مصر بعد 7 أكتوبر: الانتخابات الرئاسية و”الإخوان” وسيناء.. علامات استفهام كبيرة

حجم الخط
0

جاء 7 أكتوبر مفاجئاً لسلسلة طويلة من الدول، إحداها مصر التي تتعرض لتداعيات مباشرة عليها جراء التطورات في قطاع غزة. لكن الأمور هذه المرة تبدو الأمور مختلفة لا تشبه مواجهات سابقة في القطاع حين تمكنت إسرائيل ومصر من التعاون لإنهاء جولة العنف الدورية.

ثلاثة عوامل أساسية تقبع في مركز القلق العميق داخل مصر:

الأول يتعلق بشدة الرد الإسرائيلي التي أدت إلى عدد الإصابات الأكبر بين المدنيين في القطاع وإلى دمار عظيم، قد يكون غير مسبوق. وهذا يتعلق بالشارع المصري وبالخوف من الضغوط الداخلية التي تعتمل الآن. يجدر بالذكر أن انتخابات الرئاسة المصرية ستجرى الشهر القادم.

والثاني يتعلق بخوف لا يجد بالطبع تعبيراً علنياً له من أن تخرج “حماس” من الحرب بإنجازات ذات مغزى بشكل يعزز الإسلام السياسي في المنطقة بعامة، وفي مصر بخاصة (رغم أن النظام المصري أضعف “الإخوان المسلمين” جداً في السنوات الأخيرة). ثمة تضارب ما بين العنصر الأول والثاني، لكنه توتر يشدد الأزمة التي تعيشها القاهرة.

ثالثاً، والحديث يدور هنا عن تطور جديد، هي تقارير بشأن مصلحة إسرائيل في هجرة الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء، بما في ذلك نوع من “صفقة الرزمة” تشطب فيها ديون مصر الثقيلة مقابل موافقة مصرية على استيعاب اللاجئين. القاهرة تفسر هذا بأنه “حل للمشكلة الفلسطينية في غزة على حساب مصر”. التصريحات الإسرائيلية، بما فيها تقرير وزارة الاستخبارات (رغم وزنها الهزيل في منظومات اتخاذ القرارات) الذي قرر بأن هجرة الفلسطينيين من القطاع إلى مصر تخدم المصلحة الإسرائيلية بعيدة المدى، أدخلت القاهرة في دوامة حقيقية.

قضى الرئيس السيسي بحزم بأن مصر لن تسمح بهذا، وأنه إذا دعا الشعب المصري للدفاع عن المصلحة القومية “فإن الملايين سيستجيبون لذلك”. وشدد وزير الخارجية المصري على أنه ليس في نية مصر “الحديث في هذا مع إسرائيل أو مع أي جهة تطرح هذا الاقتراح البائس”. فتشجيع هجرة سكان القطاع “يتعارض والقانون الدولي”، أضاف. بالمناسبة، منذ نشوب القتال، لم تجر أي محادثات بين رئيس الوزراء والرئيس المصري أو في مستويات رفيعة أخرى، وبقيت الاتصالات في مستويات عمل داخل المنظومة الأمنية. وهذا يشهد على الأجواء الباردة بين الدولتين. الإيضاحات التي جاءت من واشنطن بأن الولايات المتحدة متمسكة بحل الدولتين وبمعارضتها طرد الفلسطينيين من القطاع، استقبلت بإيجابية، لكنها لم تهدئ خواطر القاهرة. فمواقع التواصل الاجتماعي في القاهرة تعصف حول هذه المسألة. والنظام يسمح بذلك بل وربما يشجعه.

الأزمة العميقة التي يعيشها الاقتصاد المصري يفاقم الصورة؛ أسعار الوقود على أنواعه (باستثناء السولار) ارتفعت في نهاية الأسبوع الماضي بنحو 15 في المئة، وثمة تخوف من ارتفاعات أخرى للأسعار جراء ذلك، رغم أن الحكومة أوضحت بأن في نيتها تخفيض أسعار المنتجات الأساسية. هذا وخفضت وكالة التصنيف الائتماني “بيتش” مستوى مصر إلى B ناقص. مجال الطاقة هو الآخر لا يبشر بالخير؛ فاستخراج الغاز من حقل تمار، المصدر الأساس للتصدير إلى مصر، توقف عقب الحرب في الجنوب. وعلم أن التصدير إلى مصر يتم عبر الأردن، وأن إسرائيل أذنت بزيادة الإنتاج من “كريش”. ولكن حسب التقديرات، انخفض التصدير إلى مصر بنحو 70 في المئة (!) منذ بداية الحرب. مصر بحاجة يائسة إلى الغاز للسوق الداخلية وللتصدير إلى أوروبا كي تدخل عملة صعبة حيوية لصندوق الدولة.

في ضوء إحساس الضغط المتزايد في القاهرة والذي يتعمق عقب الأزمة الاقتصادية، يتزايد الخوف من خطوات مصرية قد تمس بمنظومة العلاقات مع إسرائيل. إعادة السفير الأردني في إسرائيل للتشاور، وهي خطوة دبلوماسية معروفة تعبر عن الاستياء، من شأنها أن تشدد الضغط على الحكم المصري لاتخاذ خطوة مشابهة.

إسرائيل ملزمة بأن تزن بجدية أكبر تداعيات الحرب على علاقاتها مع القاهرة. فلقاء المصالح مع مصر قائم، لكن يبدو أن شقوقاً مقلقة ظهرت فيه، في أساسها انعدام ثقة حول أهداف الحرب في اليوم التالي. القاهرة غير واثقة من أن إسقاط حكم حماس عملي، وأساساً كيف سيؤثر هذا على مصالح مصر. الخوف من نوايا إسرائيل في دفع الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعظم علامات الاستفهام في القاهرة. مطلوب حوار هادئ فوري يوضح هذه المسائل بشكل يتيح التعاون الآن ومع حلول اليوم التالي. مع أن الرسائل العلنية بهذه الروح حيوية رغم أهمية الإبقاء على ضبابية المعركة، لكن لا بديل عن العمل المشترك مع مصر في نهاية المطاف حيال قطاع غزة (وما وراءه)، ومن الأفضل في ساعة مبكرة أكثر.

ميخائيل هراري

” معاريف”

 9/11/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية