مصر: تدهور متوقع مسبقا

حجم الخط
0

يجب ألا تفاجئ أحداث الايام الاخيرة في مصر أحدا. وقد كتبت هنا مؤخرا عن الفشل المتوقع للانقلاب العسكري الديمقراطي، وعن خطر التدهور الى حرب أهلية والى فوضى فقلت: إن عزل الجيش للرئيس محمد مرسي بعد ثلاثة ايام المظاهرات كان انقلابا عسكريا بلا شك، ولا تعريف آخر لهذا الاجراء. وقد استقر رأي القيادة العسكرية كي تتجنب التنديد العالمي بها، برئاسة الفريق أول السيسي، على أن تعين رئيسا مدنيا مؤقتا ينشئ حكومة في مصر ويدير أمور الدولة، ويضع دستورا ويستعد لانتخابات عامة. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة واوروبا استقبلتا هذه الاجراءات باعتبارها اجراءات ايجابية، وامتنع الامريكيون عن تعريف ما يجري في مصر بأنه انقلاب عسكري كي يستطيعوا الاستمرار في تحويل مساعدة الى ارض النيل.
بدت خطة الفريق أول السيسي ناجحة، لكنها لم تأخذ في حسابها رد الاخوان المسلمين الذين فازوا في الانتخابات الاخيرة بكثرة مدهشة. وقد تغلب هؤلاء على الصدمة الاولى بعد عزل الرئيس مرسي بادراكهم انه يوجد هنا انقلاب عسكري حقا، لكن لا بالصيغة الكاملة التي تشتمل على اعتقالات وقوة موجهة الى المتظاهرين، وخرجوا الى الشوارع في تظاهرات حشدت الكثيرين وأصبحت تزداد عنفا. إن استعمال الجيش للقوة في نهاية الاسبوع الاخير، على المتظاهرين من أنصار مرسي جاء متأخرا كثيرا، وإن العدد الكبير من المصابين يخدم مصلحة الاخوان المسلمين.
إن الاحداث في مصر تجري على خلفية الاحداث التي تعود الى العناوين الصحافية في تونس ايضا، في حين تستمر في الوقت نفسه الصراعات بين الفصائل المختلفة في ليبيا والحرب الأهلية في سورية. وإن نظرة عامة الى ما يجري حولنا لا تدع مكانا كبيرا للتفاؤل: فالشرق الاوسط ما زال يتأرجح بين ارادة الجهات المتطرفة في انشاء دولة شريعة اسلامية، وبين ارادة التيارات المعتدلة التي تريد العيش في دول ديمقراطية وتتحدث عن الربيع العربي. إن العالم الاسلامي غير المتجانس اذا لم نشأ المبالغة، يراقب الاحداث، بل إن جزءا منه يُحركها. وإن فكرة انشاء دولة شريعة اسلامية تعيد الأمة العربية الكبيرة التي يحكمها الدين الاسلامي، هي فكرة كسبت لها أنصارا كثيرين وتقودها في العالم جهات مختلفة من أبرزها القاعدة.
إن الوضع في مصر ونتائجه قد يؤثر اذا في دول اخرى في المنطقة. وتركيا هي النموذج الأقرب الى مصر، وفوز الاخوان المسلمين وهم أحباء اردوغان وتولي مرسي الحكم، جعلا رئيس الوزراء التركي يشعر بأن نموذجه لدولة مسلمة ذات سلطة ‘ديمقراطية’ (بحسب فهمه) وهي جزء من العالم الغربي، ينجح مرة اخرى في مصر هذه المرة. وإن عزل مرسي وتولي الجيش للحكم والاحداث الاخيرة في مصر أدخلت اردوغان في ضغط وأفضت الى تصريحات متطرفة منه موجهة الى العالم الغربي وعدم تدخله في الاحداث في مصر التي عرّفها بأنها ‘مجزرة’. وقد يفضي نجاح الجيش المصري وقوى الحرية والديمقراطية في مصر الى أحداث شغب في تركيا قد تفضي الى عزل اردوغان. وفي مقابل هذا اذا نجح الاخوان المسلمون في مصر في قلب الطبق واعادة الحكم الى أنفسهم فسيُمكّنون بذلك من دعم اردوغان.
من المنطق ان نفترض ان قادة الجيش المصري يدركون أين يقفون في هذا الوقت وسيحاولون إقرار الوضع باستعال القوة على الاخوان المسلمين وباعتقالات واسعة وتقييد حرية الاحتجاج. وليس من المؤكد انه في المرحلة التي توجد مصر فيها سيستجيب الجيش ويعمل فقط بحسب املاءات قادته، وقد يكون استعمال القوة الآن اجراء يخرج عن السيطرة ولا يبقى في يدي الفريق أول السيسي. واذا حدث هذا حقا فستدخل مصر في حرب أهلية دامية يصعب ان نتوقع نهايتها.
لا شك في أن دولة اسرائيل في فترة حساسة ومتحدية تجري فيها على الشرق الاوسط كله زعزعات سريعة غير متوقعة. وتوجب هذه الفترة غير المستقرة على قيادة اسرائيل السياسية والعسكرية ان تراقب ما يجري في تيقظ واستعداد عال كي ترد على كل تطور.

‘ لواء احتياط ـ قائد سلاح البحرية في الماضي
اسرائيل اليوم 29/7/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية