نحن بصدد مشروع طموح لبناء مصر ‘جديدة’ بالمعنى الكامل للكلمة، وقد يستغرق تنفيذه بالتمام والكمال نحو العشرين سنة، وما من خيار آخر سوى أن تسقط مصر، لاسمح الله، أو أن تشهر إفلاسها، وهو ما يسعى المرشح الرئاسي الأبرز عبد الفتاح السيسي لتداركه وتجنبه، وإغلاق الطريق على المأساة المخيمة والزاحفة، والإقلاع بمصر إلى قصة نجاح بلا بديل، فلا بديل عنده ـ بعقيدة العسكري المحترف ـ سوى النصر الذي تقدر عليه مصر بعون ومدد من الله سبحانه وتعالى.
وكما جرى بعد هزيمة 1967 العسكرية الفادحة، فإن مصر وقتها، وتحت قيادة عبد الناصر، صنعت المعجزة، وأعادت بناء الجيش من نقطة الصفر، وصنعت جيشا جديدا حديثا هو مفخرة المصريين، في ملحمة قل نظيرها في تاريخ الأمم. كان جيش مصر بعد 1967 هو جيش مصر الجديدة، وأثبت مقدرته المتفوقة على عبور الهزيمة وتحرير الأرض، ثم كان ما كان، وخانت السياسة نصر السلاح في حرب 1973، ووقعت مصر في محنة الأربعين سنة المتصلة إلى الآن، وفيها وقعت مصر من حالق إلى الفالق، وسقطت في الثقب الأسود، وقعت من ‘قعر القفة’، وخرجت من سباق الأمم، ودخلت في مرحلة انحطاط تاريخي طويل، تركتنا على ما نحن عليه الآن، وحيث تفشل كل حلول الترقيع والتلفيق، ولا تؤدي سوى إلى نفخ بلا طائل في القربة المقطوعة، تخنق حلم الثورة المتصلة بموجاتها المتلاحقة من 25 يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013، وهي الثورة الموؤدة اليتيمة بشعاراتها الساطعة عن الاستقلال والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، التي لم تبلور بعد حزبها السياسي القادر على الوصول ديمقراطيا إلى السلطة، والمهددة دائما بغزو واجتياح من قوى التخلف والثورة المضادة، وفي سياق من هزيمة حضارية شاملة لحقت بالبلد. وهنا ـ بالضبط ـ يأتى دور عبد الفتاح السيسي، الذي يطمح ـ حال توليه الرئاسة ـ إلى إعادة بناء مصر من نقطة الصفر، أو قل من نقطة ما تحت الصفر، وعلى الطريقة ذاتها التي أعيد بها بناء الجيش بعد هزيمة 1967، وهو ما يفسر قوله انه ليس مرشحا للرئاسة بالمعنى الدارج، بل ‘مستدعى إلى مهمة’، وهو الوصف الذي يبدو دقيقا في تعقيدات اللحظة المصرية الراهنة، فلم تجتمع لرجل شعبية السيسي منذ زمن جمال عبد الناصر، اجتمعت له الشعبية بدون أن يطلبها، وبدا ‘معنى الاستدعاء’ فيها ظاهرا، وبدلالات الخروج الأسطوري للناس إلى الشوارع، ترفع صورته على نحو عفوي إلى جوار صورة جمال عبد الناصر، وقد استجاب للاستدعاء، وقبل بمهمة إعادة بناء بلد تحطم في انحطاط الأربعين سنة، وبروح اقتحام تنتسب إلى طريقة جمال عبد الناصر ذاتها، ومع الوعي بتغيرات الظروف ودواعي اختلاف العصور، وهو ما يجعل مهمته أعقد من مهمة جمال عبد الناصر ذاته، ويفسر قوله لسائليه عن التشابه بينه وبين عبد الناصر ‘يارب أكون مثله’.
