مسيرة التآخي التي قادها الرئيس الموريتاني تشعل حرباً كلامية ساخنة

حجم الخط
0

نواكشوط – «القدس العربي»: أشعلت مسيرة التآخي والمواطنة التي قادها الرئيس الموريتاني، الأربعاء الماضي، أمس، حرباً كلامية ساخنة بين الحكومة ومعارضيها، حيث اعتبرتها المعارضة «مسيرة فاشلة بكافة المقاييس»، بينما أكد الناطق الرسمي الحكومي «أن الكراهية لصيقة بالمعارضة وأن خطاب الكراهية صادر من قيادات في الصف المعارض».
وفي هذا الإطار، هاجم بيان مشترك بين حزب تكتل القوى الديموقراطية وحزب التناوب الديمقراطي المعارضين مسيرة الرئيس، مؤكدين أنها «فشلت فشلاً ذريعًا رغم ما أحيط به من ضجة إعلامية وهالة سياسية، وما واكبها من استخدام سافر لموارد الدولة البشرية منها والمادية، وبرغم إلزام الموظفين العموميين ووكلاء الدولة لحضورها تحت طائلة العقوبات التأديبية، وبرغم استنفار أفراد الجيش وقوات الأمن للمشاركة فيها وهم في زيّ مدني، وحمل أرباب العمل على إحضار عمالهم، وتسخير وسائل الدولة المالية لهذا النشاط الحزبي الطائفي، ورغم دعوة النظام للأحزاب السياسية الموالية له ولمنظمات المجتمع المدني ولكل من يدور في فلكه، أو هو مضطر لخطب ودّه من وجهاء وأئمة ومشايخ، وكل من يشتري منه الأمان الضريبي والإداري بإظهار الولاء له، رغم كل هذا فشلت مسيرة النظام فشلاً ذريعاً».
«فعلى الصعيد التنظيمي، يضيف البيان، تهاوت المنصة المعدة لتقديم الخطاب المتوج للمسيرة، ما يؤكد مدى الارتجالية وسوء التنظيم وعدم الجدية حتى في المسائل الجزئية، واقتصر الحضور من حيث الأساس على موظفي الدولة ووكلائها وبعض من أفراد الجيش وقوات الأمن وعمال المؤسسات الخصوصية ممن أجبرهم أرباب عملهم على الحضور، حتى لا يمنعوا (أي أرباب العمل) من الولوج إلى الصفقات العمومية، أو لا يتعرضوا لتصحيح ضريبي ظالم، كما هو دأب النظام وديدنه في التعامل معهم».
وأضاف الحزبان المعارضان: «جاء الخطاب مقتضباً هزيلاً ومرتبكاً، وفاقداً للعلاقة مع الغرض الذي أعطي تكلفاً للمسيرة، حيث اكتفى محمد ولد عبد العزيز، بعد الثناء على نفسه وتمجيدها وحمدها، بحث الطبقات المهمشة على التعليم، و”بشّر” بمستقبل واعد للبلاد، وأنذر باتخاذ إجراءات صارمة ضد من سماهم المجرمين السياسيين ودعاة الفتنة».
«فهل نسي ولد عبد العزيز، يضيف البيان، فشل نظامه التعليمي، حيث لا تبلغ نسبة الناجحين في الباكالوريا 12% في أحسن الأحوال؟ وهل نسي أن المتبقي من مباني المدارس العمومية مما لم يتم الاستيلاء عليه من طرفه هو وبطانته، متهالك ومهجور إلا من طرف أبناء الفقراء والشرائح المهمشة، الذين لا يجدون حيلة أو بداً عنها؟ هل يتذكر أن المعلم والأستاذ لم يلقيا منه عناية تذكر، مادية كانت أو معنوية، تكون حافزاً لهما وتشجيعاً للقيام بمهمتهما النبيلة؟».
