هذا العنوان ليس من عندي. انه من عند صحيفة ‘ المصري اليوم’ الصادرة في العشرين من مارس الحالي. الصحيفة المصرية ارادت ان تقول ان ما يحدث في مصر اليوم من فوضى شبه كاملة هو نوع من الهبوط للدولة المصرية مما كانت عليه من تماسك قبل ان تهب عليها رياح الثورة. وعندما تقول صحيفة شابة ومشبعة بروح الثورة وعنفوانها، فان هذا في حد ذاته حصاد مر وبائس لثورة الشباب ان لم نقل انه حصاد الهشيم. آمال الشباب الذي فجر الثورة وقدم مئات الضحايا كانت اكبر من هذه الحصيلة البائسة. الشعب المصري نزل من قطار حسني مبارك المتدحرج نحو الهاوية بعد ثلاثين عاما قضاها يبحث عن رغيف الخبز سهل المنال، وعن كرامة ومكانة وسط الامم الراقية. آمال الشعب المصري في ثورة الشباب كانت اكبر من رغيف الخبز. ولكن الشعب اكتشف ان قطار (الجماعة) الذي استبدله بقطار حسني مبارك تتنازعه اياد كثيرة غير مدربة وغير مستعدة. واظهرت هذه الايادي ركاكة في الادارة تفوق الوصف. تلك كانت خيبة امل كبيرة وغير متوقعة. فلاسفة التنظير والتبرير لم يتأخروا في ملء الساحات بنظرياتهم. بعضهم قال لنا ان قطار الثورة يتلجلج في مساره لأن الذين يقودونه اليوم لم يكونوا من الثوار أصلا. بل انهم مجموعة انتهازية اختطفت قطار الثورة في المحطة الاخيرة. آخرون قالوا لنا انهم يفتقدون الفكر الثوري الحقيقي وفاقد الشيء لا يعطيه. مجموعة تنظيرية ثالثة قالوا ان (الجماعة) لا قدرة لها على شقلبة الاوضاع المائلة وتسكينها في وضع جديد يليق بالثورة. المهم ان الجماعة اخذت تمارس التجريب في الشعب بلا هدى. وعندما خذلتها نتائج التجريب، استشاط بها الغضب والحنق، فكشرت عن انيابها للشعب لتخويفه. لقد وضح انها لم تكن تدري ان الشعب قد غادر محطات التخويف يوم غادر قطار حسني مبارك مغاضبا. ورد الشعب الجديد بغضب في المقطم. واظهر تمردا غير مسبوق ضد الجماعة. بعضهم أخذوا القانون في ايديهم بالصور التي عكسها الاعلام المصري المقروء والمسموع والمشاهد الذي كتب، ونشر، وبثّ العديد من الوقائع الصادمة عكست مظاهر الفوضى التي اخذت تضرب مصر في مقتل هذه الايام. خذ مثلا الصورة الصادمة التي تداولتها الوسائط الاعلامية المصرية مؤخرا، قرية كاملة اخذت القانون في يدها، وخرجت تطارد من ظنتهم مجرمين. وعندما القت القبض عليهم لم تسلمهم الى الجهات العدلية كما يجب، انما نفذت فيهم ما اسمته حد الحرابة بقتلهم وسحلهم وتعليق جثثهم على الاعواد كما يعلق الجزار خرافه المذبوحة. كل ذلك في غياب كامل للدولة وللشرطة وللقضاء. المؤلم الاضافي في هذه الواقعة هو ان الاعلام المصري في تغطيته لهذه الواقعة لم يبد رفضا واضحا لها. بل ربما بدا اقرب الى تأييدها بحجة انها نوع من التصدي للبلطجة. لقد حكى الاعلام تفاصيل القتل والسحل والتعليق على الاعواد بما يشبه الحياد وبدم بارد، كأن هذه الجثث المعلقة لا تعود لآدميين. يحدث هذا في دولة عمرها سبع آلاف سنة. كيف جاز للدولة الحضارية الاولى في المنطفة ان تصمت ولا تهتم حتى بالتعليق على الحادثة الصادمة او باصدار بيان عنها وادانتها؟ هذا سؤال محير وينتظر الاجابة. والقضاء المصري بكل مراحله الممتدة كيف غاب عن هذه الحادثة، او كيف غيب؟ او كيف سكت عن تغييبه عن هذه الحادثة. وكيف يطمئن هذا القضاء لمستقبل العدالة في مصر. وتقاعس قوات الشرطة وقوات الامن المتعمد. واشتراك بعض هذه القوات في الاضرابات، وانخراطها في نشاطات سياسية هو احد مظاهر الهبوط السلبي الذي ارادت الصحيفة التنبيه اليه. ما قامت به بعض تشكيلات الشرطة المصرية في الاسابيع الماضية ادى الى المزيد من الانفراط فى الامن العام وتسبب في انهيار شبه كامل للقانون والنظام. وشجع كثيرين على اخذ القانون في ايديهم. نختم بالدعوة الصادقة لمصر الكنانة بالهبوط الآمن في نهاية المطاف. وان يتوقف مسلسل الهبوط السلبي الذي يعكسه عنوان الصحيفة المحزن. د. علي حمد ابراهيم qmn