وفي التاريخ السياسي والاجتماعي، لا توجد اختراعات، بل توجد إرادات، وتوجد رؤى متماسكة تصنع التقدم، فلم يخترع عبد الناصر ـ مثلا ـ قصة تأميم قناة السويس، لكنه أراد وفعلها، لم يخترع حلم إنشاء السد العالي، لكنه أراد وفعل، ولم يتقدم إلى التمصير والتأميم والتصنيع إلا في سياق تجربة ثورية، وربما يتيح ذلك مفتاحا لفهم طريقة تفكير السيسي، فنحن بصدد رجل عنده رؤية متماسكة، منفتح على طرائق التفكير كلها، ومتأثر بها، لكنه يهضمها ويتمثلها، ويبلور طريقته الخاصة في حوار وجوار مع ما عداها، ويؤمن أن امتلاك الإرادة وكفاءة التنفيذ هي التي تفتح باب الأمل، ففي بلد كبير وعظيم كمصر، ورغم صنوف الهوان التي فرضت عليه، توجد آلاف الاقتراحات والحلول، وتوجد بالطبع مصالح متعارضة ومتناقضة، كما أي مجتمع في الدنيا، وقد بدا السيسي ـ في حوارات طويلة معه ـ ملما بكل شيء في البلد على نحو مدهش، عارفا بالأوجاع الثقيلة، مطلعا على كافة الحلول والاقتراحات، وكان عليه أن يختار طريقا، وبغير وعود وقبلات ينثرها في وجوه الناس، وبدون الوقوع في أسر مسكنات توحي بتخفيف الألم، لكنها تستبقي أسبابه، فالرجل لا يريد إدارة الأزمة بل تجاوزها، وإحداث قطيعة كاملة مع ما كان ويكون، فهو يريد بناء مصر جديدة، مصر أخرى، غير تلك التي نعرفها، يريد الخروج من الوادي الضيق الذي انحشرت فيه مصر قرونا، ويريد للمجموع السكاني المصري أن يتمدد على خرائط أوسع، فهو يريد خرائط أوسع لمصر المعمورة، يريد تقسيما إداريا جديدا، يصل فيه عدد المحافظات إلى ثلاثة وثلاثين، وتتحول فيه سيناء إلى ثلاث محافظات، وتتمدد فيه محافظات الصعيد من النيل إلى البحر الأحمر، ومن النيل إلى حدود مصر الغربية، ويضاف فيه لكل محافظة ظهيرها الصحراوي، وإطلالتها على الماء، وهذا ليس محض تقسيم ترابي تتحسن فيه كفاءة الإدارة، بل صناعة لخرائط اقتصاد ومجتمع جديد، تتنوع فيه موارد التعدين والزراعة والصناعة والصيد والسياحة، وتتحول فيه مصر إلى ورشة عمل كبرى، تمتص بطالة 12 مليون عاطل، وتتيح لمصر الشابة سكانيا فرص ازدهار وعدالة توزيع جغرافي، وتكفل إعادة توزيع ال6قوة البشرية بطريقة أعظم كفاءة، ويــــبدو المشروع طموحا، وأشبه بمعجزة، لكن السيسي يثق في مقدرة المصريين على صناعة المعجـــزات، فالأحلام وحدها لا تكفي، ولابد للحلم أن يصبح مشروعا، وأن توضع له خطط كاملة بأهداف وأساليب وأدوات وتمويل وزمن محدد للإنجاز، وهو ما لا يبدو الرجل في غفلة عنه، فلديه حسابات مدروسة للتكلــــفة، وقوائم بمشروعات كبرى زراعية وصناعية وإسكانية، وبتكلفة تصل في المراحل الأولى إلى تريليون جنيه، وهو رقم يفوق نصف إجمالي الدخــــل القــــومي المصري الحالي في سنة كاملة، لكنه لا يبدو عنده خرافيا كما يتصـــور اليائسون، وموارده مقدرة من الاكتتاب الشعبي العام، ومن رفع معدلات الادخــــار ومعدل الاستثمار، ومن جلب وتعبئة استثمارات داخلية واستثمارات عربية خليجية، وفي سياق من تكامل الفوائض المالية الخليجية والخبرة البشرية المصرية، وفي حلف موثوق بين صناعة السلاح وتوليد الطاقة والصناعات المدنية، وتحويل مشروع ‘الإصلاح الجغرافي’ الذي يتبناه السيسي إلى ثورة تشبه ‘الإصلاح الزراعي’ التي بدأ بها عبد الناصر، بل ان المسافة اللفظية تضيق في المعنى بين تعبيري الإصلاح الجغرافي ـ وهو من عندى ـ والإصلاح الزراعي، فالمشروع يتضمن إضافة أربعة ملايين فدان بزراعة حديثة، بينها مليون فدان مضاف في السنتين الأوليين لرئاسة عبد الفتاح السيسي.
