الربيع العربي لم يكن عربياً. كان ربيعاً اسلامياً بل كان، تحديداً، ربيع الإسلام السياسي.
في ربيع الإسلام السياسي، صعد الاخوان المسلمون في تونس ثم في مصر الى الصدارة، صدارة المجتمع السياسي ومن ثم صدارة السلطة السياسية. الصعود الى السلطة تمّ بسرعة قياسية. لهذه الظاهرة اسباب عدّة ابرزها: التنظيم اللافت الذي يتمتع به الاخوان المسلمون في مصر وفي تونس (حركة النهضة)؛ تعاونُ الجيش مع ‘الاخوان’، بادئ الامر، في مصر ووقوفه على الحياد إزاء الإسلاميين عامةً و’حركة النهضة’ خاصةً في تونس؛ وتقبّل الولايات المتحدة لتيار الاخوان المسلمين والتهيؤ لاعتماده اساساً لأنظمة سياسية بديلة على مستوى المنطقة.
كرّس الاخوان المسلمون استيلاءهم على السلطة بفوزهم في الانتخابات البرلمانية في تونس، والانتخابات الرئاسية في مصر. في كلا البلدين حاول ‘الاخوان’ إرساء قاعدة للشرعية السياسية محورها صندوق الاقتراع بما هي، في ظنهم، الشرعية الديمقراطية.
في التفكير والتدبير، ثمة فارق كبير بين شرعية صندوق الاقتراع والشرعية الديمقراطية. فشرعية الصندوق تنطوي في الواقع على مفهومِ حاكمية الله من خلال سلطة يقودها ويمارسها باسم الشريعة العلماء وشيوخ الدين، اي قادة الاخوان المسلمين انفسهم. في المقابل، تعني الشرعية الديمقراطية حاكمية الشعب من خلال انتخابات حرة، نزيهة تُفرز اكثريةً واقلية، تمارسان السلطة او المعارضة في إطار دستورٍ يكون قد جرى إقراره بإرادة غالبية الشعب.
الاستيلاء المبكر للاخوان المسلمين على السلطة في مصر اثار كل القوى غير الإسلامية المعادية، كما القوات المسلحة، ذلك ان هؤلاء جميعاً لمسوا في ممارسة ‘الاخوان’ امرين خطيرين: وضع اليد على مفاصل الدولة، ومحاولة إقصاء المنافسين عن المجتمع السياسي.
في تونس، اثار استيلاء الاخوان المسلمين (حركة النهضة) على السلطة كل القوى غير الإسلامية، لكنه لم يُثر الجيش… بعد.
لعل نقطة التحّول الفاصلة في علاقة الجيش المصري مع ‘الاخوان’ تمثلت في شروع ‘الاخوان’ بوضع ايديهم بصورة منهجية على مفاصل رئيسة في ‘الدولة العميقة ‘، الامر الذي اثار الجيش. فالقوات المسلحة كانت دائما محور الدولة العميقة ومسيّرُها، وتبدو مصممة على الاحتفاظ بهذا الامتياز.
نقطة التحوّل الفاصلة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين في تونس تمثلت في اغتيال زعيم التيار الشعبي النائب محمد البراهمي في رابعة النهار امام منزله، تماماً كما تمّ قبله اغتيال القائد اليساري شكري بلعيد.
في يوم الجمعة 26 تموز/يوليو تفجّر الصراع ميدانياً في مصر وتونس، إنها جمعة دمغ الاخوان المسلمين بالإرهاب والنستحصال على تفويض شعبي بمواجهتهم وإقصائهم نهائياً عن السلطة. في ذلك اليوم الرمضاني الساخن، بدأ خريف الاسلام ‘الاخواني’ في مصر وربما في سائر انحاء عالم العرب.
ظاهر الحال، ولاسيما مرأى الحشود الشعبية المليونية، يشير الى ان قادة الجيش وجبهة الإنقاذ وثوار 30 يونيو في مصر، وقادة المعارضة الشعبية والديمقراطية في تونس استحصلوا من الشعب على التفويض المطلوب لإقصاء ‘الاخوان’ تحت يافطة اتهامهم بالإرهاب الاسود.
