ذلك يعرب بعض النواب المشاركين في الائتلاف الحاكم عن رفضهم لـ “مسيرة الأعلام” المخطط لها يوم الأحد في محيط البلدة القديمة من القدس المحتلة، وقالت رئيسة حزب “ميرتس” وزيرة البيئة تمار زاندبيرغ في حديث لإذاعة جيش الاحتلال صباح الخميس، إن مسيرة الأعلام تهدد حياة إسرائيليين وفلسطينيين.
وتابعت “هذا ما تقوله الوقائع على الأرض وكافتنا ضحايا لهذه المسيرة”. وتبعها زميلها في الحزب يائير غولان نائب وزيرة الاقتصاد الذي قال لراديو تل أبيب إن “مسيرة الأعلام تحولت منذ زمن بعيد إلى مظاهرة قومجية تعلو فيها هتافات “الموت للعرب” وتشهد اعتداءات على ممتلكات، ولذا فهي عمل لا حاجة له وغير صحيح”.
كما قال عضو “ميرتس” النائب موسي راز إنه مستعد للمشاركة في مسيرة الأعلام بحال اقتصر مسارها على الشطر الغربي من القدس وليس في مسارها المخطط له.
واعتبر راز في تصريحات إعلامية أن مسيرة الأعلام تعني القيام بالاستفزاز. وتابع “لو طالبوا بمسيرة أعلام فلسطين في حي “مائة شعاريم” لكنت أيضا قد عارضتها”.
ولا تخلو حسابات حكومة الاحتلال من اعتبارات وحسابات سياسية، فهي بالمصادقة على مسيرة الاستفزاز هذه ترد على مزاودات واتهامات بالضعف تتعرض لها من قبل المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو.
في المقابل تحظى مسيرة الأعلام هذه بدعم أوساط إسرائيلية سياسية وأمنية واسعة، وتعتبر التراجع عنها تعبيرا عن ضعف وتردد وتراجع.
وعّبر عن موقف الائتلاف الحاكم نائب وزير الأمن ألون شوستر (هناك مستقبل)، مبررا تأييد مسيرة الاستفزاز اليمينية بالقول لإذاعة جيش الاحتلال إن الحديث يدور عن ” تقاليد سنوية عبارة عن احتفالات يشهدها “يوم القدس” كل عام، وهذا ما سنفعله يوم الأحد القريب”. وتابع “سنفعل ذلك في أمن وأمان ودون التحرّش بأحد ونحمي كافة المشاركين في مسيرة الأعلام من كل استفزاز من طرف من يوجد في منطقة البلدة القديمة وفي القدس كلها. وهنا أرغب بانتزاع رغبة كل من يبتغي المساس بنا فلا تهددونا لأننا سنحتفل بهدوء وتواضع وأمن”.
إجراءات استباقية

على خلفية التوتر المتصاعد نتيجة هذه المسيرة الاستفزازية تصعد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مداهمات واعتقالات لفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، وترفع شرطة الاحتلال جاهزيتها للدرجة القصوى.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن الجيش الإسرائيلي “لا يجازف ويستعد لاحتمال خروج الأحداث في القدس عن السيطرة”، وهو في حالة تأهب مرتفعة تزامنا مع مناورات عسكرية واسعة يقوم بها بما في ذلك في محيط بلدات عربية في وادي عارة داخل أراضي 48.
وأوضحت الإذاعة العبرية العامة أن أجهزة أمن الاحتلال لم تتلق إنذارات حول إمكانية وقوع عمليات تستهدف مسيرة المستوطنين، إلا أن هذه شنت حملة اعتقالات تصفها بـ”الاحترازية” شملت اعتقال نحو 100 شخص تدعي أنهم قد يقودون المواجهات مع الاحتلال أو يشاركون فيها.
وتنتشر قوات واسعة تابعة للقيادة الوسطى في جيش الاحتلال (25 كتيبة عسكرية) في “منطقة التماس” على طول الخط الأخضر لمنع عبور الفلسطينيين إلى مناطق الـ48 عبر “الفتحات”، وذلك تحسبا من عمليات ضد أهداف إسرائيلية قد تتزامن مع “مسيرة الأعلام”. ونوهت الإذاعة العبرية أن شرطة الاحتلال ستسمح بمرور ما يقدر بعشرة آلاف مستوطن من باب العمود ونحو عشرة آلاف آخرين من باب الخليل؛ في حين ستعقد قيادتها جلسة لتقييم الأوضاع تتخذ خلالها قرارا بشأن طلب عضو الكنيست العنصري المتطرف، إيتمار بن غفير، اقتحام الأقصى.