والأهم من ‘التمويل’ عنده هو الإرادة، وحشد طاقة المصريين وراء الهدف والحلم القومي، وهو ما يبدو موضع التفات حاسم عند السيسي في حوارات طويلة كنت طرفا مباشرا ـ وأحيانا وحيدا ـ فيها، فالصدق هو السلاح الذري الذي يملكه، لا يخشى أن يصارح الناس، ولا أن يمتنع عن نثر الوعود والقبلات، بل يدعو الناس للحلم معه بمصر الجديدة، وبذل العرق والدموع والتضحيات، وبدون ضغط مضاف على الأغلبية من الغلابة، فهو يدرك يقينا اختلال معادلة توزيع الثروة في مصر، ويسعى لأفضل وأعدل توزيع، لكنه ينبه إلى أن الثروة كلها في مصر لا تكفي شيئا، ولا تتيح الحياة الكريمة للمصريين، ورأيه أن الغالبية الساحقة من المصريين تحت ‘خط العوز’، وأن كل أسرة دخلها الشهري أربعة آلاف جنيه ـ 600 دولار تقريبا ـ تحت خط الفقر، وأن إصلاح نظام الأجور والمعاشات حق عادل، لكن الموارد الحالية لا تكـــــفي حــــتى مع تطبيق نظام الضرائب التصاعدية، فالموازنة العامة منهكة، ومثقلة بالتزامات خدمة الديـــون والدعم والأجور، ولا يتبقى منها للاستثمارات والخدمات العامة سوى نحو 160 مليار جنيه، وأن الاقتصاد المصري تحول إلى ‘اقتصاد تسول’ من زمن طويل، وهو ما يستفز الرجل المعتز بمعنى الكرامة والوطنية المصرية الجامعة، ويصارح الناس بالحقائق المرة، لا لكي ينشر اليأس، بل لكي يستدعي الهمم لإنقاذ مصر، وبالعصا السحرية التي هي إرادة المصريين، وبرد الاعتبار لدور الدولة في تخطيط وصياغة الخلق الاقتصادي الجديد، وبما يضاعف الثروة الوطنية في سنوات قليلة، ويوفر فرص العمل بالملايين لأجيال شابة محبطة، ويعيد إحياء صناعات القطاع العام، وبصورة كفوءة تجعل الشركات تضاعف مواردها الذاتية، ولا تأخذ من الموازنة العامة المنهكة للدولة. وقد سألته عن مصير أحكام القضاء الإداري بإعادة مصانع وشركات سبق خصخصتها، وكان جوابه: أنه يحترم أحكام القضاء، وسوف يشكل لجنة خاصة لبحث سبل التنفيذ الفوري، وبما لا يعرض الدولة لغرامات التحكيم الدولي، وبدا تصميمه ظاهرا وحاسما على رد الاعتبار لدور الدولة، وبكافة مؤسساتها بما فيها المؤسسة العسكرية، وفي تقديره أنه لا بديل عن هذا الطريق، والحل الفوري لمشكلة غلاء الأسعار بالأسواق الاجتماعية الموازية، والمواجهة الحاسمة لمراكز الفساد ومافيا الأسواق ومافيا الاحتكار، وأنه لن يقبل من أحد ‘أن يكون اسمه معايا ويشتغل ضدي’ ، فليس لأحد ـ والكلام للرجل ـ من فضل عندي سوى لله وللناس، ولا فواتير عندى لغير الشعب المصري.
‘ كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
.. ربما بعد فوات الأوان.
رغم معرفتي أن هذا الكلام ” أحلام يقظــة ” لا أقل ولا أكثــر إلا أنني ساجاريك بكلامك وأقول :
يا سيدي غداً سيصبح السيسي رئيسا بصورة رسمية وسنرى ما الذي يستطيع أن يفعله _ وكلامي هذا ليس كرها في مصر فالله وحده يعلم كم نحب مصر وشعبها _ ولكني مدرك تمام الادراك أن مصــر لن تنهض وبيادة العسكــر هي من تقود وتحكم .
