القاهرة ـ «القدس العربي»: قال مندوب مصر في الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق، الجمعة، إن بلاده تتعامل مع «سد النهضة» الذي تشيده إثيوبيا، كونه «أمر له مخاطر وجودية» مؤكداً أنه «يحق للشعب المصري حماية حقه في الحياة» في حين، استغربت تونس، انتقادات إثيوبيا لها، عقب بيان مجلس الأمن الذي حض أطراف الأزمة على العودة للتفاوض.
وأضاف عبد الخالق، في تصريحات ردا على بيان لمجلس الأمن يشجع مصر وإثيوبيا والسودان على سرعة استئناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الافريقي، أن القاهرة «لم تكن يوما تعارض حق إثيوبيا في التنمية، لكنها تشدد على أن «الحق في الحياة يعلو ويسمو ولا يعلى عليه».
واعتبر أن «البيان يعكس رغبة مجلس الأمن وتشجيعه للدول المراقبة للعملية التفاوضية لتقوم بدور تسهيل القضايا العالقة للتوصل لاتفاق» موضحاً أن «ما تحقق يعد استجابة طيبة من مجلس الأمن لمطلبي مصر والسودان والتي انعكست في عقد المجلس لجلستين حول قضية سد النهضة خلال عام واحد».
وتوجه، بالشكر إلى تونس، العضو العربي والافريقي في مجلس الأمن الذي «اضطلع بدور بارز للتوصل لهذا المخرج الذي يصدر بتوافق ويعبر عن إرادة جماعية لمجلس الأمن».
تونس ترد
وفي السياق ذاته، أصدرت تونس بيانا رسميا للرد على الاتهامات الإثيوبية ضدها، بعد صدور بيان مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة. وقالت وزارة الخارجية التونسية: «اعتمد مجلس الأمن، يوم 15 سبتمبر/ أيلول 2021، بيانا رئاسيا بخصوص سدّ النهضة الأثيوبي. وقد تقدمت تونس بهذا البيان الرئاسي في إطار التزامها ببعديها الافريقي والعربي ومن منطلق مسؤوليتها في مجلس الأمن، وتجسيما لإيمانها بضرورة خدمة السلم والأمن وتعزيز قيم الحوار والتفاوض». وأضافت أن «تونس حرصت طيلة مسار المفاوضات حول مشروع البيان على التواصل مع كلّ الأطراف المعنيّة، ومع أعضاء مجلس الأمن على مستويات مختلفة، وذلك لتقريب وجهات النظر وبلوغ اتفاق متوازن يراعي مشاغل كلّ الأطراف ومصالحها ويضمن حقّها في التنمية ويبعد المنطقة عن أيّ توتّرات». وتابعت: «بقدر ما تثمّن تونس علاقات التعاون مع إثيوبيا، فهي تعبّر عن استغرابها ممّا تضمّنه بيان وزارة الخارجيّة الإثيوبية الصادر يوم 15 سبتمبر/ أيلول 2021 من تشكيك في التزام تونس الصادق والدائم في الدفاع عن القضايا الافريقية في كل المحافل الدولية وخلال عضويتها في مجلس الأمن».
تنسيق وتشاور
وزادت: «يهمّ الوزارة أن تؤكّد أنه تم، منذ بداية التّفاوض حول مشروع البيان، التنسيق المحكم والتشاور المستمرّ مع كلّ الدول المعنية، وأنّ هذه المبادرة لم تكن موجّهة ضدّ أيّ طرف بل الهدف منها تشجيع الدول المعنية على استئناف المفاوضات بشكل بنّاء، وتثمين الدور المحوري للاتّحاد الافريقي وتعزيز دعم المجموعة الدولية له في رعاية هذه المفاوضات والتوصّل إلى حلّ توافقي». ولفتت إلى أن ذلك «انعكس في اعتماد البيان الرئاسي بالإجماع من قبل كلّ الدول أعضاء مجلس الأمن الذين ساهموا بكلّ جدّية في التوصّل إلى نصّ متوازن تضمّن مختلف المقترحات المقدّمة من قبلهم ومن قبل الدّول المعنيّة».
وجددت تأكيدها على «أهمية المفاوضات سبيلا وحيدا لتجاوز كلّ الخلافات، وحرصها على أن يظل نهر النيل مصدر تعاون ورفاه وسلام وتنمية لكلّ بلدان المنطقة».
وكان مجلس الأمن قد اعتمد الأربعاء الماضي، بيانا رئاسيا يدعو فيه أطراف سد النهضة الإثيوبي إلى استئناف المفاوضات، مشددا على ضرورة العودة إلى اتفاق المبادئ الموقع في 2015.
وعلى الرغم من ترحيب المسؤولين المصريين ببيان المجلس، اعتبر خبراء مياه مصريون، أن البيان، يمثل تخليا رسميا من المجلس عن قضية سد النهضة واعتبرها قضية فنية فقط. محمد نصر الدين علام، وزير الري المصري الأسبق، قال، إن قرار مجلس الأمن بشأن السد الإثيوبي «يفتقد الكثير من قواعد حل المشاكل الدولية أو رغبة حقيقية لنزع فتيل الأزمة». وزاد: «ليس هناك إلزام على التوصل لحل، وليس هناك إطار زمني محدد، وليس هناك شجب لأي تصرفات منفردة، وليس هناك تحديد لقواعد القانون الدولي من عدم إضرار أو عدم الاعتراف، من جانب واحد للاتفاقيات الدولية».