ماذا بعد؟ هل هي الحرب الاهلية؟
لعل الحرب بدأت في سيناء غداة انتخاب الرئيس محمد مرسي وتصاعدت بعد إقصائه. الارجح ان الاضطرابات الامنية ستتفاقم في شوارع مدن مصر الكبرى، خصوصاً اذا ما ردَّ الاخوان المسلمون على اتهام مرسي بارتكاب جرائم خطيرة ومشينة باللجوء الى العنف ضد الجيش وقوى الامن ومؤيدي جبهة الانقاذ وثوار 30 يونيو. حتى لو ثابر الاخوان المسلمون على الإنكار، إنكار وقوف غالبية الشعب الساحقة ضدهم والى جانب القوات المسلحة وجبهة الإنقاذ وحلفائها، ومثابرتهم على عدم الإقرار بأن صفحة مرسي قد طويت ومعها سلطتهم الشمولية، فإن ذلك كافٍ بحد ذاته لإطلاق حال من الاضطراب السياسي والامني تدوم شهوراً وربما سنوات.
اضطرابات سياسية وامنية مشابهة اندلعت في تونس بسبب تمسك حركة النهضة العنيد بنظامٍ إسلاموي ما عادت غالبية التونسيين قادرة على احتماله او التعامل معه.
باختصار، تشهد مصر، كبرى دول العرب، ثورةً شعبية ضد الإسلام السياسي، ولا سيما ضد جماعة الاخوان المسلمين بشتى تلاوينها. الثورة تقودها القوات المسلحة، مدعومةً بالقوى غير الإسلامية من ناصريين وليبراليين ويساريين. وهي ثورة محورها الاساس في مصر، إنما لها مناصرون ومقلّدون ومريدون وشركاء ميدانيون في تونس وليبيا وسورية والعراق ولبنان وفلسطين.
اين تقف الولايات المتحدة مما جرى ويجري؟
امريكا محرجة. كانت راهنت على الإسلام السياسي، ولاسيما على الاخوان المسلمين، لكن التصادم بين ‘الاخوان’ والجيش أقلقها وصعّب عليها مهمة الاختيار بين فريقين كلاهما صديق، هذا قادها الى التزام الحياد الايجابي بين الجيش و’الاخوان، في هذا السياق، طلبت من حلفائها الاوروبيين ان يشاطروها موقف مطالبة الجيش المصري وحلفائه بالإفراج عن مرسي والترفّق بأنصاره من الإخوان المسلمين. لكنها شجعت اصدقاءها الخليجيين على دعم الحكم الجديد في القاهرة بمليارات الدولارات، هكذا تبدو وكأنها تقول لنفسها: ايتها السحابة، امطرِ حيث تشائين فخراجك عائد اليّ!
الى اين من هنا؟
ثمة احتمالات ثلاثة تلوح في افق المشهد السياسي:
اولاها، ان يتحوّل الصراع من فتنة سنية شيعية على مستوى المنطقة الى صراع بين قوى الإسلام السياسي، وفي مقدمها الاخوان المسلمون، من جهة والقوى غير الإسلامية وفي مقدمها الناصريون واليساريون والليبراليون من جهة اخرى.
ثانيها، ان يعود الصراع الاقليمي من حاضرٍ ظاهره صراعٌ بين العرب وايران الى صراعٍ بين العرب و’اسرائيل’، كما كان في النصف الثاني من القرن الماضي.
ثالثها، ان تعود قوى الناصرية واليسار الى الصعود بعد انحسارٍ بدأ عقب هزيمة 1967، وان تتحد لمواجهة احتمال عودة العسكر الى الانفراد بالسلطة.
التحديات كثيرة، وكذلك التداعيات، لكن فرص المواجهة تتزايد، كذلك التصميم على اغتنامها.
والصراع مستمر.
‘ كاتب لبناني
لقد فشل الإسلام السياسي في مصر لانه رهن الدين بالحكم فاصبح مثله مثل أي فصيل سياسي لا يعمل لمصلحة الوطن أو حتى الدين