يقترب المشهد المصري بسرعة من استحقاقات وتطورات كبيرة، تتطلب من كافة الاطراف مقاربات غير تقليدية، بل مؤلمة احيانا في سبيل تفادي الأسوأ.
وكانت بوادر ‘التحرك’ في موقف ‘الاخوان’ واضحة في ما نشرته ‘القدس العربي’ في هذا المكان الاسبوع الماضي، من تصريحات لقيادي اخواني (لم نتلق اي ملاحظة او تصحيح عليها) اكد فيها عدم وجود شروط مسبقة لبحث المصالحة، وان الجماعة تقبل ان عدة ملايين خرجوا ضد الرئيس المعزول محمد مرسي في الثلاثين من يونيو/حزيران لاسباب ومطالب مشروعة، وتعتبر ذلك امرا طبيعيا في ظل استمرار معاناة الشعب من المشاكل، الا انها ترفض ما حدث في الثالث من يوليو/تموز وتعتبره انقلابا، لكنها لا تقول بالضرورة ان مرسي سيعود او يجب ان يعود للحكم، وتترك القرار في هذه القضية للتحالف المؤيد للشرعية ضمن المفاوضات.
وبقراءة سياسية بسيطة لما بين السطور، يتضح ان هذا موقف تفاوضي يحمل استعدادا واضحا لتسوية سياسية، ومن الواجب على الحكومة الجديدة، وهي تباشر عملها ان تفحص هذه الامكانية ضمن مسؤوليتها الوطنية لوقف التدهور الامني، خاصة بعد ان اثبت الحل الامني فشله، واصبح حتميا ايجاد مسار سياسي لحل الازمة، مع الاحتفاظ بالحقوق القانونية الكاملة لكل ضحايا العنف بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
وينبغي هنا وضع النقاط على الحروف، والتقرير بموضوعية كاملة ان الطرفين يريدان هذه التسوية ويحتاجان اليها، الا انهما يمارسان لعبة ‘عض الاصابع’ بغية تحسين شروط التفاوض، وربما تعظيم المكاسب الممكنة.
فمن جهة تتعرض الحكومة لضغوط هائلة من سطوة الرأي العام ووسائل الاعلام التي وصلت الى اعتبار مجرد الحديث عن مصالحة وطنية تستند الى نبذ العنف وتستبعد كل من تلوثت يده بالدماء (خيانة)، مستندة الى استمرار الهجمات الارهابية، خاصة بعد ان اتسعت لتستهدف السياحة في اعلان حرب اجرامي على الشعب وليس النظام فقط.
وفي المقابل تتعرض قيادات الاخوان لضغوط قوية من القواعد الشبابية بشكل خاص (كما اكد تقرير نشر في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ مؤخرا) تحملها مسؤولية ما وصلت اليه احوال الجماعة، وتطالبها بايجاد حلول لهذه الازمة، ما ينذر بتفكك تنظيمي.
ولعل الجميع يدركون ان ما يريده المصريون حقا اليوم ليس (شخصا) ايا كان اسمه، ليتولى الحكم او ليعود الى الحكم، بل يصرخون لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل ان تغرق السفينة بالجميع. واذا سألت كثيرا من المؤيدين للمشير السيسي سيقولون ان عندهم ‘تحفظات وشكوك’ لكنهم سينتخبونه لانه ‘المرشح الاقدر على استعادة الامن’. اما اذا قلت لهم انه تولى الملف الامني بالفعل خلال الثمانية اشهر الماضية التي شهدت تدهورا كبيرا، سيقولون ‘ليس هناك خيار اخر’.
وحسب تعبير الدكتور سليم العوا، وهو المحسوب على الاخوان ومحامي قياداتهم، اثناء حديثه مع الدكتور محمد مرسي في المحكمة مؤخرا، فان هذه المظاهرات المنتشرة هنا وهناك للمطالبة بعودة الشرعية (عمل غير منتج)، تماما كما ان اسلوب الحكومة في مواجهتها (عمل غير منتج)، وبالتالي فان النتيجة الوحيدة هي مشهد عقيم.
ومن اجل هكذا مواقف، ابتكر احدهم قديما علم السياسة وفن التفاوض. وهو ما جعل دبلوماسيا مخضرما كالدكتور عمرو موسى يدعو الحكومة والاخوان الى التصالح، بعد ان تم اقرار الدستور الجديد.
لقد اقتنعت جماعة ‘الاخوان’ في ضميرها، بأن الاستمرار في سياستها الحالية، بدون مراجعة، لن يحقق اهدافها التي تجازوتها معطيات الواقع نفسه. وبكلمات اخرى فانه من غير الوارد اعادة اي حزب او جماعة او شخص الى الحكم، سواء من عهد الاخوان او مبارك، وان الاصرار على هذا الخطاب يعني محاولة لاعادة عقارب الزمن الى الوراء، وخوض معركة اصبحت تنتمــــي الى الماضي. والدليل العملي ان التحرك الشعبي الاخير المتمثل في الاضرابات الواسعة التي هزت النظام واطاحت الحكومة، هو في حقيقته غير مسيس، ويشارك فيه مؤيدون ومعارضون لكل الاطراف.
