بيروت- «القدس العربي» : كان خياراً صائباً بأن التزم مقهى «بي هاف» في آخر شارع الحمرا، بانتظار إطلالة الأستاذة والممثلة علية الخالدي لتؤدي دورها في واحدة من المسرحيات الـ12 التي أعدها المخرج الفلسطيني عوض عوض. تلك المسرحيات التي حطت في مقاهي الشارع بدءاً من «الهورس شو» سابقاً، وصولاً إلى «بي هاف» في آخر الحمرا، اعتمدت الأسلوب التفاعلي والتعبيري مع ضيوف تلك المقاهي. لم تكن مسرحيات طويلة، بل تحدد زمنها بعشر دقائق، لكن علية الخالدي شكلت في الموضوع الذي تولت مسؤوليته نسبة تفاعل بارزة مع جمهور المقهى، وتخطت الزمن. موضوعها حمل عنوان «كتيبة الكاوتشوك» وهو حدث آني انطلق بعد قرار وزير العمل اللبناني إلزام الفلسطينيين بإجازة عمل. لم تتوان الخالدي عن التعبير واسترسلت في استعراض الواقع دون انتباه منها للزمن. وحده صوت عوض عوض «أيوبة بعدك هون يلا» تركها تستعجل المتلقين في المقهى لمرافقتها إلى الشارع والهتاف «وينك وينك يا عدالة مش راح نقبل بالإهانة».
سار الموكب المحدود بضع خطوات خلف «أيوبة» وراح يزداد، إلى أن صدح صوت فرقة القرب الفلسطينية التابعة لبيت أطفال الصمود، والتي شكلت بأزيائها وموسيقاها حالة فريدة في ليل الشارع الأكثر شهرة في مدينة بيروت. تلك المسيرة التي انتهت إلى مسرح المدينة، لتدخله عازفة لحن «طلعت يا محلا نورها» وسط الزغاريد، كانت في الشارع محط اهتمام كبير. المارة والباعة وقفوا يصفقون. الهواتف ارتفعت لتسجيل لحظة جميلة في ظروف ليست على ما يرام على الصعد كافة. كذلك أصر كثيرون، حتى وهم داخل سياراتهم، على التقاط «سيلفي» مع بعض أعضاء فرقة القرب.
هل هو يوم فلسطين في شارع الحمرا، وفي مسرح المدينة وفي افتتاح مهرجان مشكال؟ لم لا؟ والمخرج الذي يتولى مسؤولية هذا المهرجان أبصر النور في عين الحلوة، وهو أكبر مخيمات الشتات. وهو الذي يرى وطنه السليب بعين ومشهد الوطن الوحيد الذي تسنى له أن يترعرع فيه. هو يوم فلسطين ويوم الجامعة اللبنانية كذلك، فالمهرجان الذي يستمر من 30 آب إلى 3 أيلول انعقد تحت شعار «الجامعة اللبنانية.. جامعة الوطن».
بالعودة إلى مسرحية «كتبة الكاوتشوك»، فإن علية الخالدي، المنصهرة منذ سنوات بدور «أيوبة»، المرأة الفلسطينية اللاجئة والصابرة والمناضلة، طرحت السؤال «وين الشباب.. قالوا في مظاهرة بشارع الحمرا، وأنا نزلت بالراكب من عين الحلوة عشان ندعم الحراك الفلسطيني». وسردت أسماء من دعمها بالبلاستيك ودواليب الكاوتشوك لزوم الحراك. شرحت حال المخيم الذي يعلوه مجرور ويصب بداخله. وعن حرمان سكان المخيم من «الثري جي» ومن «السناب»، لتقول: «مش عيشة هاي». تساءلت عن قرار وزير العمل وعن العدد المحدود من الوظائف المسموح بها للشعب الفلسطيني في لبنان. شرّحت واقع هذا الشعب بأسلوب جذاب وشائق لتصل إلى حصيلة عن كيفية التفريق بين اللبناني والفلسطيني وهما كما العائلة الواحدة؟ وإن كان البعض يتناسى ما حمله الفلسطينيون معهم إلى لبنان حين اللجوء، فقد سمت «أيوبة» بعضهم، عائلة أبيلّا المعروفة في مطار بيروت وغيره، غرغور العائلة التي استقدمت أول وكالة لسيارات المرسيدس. وتوقفت عند الصابون الذي نستعمله جميعنا، وعائلة عودة التي تمتلك خان الصابون التراثي في صيدا، ومن ثم بنك عودة الذائع الصيت بين مصارف لبنان.
في جعبة «أيوبة» الكثير من العتب على المسؤولين اللبنانيين، لكن مسرح المدينة الذي غص بقاصديه كان، عشية الجمعة الماضية، في عرس حقيقي. فرقة القرب على المسرح، وعوض عوض يتلو كلمته ونضال الأشقر مزهوة بنجاح عرضها في المكان الذي كان يُعرف بـ»الهورس شو» من ضمن المسرحيات الـ12. قال عوض: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر». وأضاف: «إذا الشعب يوماً أراد التغير فلا بد من التغيير». واستهجن أن يتظاهر الشعب الفلسطيني في لبنان مُطالباً بما يفترض أن يكون مسلمات لحياة كريمة.
دعا عوض إلى المسرح كافة المشاركين في إحياء عروضه الـ12، إلى جانب كافة العاملين في مسرح المدينة مع نضال الأشقر. تمّ تكريم الجميع. وأعلنت نضال الأشقر انطلاق فعاليات الدورة الثامنة من المهرجان الذي كان قد بدأ فعلياً في المقاهي.
إلى جانب شعار المهرجان، يُذكر أن شعارات وجملاً سياسية ارتفعت في مسرح المدينة، منها: لمّو الزبالة عن الكراسي.. وين الملايين$.. علي بابا والـ128 حرامي.. جمهورية الموز.. كذابين محلفين..، وفيما انشغل بعض الجمهور خلال ولوجه إلى المسرح بتلك الشعارات كانت علية الخالدي تهتف «إحنا الفنانين ع المسرح رايحين».