كل سنة يدخل المجتمع الكويتي، بنوابه البرلمانيين، الحوار ذاته حول «مشاعر المسلمين» تجاه المجاهرة بالإفطار، كل سنة لا نسمع عن عملية قبض على مفطر سوى من بين فئة الفقراء العاملين تحت ظروف صعبة، فالأغنياء يمكنهم أن يمارسوا حرياتهم خلف أسوار بيوتهم الفخمة التي لا تضطرهم ظروف الحياة لمغادرتها إلا باختيارهم، يمكنهم أن يأكلوا ويشربوا من خلف الزجاج الأسود لسياراتهم الباهظة، بل يمكنهم السفر للخارج والتمتع بحريات «الكفار» المكفولة. من يدفع ثمن «ورع» المجتمعات هم دوماً الفقراء، فالفقر معد، حين يصيب الإنسان، يصيبه في ماله وحياته وحرياته وكل اختياراته.
ولم أفهم في يوم حقيقة ما يضطرب له المسلمون من رؤية غيرهم ممن لا يمارسون الصيام، هل تتوجع مشاعر المسلم من رؤية غيره يتناول الطعام والشراب فيما هو يعاني الجوع والعطش، أي أن مصدر التوجع هو إغراء الآخرين إبان معاناة الصائم الجسدية، أم أن توجع المشاعر ناتج عن رؤية الآخرين، أي آخرين، مخالفين للتعاليم الإسلامية، أي أن الوجع مصدره الشعور بعدم التزام الآخر، أياً كانت ديانته، بالممارسة الدينية الإسلامية؟ وفي الحالتين، لماذا لا يتوجع المسلمون في الخارج حيث يلتزمون هم بصيامهم فيما يعيش الآخرون حياتهم بشكل طبيعي من حيث الأكل والشرب أمام الصائمين، وحيث يمارسون هم شعائرهم دون أن تخطر ببالهم أبداً ضرورة قسر الآخرين على هذه الشعائر أو دون أن يُبدوا أقل انزعاج من مخالفة الأغلبية حولهم للعبادات التي يمارسونها؟ لربما الضرر النفسي مصدره إدراك أن هناك مسلمين يختارون عدم استيفاء العبادات أوعدم تطبيق الأوامر الدينية؟ هل يعني ذلك أنك إذا كنت مسلماً تفقد مباشرة حريتك بوقوعك تحت الوصاية الكاملة للمجتمع، فلا خيار لك في الممارسة والتطبيق؟
يعيش المسلمون، لا يزالون، فكرة أن العقيدة دين ودولة، وعليه فإنهم يفترضون أن الدول المعنونة إسلامية لا بد أن ترضخ في منظومتها الحياتية اليومية لشكل ديني، وهو شكل يحدده طابع عام ولكن يختلف حوله الأفراد بدرجات قليلة أو كبيرة. على سبيل المثال، هناك شكل عام للملبس له قبول، أحياناً على مضض، من أغلبية كبيرة في المجتمع، إلا أن حتى هذه العمومية المتفق عليها، من وراء القلب، يختلف عليها في داخله، لينتقد الناس بعضهم بعضاً حول أشكاله وإن لم تخرج عن الطابع العام المقبول. تتأسس هذه المعضلة في حقيقة أن المقاييس الأخلاقية هي مقاييس خاصة جداً، فحتى في المجتمع المتدين المحافظ، تتسع المسافة في المقاييس الأخلاقية بين الأفراد باتساع فهمهم للدين وتفسيرهم لنصوصهم ودرجة التزامهم التي يرتضونها لأنفسهم.