وان غدا لناظرة قرررررررررريب
“فإن مصر وقتها، وتحت قيادة عبد الناصر، صنعت المعجزة، وأعادت بناء الجيش من نقطة الصفر، وصنعت جيشا جديدا حديثا هو مفخرة المصريين، في ملحمة قل نظيرها في تاريخ الأمم. كان جيش مصر بعد 1967 هو جيش مصر الجديدة، وأثبت مقدرته المتفوقة على عبور الهزيمة وتحرير الأرض”
مسكين الرئيس الراحل السادات، مع انه بدهائه السياسي الذي يفتقده الراحل عبد الناصرهو الذي قاد الى انتصار اكتوبر، ولكن العقول الضيقة ترفض مايصنعه رجال التاريخ لشعوبهم من اعمال باهرة وتبقى تمجد الفاشلين منهم فقط والامثلة كثيرة في منطقة الشرق الاوسط. اعطوا كل ذي حقه او اصمتوا لقد فاتكم القطار.
اللي فات مات واللي جاى في علم الغيب . هل أكثر الدول تقدما في العالم شرقا وغربا شمالا وجنوبا يحكمها جهلاء دين أو ديكتاتوريين عسكريين ؟. الديمقراطية البرلمانية هي أفضل ماتوصلت إاليه البشرية من نظام سياسي إقتصادى إجتماعي كفيل بالقضاء علي الإستبداد والفساد ومايترتب عليهما من جهل ثم فقر وتخلف .تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال من ينتخبهم بحرية ونزاهه يختار فيها من يديرون شئونة ثم يختار بعدهم من هم أفضل منهم . ويشارك الجميع في بناء الوطن كل بجهدة .ومن لايقرأ أو يكتب لايقل حكمة بالضرورة ,هانجرب في المتجرب ؟. غياب الديمقراطية التي تعني مشاركة الجميع بلا تمييزفي البناء هوسبب تخلفنا حتي بدون رئيس أو ملك أو إمبراطور . هل يحكم إمبراطور اليابان الدى لايظهر إلا مرة واحدة في العام لوضع أكليل من الزهور علي قبر الجندى المجهول ثم يختفي بابتسامته الجميلة ولايقص شرائط أو يصافح أحد . هل يحكم ألمانيا رئيسها ؟. ديكتاتور ومن حولة صناع الملوك وأصحاب المصالح سيدمرون أي بلد حتي ولو كانت غنيه بمواردها الطبيعية . الصحراء لايمكن إستصلاحها بلا ماء وتحتاج الي مال قارون وعمر نوح . كلامك ياسيدى عسل علي الشفايف .وبلا منطق ومكرر ومللنا منه . إرحمنا رحمك الله .والثورة ستستمر حتي تحقيق الديمقراطية البرلمانية التي تحترم جميع حقوق الإنسان .
ارجو من السيد قنديل ان يقرأ ويتمعن جيداً تعليق السادة القراء على مقالة كي يدرك كيف كانت مصداقيتة لدى القراء وكيف اصبحت!!!
المبادئ كل لا تتجزأ عندما كنت مناضلاً حراً فى حركة كفاية وكان العسكر يقومون بقمعكم وليس قتلكم كنا نقف لكم احتراماً .
الان العسكر يقتلون شرفاء هذا الوطن فى الشوارع والميادين والجامعات بل وحتى مدارس الاطفال اين القلم الشريف ؟
* للأخ ( رضوان / لندن ) .
عزيزي : أين الهوى في ردي ؟؟؟
لماذا لم تُظهره بوضوح ؟
سامحني كلامك ( مرسل ) وبدون دليل ؟؟؟!!!
* زد على ذلك : أنا وأنت وجميع المعلقين ( هواة ) وليس ( محترفين )
وأنا تكلمت عن ( الكتاب المحترفين ) ولم أذكر المعلقين الهواة ؟؟؟!!!
حياكم الله وشكرا .
خد اهو صناعة فرعون يسمي السيسي
ربما فنديل يتحدث عن سيسي غير الذي نراه و نسمعه و نشاهد افعاله..
أقول للكاتب لا تحلم نهائيا أن تتقدم مصر بجناح واحد. هل تعلم أن نصف الشعب المصري مقصي تماما. راجع التاريخ جيدا. هل سمعت اغنية نحن شعب وانتو شعب والتي يكرسها السيسي بحذافيرها.
استغرب هذا التحول الدراماتيكي في مواقف الكاتب من مدافع شرس عن الديمقراطية الى مسانذ للديكتاتورية………ولله في خلقه شؤون