خبراء: بيان مجلس الأمن لم يلزم الأطراف بالتوصل لحل
وأضاف: «أرى أن الصياغة عامة بشكل ملحوظ لإرضاء جميع الأطراف بدون رغبة حقيقية دولية لنزع فتيل الأزمة، وسط انشغال العالم بأفغانستان وإيران، ودون إعطاء أهمية حقيقية لقرارات الجامعة العربية، وسط انقسام عربي واضح للأسف». واختتم: «أشعر أن هناك عدم اهتمام حقيقي من حلفاء الأمس (الغرب) بل وقد يكون هناك دعم أو على الأقل عدم اعتراض على محاولات خلق القلاقل لمصر خاصة مع محاولاتها الناجحة للعودة إلى قلب الحدث في العديد من الأحداث الجارية».
تخل عن القضية
أما، عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، فقد قال، إن المجلس، «تخلى رسمياً عن قضية السد الإثيوبي واعتبرها قضية فنية فقط».
وكتب على صفحته على «فيسبوك»: «لم يأت البيان بأي جديد عما كان متوقعا باستئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الافريقي في إطار مبادئ سد النهضة، ولم يكن يستدعي كل هذا التأخير عن الإصدار لمدة 69 يوماً منذ جلسته الثانية في 8 يوليو/تموز الماضي».
وتابع: «أكد المجلس على أنه ليس جهة اختصاص لنزاعات المياه الفنية رغم أن مشروع القرار التونسي لم يطلب الحل الفني». وأضاف: «بهذا البيان يتخلى مجلس الأمن رسمياً عن قضية سد النهضة ويعتبرها قضية فنية فقط رغم خطورتها في أن تكون سببا رئيسيا في زعزعة الأمن والسلم في المنطقة للتعنت الإثيوبي من جهة ولخطورة مواصفات السد من جهة أخرى، حيث أنه، سوف يشكل قنبلة مائية سعتها 74 مليار متر مكعب». وقال: «يجب الآن طي صفحة مجلس الأمن وحفظها في ملف سد النهضة، والعودة إلى الاتحاد الافريقي الذي بدأ أولى خطوات استئناف المفاوضات بزيارة وزير الخارجية الكونغولى إلى أديس أبابا والخرطوم والقاهرة بهدف الوصول إلى اتفاق قبل فبراير/ شباط 2022 موعد بدء الأعمال الهندسية للتخزين الثالث».
وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أعلن أن مصر تلقت رؤية وخطة عمل من الكونغو الشعبية، الرئيسة الحالية للاتحاد الافريقي، ترسم مسار المفاوضات حول سد النهضة خلال الفترة المقبلة. وأضاف، في كلمة في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكونغولي، كريستوف لوتوندولا، أول أمس الخميس، أن اجتماعهما «ركز على قضية سد النهضة في إطار الرئاسة الكونغولية للاتحاد الافريقي، وفي إطار ما دعا إليه مجلس الأمن إلى استئناف المفاوضات» موضحا أن «خطة العمل التي قدمتها الكونغو، سيتم تحديد الإطار الزمني لها عند إطلاقها».
ولفت إلى «تركيز دعوة مجلس الأمن الدولي حول استئناف مفاوضات سد النهضة، على عنصر الوقت بذكره مرتين، من خلال الاستئناف السريع للمفاوضات، ومرة أخرى بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم في وقت قريب».
وتابع أن «ذلك يدل على حرص أعضاء مجلس الأمن للوصول إلى حل لأزمة سد النهضة، في إطار زمني محدود وليس في إطار مفتوح يتيح المزيد من الإجراءات الأحادية التي تعرقل الأمر». وأشار إلى «تطلع مصر لتلقي الدعوة في أقرب فرصة لاستئناف المفاوضات» مؤكدا «ثقة مصر في قيادة الكونغو الديمقراطية لعملية التفاوض، وأن مصر ترى لدى الرئيس الكونغولي، فليكس تشيسكيدي، الجدية والإرادة للوصول إلى اتفاق لتسوية مشكلة سد النهضة التي تستمر على مدار عقد من الزمان». وأكد «استعداد مصر الكامل ومرونتها في التجاوب ودراسة ما يتم طرحه».
وخلال الأشهر الماضية ارتفعت حدة التوتر بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى بعدما أعلنت أديس أبابا أنها بدأت الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، مما أثار قلق بلدي المصب. وطالبت مصر والسودان مجلس الأمن بوضع اتفاق ملزم قانونا لحل النزاع، بينما أكدت إثيوبيا أن المسألة يمكن حلها من قبل الاتحاد الافريقي.
وخاضت الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، جولات من المفاوضات على مدار عشر سنوات، فشلت جميعها في الوصول لاتفاق ملزم لعملية ملء وتشغيل السد.
واكتمل بناء السد على النيل الأزرق بنسبة 80 في المئة ومن المتوقع أن يصل إلى طاقة التوليد الكاملة في عام 2023، مما يجعله أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في افريقيا.
وتقول إثيوبيا إن المشروع الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار ضروري لتعزيز التنمية الاقتصادية، وإمداد الغالبية العظمى من سكانها بالكهرباء.