التعويل على “ارتداع” حماس
وحسب القناة العبرية 12 توصي أجهزة الأمن الإسرائيلية بعدم تغيير مسار “مسيرة الأعلام” الاستفزازية، معتبرة أن إقدام الحكومة الإسرائيلية على تغيير المسار في اللحظة الأخيرة سيُفسر على أنه “ضعف” إسرائيلي.
يشار أن وزير الأمن الداخلي عومر بارليف (العمل) قرر السماح لـ”مسيرة الأعلام” بالمرور من باب العمود ومنه إلى طريق الواد مرورا بالحي الإسلامي داخل أسوار البلدة القديمة وصولا إلى حائط البراق، فيما رفع الاحتلال الإسرائيلي من حالة التأهب في صفوف قواته وعززها في مدينة القدس المحتلة والمدن الفلسطينية التاريخية في مناطق الـ48 ونشر المزيد من بطاريات “القبة الحديدية” تحسبا لإطلاق صواريخ من غزة.
وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم” إن الجيش والشرطة والشاباك قدموا توصياتهم إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بالإبقاء على المسار المقترح لـ”مسيرة الأعلام”، وذلك خلال مداولات أمنية شددت بينيت خلالها على ضرورة العمل وفقا لتوصيات الأجهزة الأمنية بهدف “الحفاظ على السيادة” في مدينة القدس”. وقالت إن كافة أجهزة الأمن الإسرائيلية ترى بأهمية الإبقاء على المسيرة بمسارها المقترح ومرورها من باب العمود، واعتبرت أن ذلك يأتي ضمن المساعي الإسرائيلية لفرض “أمر واقع” في القدس يسمح بإقامة “مسيرة الأعلام” سنويا في المدينة المحتلة.
محمد ضيف
من جانبها، نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤولين في الأجهزة الأمنية، قولهم إن “حركة حماس مرتدعة، وغير معنية بتصعيد واسع النطاق، وتحاول الحفاظ على سيطرتها على احتمالات التصعيد لعدم نقله إلى القطاع”.
وفي التزامن نشرت “هآرتس” رسما كاريكاتيريا يسخر من مزاعم وحدة شطري القدس تحت السيادة الإسرائيلية، يبدو فيه اليهود والفلسطينيون في حالة شجار عنيف على خلفية أسوار القدس، حيث علقت لافتة تقول “القدس موحدة”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في جيش الاحتلال قولهم إن الأولويات في غزة تتمحور حول “الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة والسماح للمزيد من العمال الغزيين بالعمل في إسرائيل”. لكن صحيفة “يديعوت أحرونوت” اعتبرت أن قرار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يبقى بيد القائد محمد ضيف، قائد كتائب “عز الدين القسام” الجناح العسكري لحماس، وليس لدى رئيس الحركة في قطاع غزة، يحيى السنوار.
من جانبها أعلنت شرطة الاحتلال في بيانها أنها رفعت حالة التأهب في صفوف قواتها في البلاد خاصة في القدس والمدن الساحلية داخل أراضي 48 إلى الدرجة القصوى، وألغت الإجازات، موضحة أنها ستنشر أكثر من ثلاثة آلاف شرطي في القدس المحتلة، وسط توقعات بنشر المئات من عناصر الشرطة في المدن التاريخية، مع التركيز على عكا واللد.
وفيما أفادت التقارير الإسرائيلية بأن أجهزة أمن الاحتلال لم تتلق إنذارات حول إمكانية وقوع عمليات تستهدف مسيرة المستوطنين، إلا أن قوات الاحتلال شنت حملة اعتقالات تصفها بـ”الاحترازية” شملت اعتقال نحو 100 شخص فلسطيني من طرفي الخط الأخضر تدعي أنهم قد يقودون المواجهات مع الاحتلال أو يشاركون فيها.
وحسب بيانها وافق المفوض العام لشرطة الاحتلال كوبي شبتاي على اقتناء وسائل وتدابير خاصة لتفريق أعمال الشغب والتصدي للتهديدات التي تم عرضها خلال جلسة تقييم الأوضاع أمس. وحسب بيان شرطة الاحتلال أيضا أوضح شبتاي أن “هذا هو “يوم عيد” وأن الشرطة سوف تفعل كل ما بوسعها لضمان سريان موكب مسيرة الأعلام وغيرها من المناسبات، مع توفير الأمن الكامل للمحتفلين والمشاركين في المسيرة”.

تحذيرات أمريكية
من جهتها نشرت السفارة الأمريكية في القدس المحتلة تحذيرا لرعاياها في المدينة، وحظرت على الموظفين الأمريكيين وعائلاتهم زيارة البلدة القديمة يوم الأحد الوشيك، بسبب “مسيرة الأعلام”، كما حظرت عليهم الدخول إلى البلدة القديمة بعد مساء يوم الإثنين المقبل، وكذلك في أيام الجمعة.
وهناك من يرى أن هذا الاهتمام الإسرائيلي المهووس في رفع أعلام الاحتلال والانزعاج الكبير من رفع الأعلام الفلسطينية خلال العام الأخير، يعكس عدة معان، أعمقها خوف الإسرائيليين الدفين وفقدانهم الثقة بالنفس، علاوة على اختلاط الحابل القومي بالنابل الحزبي والشخصي في نطاق الصراع المرير على السلطة بين معسكرين متعادلين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    القدس لم أكن يوما لليهود و الأقصى سيقصيهم من الوجود والله يحرر فلسطين ويكسر شوكة المحتل اللعين كسرا لا جبر بعده أبدا

    1. يقول ميساء:

      القدس والاقصى المبارك عاصمة دولة فلسطين الأبدية والله ينصر فلسطين و يهزم إسرائيل شر هزيمة يارب العالمين عن قريب جدا جدا جدا

إشترك في قائمتنا البريدية