وزاد البيان: «بجرأة تحدث ولد عبد العزيز أمام الناس عن التعليم وأهميته دون أن يتذكر حالة آلاف الشباب من حملة الشهادات العاطلين عن العمل، الذين ألجأت البطالة الكثير منهم إلى الهجرة، أو مزاولة مهن متواضعة محدودة الدخل، لا صلة لها بما تلقوه من تكوين، أما البشارة بالمستقبل الواعد، فلعلها مجرد أمنية من ولد عبد العزيز بالبقاء في السلطة، طبقاً لما ينظم له تجمعات ومسيرات ومبادرات هزلية كمسيرة اليوم، وهنا نذكره بالمثل الشعبي القائل ”شي ما أنجبر في أول الكصعه ما ينجبر فاعكابه” (ما لم يوجد في البداية فلن يوجد في النهاية)».
«أما توعده لمن ينالون في خطابهم من اللحمة الوطنية ووحدة البلاد، فالأجدر به أن يبدأ بنفسه وأقرب المقربين إليه، فهو لم يتوان في السخرية من تكاثر شريحة الحراطين (أرقاء سابقون) الذي اعتبره مردّ ما يعانونه من غبن وتهميش ظالم، مستبدلاً اليوم ذلك السبب وتلك العلة بضعف التمدرس لديهم، وقد حذا رئيس الجمعية الوطنية حذوه فتطاول علناً على مشايخ البلاد وأجلائها حتى من قضوا نحبهم منهم وتحامل علناً على أهالينا في المناطق الشرقية عموماً ودون تردد، ومنّ عليهم أن من بينهم موظفين وضباطاً سامين آخذاً عليهم أن البعض منهم تردد في المطالبة بمأمورية ثالثة، وتحت يافطة المقاومة وتمجيدها، لا يتردد أنصار النظام ومقربيه في الهجوم الضمني أو الصريح على جهات وشرائح كبيرة من الشعب الموريتاني، ونعتها، عبر وسائل الإعلام الرسمية، بالتمالؤ مع المستعمر».
«وتأسيساً على ما سبق، يضيف البيان، فإننا في تكتل القوى الديمقراطية والتناوب الديمقراطي ندين بشدة توظيف موارد الدولة وسلطانها لأغراض فضولية غامضة، لا تخدم إلا نزوات شخصية ومآرب لم يفصح عنها، كما نرفض هذا الأسلوب المبطن من إثارة الفتنة والشحناء تحت قناع مكافحة الكراهية».
«إننا نذكر النظام، يضيف الحزبان، بأن الوحدة الوطنية والانسجام بين كافة مكونات الشعب وشرائحه، لن يكون إلا بانتهاج العدل عملاً ومبتغى، وبناء نظام تعليم جاد ونظام صحة فعال، وتأسيس إدارة وقضاء يعملان بالعدل والحياد، وجيش وهيئات أمن جمهورية حقاً تساوي بين أفرادها في الحظوظ والامتيازات حسب معايير موضوعية، إضافة إلى مساواة الفاعلين الاقتصاديين في الولوج إلى الصفقات العمومية وتحميلهم الضرائب بموضوعية خارج الحسابات السياسية أو الشخصية وعدم حملهم على التوقف عن العمل ودفعهم قسراً على الهجرة طلباً للقمة العيش».
وفي رد على المعارضة ضمن هذا السجال، أكد سيدي محمد ولد محم، وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن «الاختلاف بين المعارضة والحكومة في أمور كثيرة، إلا أنه كان ينبغي ألا يختلفوا في قضية هذه المسيرة، لأنها جاءت استجابة لموقف تعبوي ضد الممارسات التمييزية أياً كان شكلها ومن أي جهة صدرت»ـ مشيراً إلى «أن الحكومة ترى أن هذه المسيرة من ثوابت الأمة التي لا يجوز الاختلاف عليها كاختلاف في التعليم والصحة وغير ذلك من الأمور».
وقال: «إن المعارضة تدعي تارة، بأن الهدف من المسيرة هو المطالبة بمأمورية ثالثة، وتارة أخرى بأن للمسيرة هدفاً لم يعلن عنه، وكان الأولى للمعارضة أن تتريث حتى يثبت العكس، وحينها ستصبح الحكومة في موقع الدفاع. والحقيقة، يضيف الوزير، تكمن في أن خطاب الكراهية منبثق من المعارضة نفسها، فهو لصيق بها ومن بعض قياداتها من صدر عنه هذا الخطاب بشكل واضح».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية