القاهرة ـ«القدس العربي»: في الوقت الذي ظهر فيه الأزهر الشريف، المؤسسة الرسمية الوحيدة في مصر، التي نعت شهداء المقاومة الفلسطينية، بعد ساعات من إعلان الاحتلال اغتيال يحيى السنوار أثار إعلاميون جدلا واسعا بتناولهم واقعة استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”. وهاجم الإعلامي أحمد موسى، ما قال عنها إنها “الميليشيات التي ارتكبت عمليات إرهابية على أرض مصر”، في إشارة منه إلى حركة “حماس”، متسائلا عن “حق الشهداء الذين ضحوا بحياتهم دفاعا عن أرض الوطن”.
وبين خلال برنامجه “على مسؤوليتي” المذاع عبر قناة “صدى البلد”: “أنا طوال عمري ضد الميليشيات في أي مكان على وجه الأرض، من يريد أن يقاوم فليقاوم في بلده، يدافعوا ويحرروا بلدهم؛ لكن من يأتي إلى مصر وينفذ عملا إرهابيا على أرض مصر ويدخل بلدنا ويقتحم الحدود ويقتل شهداءنا الأبطال، هو إرهابي”.
وتساءل: “من اغتال النائب العام السابق الشهيد هشام بركات؟ من اغتال المستشار محمد مروان وزملاءه في العريش؟ من خطف أبناءنا وذبحهم في رمضان”.
وانتقد “بيانات بعض النقابات وبعض الذين نعوا أحد الشخصيات”، في إشارة إلى السنوار، متسائلا عن “حق الشهداء المصريين في سيناء”. وقال: “أنت لا تعرف وأنت تقول ذلك، إن هناك أسرا عندها شهداء قتلوا فأين حق أولادنا وأبطالنا”
وتساءل عن المسؤولين عن مجزرة كمين البرث في رفح، قائلا: “هؤلاء هم الشهداء من دفعوا الثمن ليحموا أرضنا وبلدنا، من نفذ كمين البرث ودخل على الكتيبة 103 وفجر الكمائن”.
وعادة ما يسوق الإعلام المصري لتورط حركة “حماس” في الهجوم على قوات الجيش المصري في سيناء، على الرغم من التنسيق الذي شهدته السنوات الماضية بين الحركة والأجهزة الأمنية المصرية في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سيناء وغزة، ما ظهر في زيارات قيادات من المخابرات إلى القطاع وزيارة قادة “حماس” إلى القاهرة.
وكتب أحمد الطاهري رئيس قطاع الأخبار في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على صفحته على “فيسبوك”: “رحم الله شهداء هذا الوطن في سيناء، قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان، المجد لشهداء قواتنا المسلحة”.
كلمات الطاهري جاءت بعد ساعات من استشهاد السنوار، في إشارة إلى الاتهامات التي رددها الإعلام المصري كثيرا عن دور حركة “حماس” في تنفيذ عمليات في سيناء.
وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي حديث الإعلامي عمرو أديب خلال برنامجه الحكاية على قناة “إم بي سي مصر”، عن رؤيته لمواطنين من قطاع غزة سعداء بسبب وفاة السنوار وأنه رأى آخرين يشعرون بالحزن.
ووجه أديب سؤالا لمراسل قناة “العربية” في قطاع غزة عن مشاعر المواطنين تجاه استشهاد السنوار وقال إن البعض يعتبره مسؤولا عن الدمار الذي شهده القطاع، ورد المراسل إن الناس حزينة، ولا يمكن لأحد في القطاع أن يفرح لفرح العدو الإسرائيلي.
عزاء للسنوار
في المقابل، كانت ردود فعل نقابات وأحزاب معارضة مصرية على استشهاد السنوار مختلفة، فقد أعلن الحزب الناصري تنظيم عزاء للشهيد في مقره وسط القاهرة. ونعت نقابة المحامين، السنوار، مشددة على ضرورة ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة الشنيعة. وقالت في بيان، إن نقابة المحامين تنعى الشهيد يحيى السنوار وتتقدم بخالص العزاء إلى الشعب الفلسطيني وأسرة الشهيد”.
وأضاف البيان أن “النقابة برئاسة عبد الحليم علام، نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب، تدين مقتل القيادي الفلسطيني يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)، الذي طالته يد الغدر وهو يقاتل العدو الصهيوني”.
وأوضح البيان على أن “هذه الجرائم المنكرة التي يمارسها الكيان المحتل، تشكل استفزازا جديدا للشعب الفلسطيني، وتقوض الجهود المبذولة من أجل وقف الحرب في قطاع غزة”، مؤكدة أن ذلك يعد “تصعيدا خطيرا ينذر بمخاطر إشعال المواجهة في المنطقة بشكل يؤدي إلى عواقب وخيمة”.
ووجهت نقابة المحامين في مصر، مناشدة إلى المجتمع الدولي لـ”المسارعة بضرورة ملاحقة مرتكبي هذه الجريمة البشعة، قبل أن تنفلت الأوضاع إلى ما لا يمكن السيطرة عليه”.
كذلك، قال “حزب الكرامة”، إنه في شجاعة نادرة توجت تاريخه النضالي الحافل في مواجهة العدو الصهيوني شاهرا سلاحه في وجه عدوه مقبل غير مدبر ارتقت روح الشهيد يحيى السنوار قائد المقاومة الفلسطينية ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس».
وأضاف الحزب: “في الوقت الذي نزف السنوار شهيدا لينضم إلى قافلة طويله من الشهداء المدافعين عن شرف الأمة في فلسطين، فإننا نؤكد على المعاني ذاتها التي جسدها الشهيد يحيى السنوار على ضرورة الوحدة في مقابل التجزئة والتجمع دون التفرق والتمسك بمعاني النضال الوطني في مواجهه المحتل الغاصب، وأن المقاومة شرف لا يستحقه إلا الماسكون على جمر الحق”.
وواصل الحزب في بيانه: “لحظة استشهاد السنوار في الخط الأمامي لساحة المعركة متمسكا بسلاحه حتى الرمق الأخير كفيلة أن تعيد الروح إلى الجسد الذي انهكته المعارك ولتؤكد من جديد أن أرضنا لا تلد إلا رجالا ولا تربى إلا أبطالا”.
وأكد الحزب أن “سيرة الشهيد يحيى السنوار وشهداء المقاومة في فلسطين ولبنان وفي كل قطر عربي نبراسا نهتدي به ومنارات تدلنا على أن الطريق إلى تحرير فلسطين يمر عبر فوهه البندقية وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، مشددا على ضرورة على الوقوف بجانب المقاومة الفلسطينية الوطنية في مواجهه العدوان البربري الغاشم الذي يتم بشراكة أمريكية وغربية وتواطؤ عربي”.
ونعت حركة الاشتراكيين الثوريين، السنوار، وقالت إنه “مثالا لما ينبغي أن يكون عليه المقاومون والقادة”. وأضافت في بيانها: “السـنوار هو ابن مخيم خان يونس، هذا الطفل الذي ولد لأسرة فقيرة نزحت مع النكبة، أصبح لاحقا رئيس حركة المقاومة «حماس»، وعلى مدار سنوات خطط ونفذ مع رفاقه الضربات تلو الأخرى للعدو، وصولا إلى طـوفان الأقصى.”
وزادت: “قادة العــدو الذين طالبوا المقـاومين، أن يستسلموا، ويحاولون أن يحرضوا الفلسطينيين ضد المقـاومة بزعم أنه لا أمل بعد موت السنوار، ربما أصابهم الخبل، بعد قتلهم للسنوار، بالمصادفة، فالمقـاومة تجدد ميلادها بعد كل هزيمة أو نكبة، وهكذا ولد السنوار”.
وتابعت: “كانت حياة السنوار المقاوم، حافلة بالنضال من أجل التحرر من الاحتلال، واليقين أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، لم يتوقف السنوار عن فعل ذلك بشتى الطرق، وعندما كان في قبضة العدو، الذي لبث في سجونه لأكثر من 20 عاما، تعلم لغة العـدو، وأتقنها ليقرأ جيدا كيف يفكر هذا العـدو، وكتب السنـوار، رواية وهو في السجن، ليؤرخ لحقبة هامة في التاريخ الفلسطيني، وبعد إطلاق سراحه لم يتوقف عن مواصلة الكفاح”.
وواصلت: “عندما كان قائد «حمــاس» في مؤتمر سابق يتمنى أن يقتل في معارك العدو، لم تكن هذه مجرد أمنيات، أو كلمات على غرار تلك الخطب الهنجعية للرؤساء، قتل السنوار رئيس أكبر حركات المقاومة الفلسطينية مشتبكا مع العدو، مثله مثل أي مقاوم لتقترن أقوال السنوار بأفعاله، في ظل أحلك الظروف، وحتى النفس الأخير قاوم العدو وهو مصاب، يلقي بعصا على قوات العدو المدججة بأحدث الأسلحة في رمزية ودرس للمقاومين بجدوى المقاومة دائما والإيمان بها حتى النفس الأخير”.
معركة النفس الطويل
وأكدت أن “موت السنوار لا يجب أن يدفع إلى الاستسلام للحزن، وأن المعركة مع العدو هي معركة النفس الطويل، ودائما ما تواجه حركات التحرر سلسلة من الانتصارات والهزائم، ولابد من التوقف طويلا عند لحظة استشهاد السنوار، وأن نستلهم من المقاومين الفلسطينيين الصمود والثبات ومقارعة العدو في ظل ظروف لا تحتمل”.
وأضافت أن “تحرير فلسطين ومحو كيان الاحتلال، لن يتحقق فقط بمقاومة التنظيمات المسلحة لهذا العدو، على الرغم من أهميتها وعظم ما تفعله في مواجهة العدو والقوى الإمبريالية، ولكن النصر الحاسم لن يكون إلا بإسناد ومشاركة شعوب المنطقة في مشروع المقاومة، وما شاهدناه من ظروف استشهاد السنوار، يدفعنا إلى التفكير في إعادة إحياء كافة اللجان والتنظيمات المساندة للشعب الفلسطيني هنا مصر، في ظل أحلك الظروف، والنضال من أجل استغلال كل مساحة وفرصة ممكنة وإعادة تفعيل قوافل المساعدات والضغط من أجل فك الحصار عن غزة، لتقترن أقوالنا بأفعالنا، في ظل ظروف صعبة، كما كان يكافح السنوار ورفاقه في أحلك الظروف”.
ودعت الحركة “كافة القوى السياسية والنقابية، والعمال والطلاب لإعادة إحياء التضامن مع فلسطين بشتى الطرق الممكنة، عبر لجان في الجامعات والأحياء وأماكن العمل، لنناضل معا من أجل مواجهة القمع الأمني، ولنعلن رفضنا لموقف النظام المصري حيال ما يحدث في فلسطين ولبنان، وصمته على تواجد العدو على محور صلاح الدين”.