الأكثر تعقيداً في المسألة أن الدولة المعنونة بأديانها، ومنها بعض الدول الأوروبية مثل أسبانيا التي لا تزال معنونة دولة مسيحية كاثوليكية، هي كلها دول في واقع الحال مدنية. لم يعد في زمننا هذا وجود لدول أو إمبراطوريات دينية، كل دول العالم تحكم بمؤسسات مدنية لم يكن لها وجود في المنظومة الدينية وتحتكم لمؤسسة عالمية مدنية، الأمم المتحدة، التي لا ترى في الدين تعريفاً للدولة السياسية وإن كانت تنظر له على أنه تعريف ثقافي اجتماعي بالتأكيد. وعليه، فإن القول بأن دولنا هي دول إسلامية هو قول مدحوض متناقض مع واقع الحال، فليس لدولنا قوالب قانونية أو سياسية إسلامية، ولو أصررنا على أنها كذلك لدخلنا في متاهة عميقة تبدأ من أنظمة الحكم التي لا علاقة لها بالمنظومة الدينية ولا تنتهي بأصغر قانون يأمر بغرامة أو حبس والتي هي قوانين لا وجود لها في العقيدة الإسلامية.
نحن، في عالمنا العربي، نعيش في دول مدنية، نعم دول منفصمة الشخصية أو مزدوجتها، حسب درجة التناقض التي تعيشها كل دولة، لكنها بالتأكيد تبقى دولاً لا دينية. لربما أحد أهم الأسباب التي تجعلنا نعيش في منظومات فصامية هي حقيقة أننا غير قادرين على التمييز والإقرار بالقوالب المدنية التي نعيش فيها، فنبقى ندعي أن دولنا دينية، كما وأننا غير قادرين أبداً على أن نعيش تحت غيرها، فأقل القليل من المسلمين المحافظين سيقبل أن يحيا في منظومة تقطع يد السارق أو ترجم الزاني التزاماً بالقوانين الشرعية. وعليه، يحتاج المسلمون إلى استيعاب درجة التناقض النفسي والفكري التي يؤسس لها الإصرار على فكرة الدولة الدينية، حيث لا يجب التماهي مع ادعاءات لا يمكن أن تتحقق، وحيث يستوجب تقدير قيمة مدنية الدول التي تضمهم، رغم نواقصها وتشوه الكثير من جوانبها، وتعزيز هذه المدنية بتوسعة دائرة الحريات لا بتضييقها. أن تصر على منع الآخر من الأكل والشرب، وهي أفعال إنسانية طبيعية، بداع من إيمانك الشخصي أو التزامك العقائدي، سيجر عليك سلسلة من «الإصرارات» التي لن تتحملها أنت بحد ذاتك. أن تدعم معاقبة شخص لا يصوم يفترض كذلك دعمك لمعاقبة شخص لا يصلي ولا يزكي ولم يحج بيت الله مع اقتداره، والقائمة لا تنتهي. هنا يجب تذكر أن مصير هذه الدائرة أن تطالك، وأن يلتف اعتقادك بإسلامية الدولة وضرورة فرض الممارسات العقائدية بالقوة على الآخرين على عنقك، فتجد أحدهم الأكثر منك التزاماً، ودائماً هناك من هو أكثر منك التزاماً، وقد نكش نقصك وتقصيرك وأشار بسبابته إلى إهمالك لتطالك العقوبة ولتذهب حرية ممارستك أدراج الرياج.
والسؤال هو، إذا كان للدولة، دينية كانت أو غير دينية، أن تفرض الممارسات العقائدية وأن تراقب استيفاءها، فأي ميزان سيكون للثواب والعقاب الإلهي للبشر؟ إذا صلى أحدهم خوفاً من الشرطة الدينية على سبيل المثال، هل تحسب له صلاة؟ كيف يؤمن المسلمون بالثواب والعقاب ثم يؤمنون بوجوب فرض ما يستجلب الثواب ويمنع العقاب؟ غريبة طريقة «لا عقلنتنا» للأمور.
وعدني أبي رحمه الله حين كان عمري 9 سنوات بإعطائي دينار واحداً إذا صمت شهر رمضان كاملاً!
في أحد أيام شهر رمضان توقفت عربة فول خارج المدرسة الإبتدائية, أكلت صحن فول ثم شربت من ماء السبيل,
تذكرت بعدها أنني كنت صائماً, وكنت خائفاً على خسارة الدينار, فلم أخبر أبي إلا بعد قبضي للدينار, ضحك أبى وقال لي:
لقد أطعمك الله وأسقاك!! وحين أصبح لي عيال كنت أشجعهم على الصيام بمختلف الجوائز القيمة التي يطلبوها ويحلموا بها!!!
ولا حول ولا قوة الا بالله
بكلام اخر لا تصوم عن ايمان بل طمعا بالدينار
ولو وعدك اخر بثلاثة دنانير ان لم تصوم طبعا سوف لن تصوم
المهم الربح المادي يا للاسف على تربية من هذا النوع
عودت بناتي على الحجاب وشجعتهم بشراء الذهب والفساتين منذ كن في الصف الثالث والرابع بالمدرسة الإتتدائية بالنرويج!
سألوني في المدرسة عن أن هذا فرض على الأطفال؟ فأجبت لا, بل تشجيع فقط كما الصيام, وقلت لهم:
إفحصوا حقائبهن وستجدون فيها طعام بالرغم من أنهن صائمات!! ولا حول ولا قوة الا بالله
غريب هذا الأمر! لأن الفتيات في الصف الثالث والرابع من المستوى الإبتدائي لا يتعلقون بالذهب في هذا العمر, بل يفضلون أشياء أخرى تناسب سنهن!! ثم ماذا يفعل من لا يملك الثروة للإغداق على بناته بالحلي من الذهب في سن جد مبكرة يا شيخ الكروي؟
وجب بداية رفع اللبس عن بعض التفاصيل المهمة, أولها أن لامبرر لمحاسبة أتباع ديانات أخرى أو الأجانب المقيمين في البلد او السياح بسبب الإفطار في ايام رمضان سواء سرا أو جهرا, ثانيهما المواطنين من المفترض أنهم سواسية امام القانون فلا يعقل أن يستفز العامة الأغنياء بإعلان انتهاك حرمة رمضان فلا يتابعون ثم يسلط سيف العدالة على رقاب الفقراء حصرا! من جهة أخرى قد تختلف التشريعات من بلد لآخر لاعتبارات تاريخية وثقافية ودينية, الزائر للبلدان الأوروبية يلحظ تباين التشريعات من بلد لآخر رغم اعتمادها جميعا لنظم حكم ديموقراطية عتيدة, فعلى سبيل المثال لا الحصر تعتبر تجارة المخدرات بكافة أنواعها أو استهلاكها ممنوع في بعضها لكنه في بلدان مجاورة يمنع فقط الإتجار في بعضها ولا يعاقب القانون حيازتها إن كان بكمية قليلة للإستهلاك الشخصي! كما تعتبر الذعارة مخالفة قانونية في بعض هذه البلدان فيما في بلدان محاذية هناك تقنين للعاملات في قطاع الجنس ويتمتعن بكافة الحقوق التي تتمتع بها العاملات في قطاعات مشروعة! كذلك ينطبق الامر على تعاملات مالية معينة مرخصة هناك وممنوعة هنالك…. قضية تجريم أو تقنين بعض المعاملات نسبية إلى حد مدى في تقدير كثير من القانونيين.
روح الإسلام بأول نظام حكم مدني بالعالم أنشأه محمد (ص) بالمدينة سماحة وسطية عدالة مكارم أخلاق وحفظ نفس وعرض ومال وأسرة ومجتمع وحروبه تطوعية دفاعية لحماية مدنيين وحرية تعبير وليست لاستعباد وقنص ثروات، والمرجع آيات قرآن نزلت عليه بأسباب وظروف نزول كل آية وتصرفه بموجبها إضافة لتصرفه بكل ظرف فاكتمل الدين قبل وفاته، أما قصص تاريخ بعد محمد (ص) ليست مرجع للدين بل اجتهاد بشري بحينه يحدد صوابه أو عدمه بنسبة تناغمه أو تناقضه مع روح الدين السمح الواسع لكل البشر النقي من بدع وأهواء وفتن والمكتمل غير المجتزأ.
مجاهرة شخص بكبائر المعاصي وهو يعلم لمجرد أنه يهوى ذلك هو إشراك لنفسه مع الله وخروج من الملة، قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله)، وتعتبر مجاهرته خروج مؤقت من الملة لحين اعترافه بالذنب وتوبته جدياً بلا رجعة له أو لغيره، أما غير المجاهر فيجب الإقتداء بمحمد (ص) بستره وتسهيل توبته لتجنب ترويج المنكرات بالمجتمع، ويجب حصر ملاحقة مجاهر بكبائر واستتابته بولي الأمر والنظام القائم والقضاء لتجنب فوضى ولتأثيرها على زواج وإرث.
كتبت مرة يا سيدة ابتهال في احدى مقالاتك بأنك تعتقدين بأنك قد تصبحين بعد الموت ذرة غبار في هذا الكون أو نقطة نفط فلهذا ومع فائق الاحترام لن تتمكني يوما من فهم مشاعر المسلمين لأن قلب المسلم المؤمن بسعة هذا الكون فالحمد لله على نعمة الإسلام.
صدقت يا دكتور
مشكلة الكاتبة أنها تنظر إلى الأمر من زاوية طبقية، وأخرى مادية بحتة، وثالثة رافضة لما تسميه دولة دينية. المقال خليط من تنظيرات لا علاقة لبعضها ببعض. الإفطار داخل البيت لا علاقة له بالثواب والعقاب. الغسلام لا يسأل عما قلوب الناس ولكن هناك فرق بين الزكاة و الحج و الصوم. احترام شعائر الناس والمجتمع لا علاقة له بدولة دينية أو مدنية أو طبقة عمالية أو أخرى مخملية. ثانيا نحن مجتمعات مسلمة ولسنا دولا إسلامية. والقيم المجتمعية نابعة من ديننا وأهمها احترام الآخر، وقيمه. فالتبجح لجعل شهر رمضان شهر استباحة لمحرم لا معنى له سوى تدمير ما بقي من احترام الشعائر.
تحية للدكتورة ابتهال وللجميع
الدين لاعب اساسي في حياة مجتمعاتنا ورجال الدين لا يمكن ان يقبلوا غير ذلك ويصبح حالهم كحال نظرائهم في اوربا و صورة الله في مجتمعاتنا هي صورة سلبية فهو يعذب مخالفي تعاليمه باقسى العقوبات فباستثناء جهنم التي سنصلي بنارها بعد الموت ففي حياتنا قد يمنع عنا الرزق ويصيبنا بالمرض ويحرمنا من الاطفال وغيرها واخرها كما يصف المؤمنون فايروس كرونا بانه جندي من جنود الله فبالتاكيد ستكون المشاعر زائفة والشعائر نفاق عند الاغلبية
الليبراليون العرب متناقضون في مسألة مهمة وهي مسألة الأقليات
فهم يطالبون الحكومات الإسلامية بإعطاء المزيد من الحقوق للأقليات (مسيحيين يهود ملحدين مثليين.. الخ) وكأنهم أوصياء عنهم في بلادنا
ولكن عندما يتعلق الأمر بالأقليات الإسلامية الموجودين في دول أوروبا وأمريكا تجد الليبراليين يطالبون الأقليات بالإندماج مع بقية المجتمع غير المسلم وبالكف عن المطالبة بالحقوق مع أن الأقليات الأخرى هناك تطالب بحقوقها باستمرار
وهذا تناقض واضح يردده الكثير منهم إما عن علم او تماشياً مع التيار.
في كل سنة يهلكنا العلمانيون والليبراليون ومن يسمون أنفسهم حقوقيون بسالفة الإفطار
المعروف أن أي إنسان يعيش في مجتمع عليه احترام عبادات وعادات المجتمع
إلا إذا تنازل المجتمع عن ذلك.
فغير المسلم لا يجب عليه الصيام وله أن يأكل ولا أحد يحاسبه ولا توجد نصوص قانونية تحاسبه على الإفطار ولكن عليه احترام الذوق العام وله ان يأكل في بيته أو أي مكان آخر، ألا يوجد مكان للأكل غير الشارع والأماكن العامة؟!