ومن منطلق الصراع السياسي، تحاول جماعة ‘الاخوان’ حاليا استخدام هذه الاضرابات، وتبني خطابها في اعتراف اضافي بالحاجة الى مراجعة موقفها وتعديل خطابها.
ومن بين التفسيرات والتكهنات المتداولة التي اطلقتها الاقالة المفاجئة لحكومة الدكتور حازم الببلاوي، التي جاءت قبل اسابيع من انتخابات الرئاسة ونحو ثلاثة اشهر من الانتخابات التشريعية هو انها ستعمل على التحضير للمصالحة الوطنية. فقد ادرك النظام انه بحاجة الى حكومة جديدة ذات مصداقية، ليس فقط لتكون قادرة على التعامل مع الاضرابات الفئوية التي اصابت الدولة بالشلل، بل البحث ايضا في صيغة سياسية لحل الازمة الحالية، قد لا تسمى ‘مصالحة’ بالضرورة لكنها ‘تسوية الضرورة’.
وهذه اقتراحات مختصرة للملامح الممكنة لتلك التسوية:
اولا تقوم الحكومة بالافراج الفوري عن الاف المحتجزين من الذين لم توجه اليهم اتهامات جنائية محددة، او لا تكفي الادلة المتوافرة لاحالتهم الى محاكمة، بغض النظر عن ميولهم السياسية او انتماءاتهم الايديولوجية.
ثانيا – ان تعلن الجماعة اعترافها بالدستور المعدل احتراما لارادة الناخبين، مع الاحتفاظ بموقفها السياسي من تدخل الجيش في الثالث من يوليو، على ان تتعهد بالامتناع عن ممارسة او تشجيع اي من اعمال العنف المادية او اللفظية، لترفع شبهة اي غطاء سياسي عن الهجمات الارهابية، سواء ضد المدنيين او افراد الجيش والشرطة، مع الالتزام بالعمل السياسي والاحتكام الى الانتخابات المضمونة نزاهتها، كاسلوب وحيد لاستعادة الشرعية ومواجهة ما تعتبره ‘انقلابا عسكريا’، وذلك اعلاء لمصلحة الوطن فوق اي مصلحة حزبية او فردية.
ثالثا – السماح بعودة اعضاء جماعة الاخوان الى الساحة السياسية، والمشاركة في الانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة كافراد او من خلال حزب شرعي، في اطار احترام كامل للقوانين ذات الشأن. وهو ما سيعني تطبيقا عمليا لخارطة الطريق التي نصت صراحة على عدم اقصاء اي طرف سياسي. وهكذا تستعيد الجماعة وجودها وتأثيرها السياسي، فيما تكتسب العملية السياسية مصداقية تحتاج اليها، خاصة حسب (المعايير) التي اعلنها الاتحاد الاوروبي مؤخرا.
رابعا- ان تأخذ العدالة مجراها بالكامل في ملف المحاكمات الخاصة بقيادات الاخوان، مع التأكيد على ان يستفيدوا من كافة المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، بما في ذلك الطعون امام محكمة النقض ضد اي احكام قد تصدر بالادانة، والسماح لمراقبين من منظمات حقوق الانسان المحلية والدولية بالتأكد من ذلك.
ولا يسمح القانون المصري لرئيس الجمهورية او اي مسؤول تنفيذي بالتدخل في عمل المحاكم، الا ان الدستور يسمح للرئيس بالعفو عن الادانة او العقوبة بعد صدور حكم نهائي ضد تلك القيادات او بعضها، ومن الممكن ان يساهم باستخدام هذا الحق الدستوري في القضايا التي لم ترق فيها دماء، تحقيقا للمصلحة العليا للوطن ضمن تفاهم مسبق على ذلك.
فهل من طرف شجاع يأخذ زمام المبادرة انتصارا للمصلحة الوطنية، ام ان الجميع استسلم للنزول الى منحدر الانتقام السياسي؟
وفي النهاية فان ما سبق ليس سوى ‘ملامح’ للتسوية، وهي تصلح فقط للبناء عليها من خلال حوار جاد، اذا كان النظام صادقا في قوله انه لا يريد اقصاء لاحد، واذا كانت الجماعة تعلمت حقا، وبالثمن الباهظ، ان كرسي الحكم ليس السبيل الوحيد، ولا الافضل احيانا للنضال اوالمشاركة في بناء الوطن، كما انه ليس مغنما لذاته، بل قد يكون الجلوس عليه صعودا الى الهاوية.
‘ كاتب مصري من اسرة ‘القدس العربي’
هذه خطة استسلام وليس سلام واذا وافق الاخوان على التراجع ولو خطوة واحدة الى الخلف سيتعتبر خيانه للثورة.قال الله تعالى “ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”
هذا مستحيل ..وغير وارد لأسباب :
1- أين تذهب دماء وآلام آلاف الضحايا والمعذبين والمسجونين زورا؟ ومن ينصفهم ويقاصص قاتتليهم وظالميهم؟!
2- ما سبق أن قاله المعلق السابق
3= لأن الموساد الذي أمر السيسي بالانقلاب ..لا يقبل مطلقا بحرية بل بوجود أعدى عدائه وأخطر الناس عليه : الإسلاميين عموما ..والإخوان خصوصا !