القاهرة ـ «القدس العربي»: قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أمس الخميس، إن بلاده ما زالت تعمل في إطار المفاوضات لحل أزمة سد النهضة، مؤكداً أن هناك قدرا من التعنت من الجانب الإثيوبي، والمرونة من الجانب المصري والسوداني في المفاوضات.
وأضاف في كلمته أمس خلال اجتماع لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب
«الدولة المصرية بدأت مفاوضات سد النهضة منذ فترة طويلة وكان آخرها جولة المفاوضات التي عقدت في كينشاسا يومي 4 و 5 أبريل/ نيسان الحالي، وشهدت جميع المفاوضات قدرا عاليا من التعنت من الجانب الإثيوبي وعدم الرغبة في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم للدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا.
وتابع: دائما نسعى للتوصل إلى حلول للتشاور والتواصل، وهناك طرح لتدعيم دور المراقبين لهذه المفاوضات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإتاحة فرصة للمراقبين لتوفير بعض الحلول لعدد من القضايا الفنية التي لم تتم في كينشاسا نظرا لاعتراض الجانب الإثيوبي.
تشدد إثيوبي
وتابع: لمسنا تشددا في الموقف الإثيوبي، ولكن من الأهمية أن نستمر في سعينا حتى لو كان الوقت قليلا، للتوصل إلى هذا الاتفاق، وكذلك حتى يكون واضحا أمام المجتمع الدولي أن هناك تعنتا إثيوبيا أدى لهذه النتيجة. حتى عندما نلجأ إلى المجتمع الدولي ونحمله مسؤولياته في هذا الشأن يكون واضحا تماما أن مصر قد استنفدت كل الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق، وأن الأعمال الاحادية التي قد تتخذ لها واقع وأثر ضار على دولتي المصب مثلما كان الحال في العام الماضي بالنسبة للسودان، وقد يكون أخطر بكثير هذا العام.
ودعا المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته وحماية الضرر الواقع على دولتي المصب.
وزاد: بحكم الرؤية بعيدة المدى للقيادة السياسية لمصر على مدى العهود الماضية، والجهد الذي بذلته مصر لإقامة السد العالي والادارة الرشيدة لمواردها المائية والاتفاق على وسائل الري الحديث وإعادة تدوير المياه والتحلية وخلافة، ولكن في المقام الأول وجود السد العالي وخزانه يعطي مصر القدرة على استيعاب كثير مما يترتب على ملء خزان سد النهضة، ولكن هذا أمر يتم تقديره من الناحية الفنية.
وأكد أن الخطوات المقبلة التي ستتخذها مصر مرهونة بمدى الضرر الذي يقع على مصر، وأنه في حال عدم وجود ضرر نظرا لوجود وفرة في مياه الفيضان والقدرة على إعادة ملء خزان سد أسوان، يمكن تصور أن الأمر يسير بدون وقوع ضرر على مصر، أما إذا وقع ضرر فهنا تعمل كل أجهزة الدولة على التعامل مع هذا الضرر والتصدي له وإزالة أي أثر له، وكل الإمكانيات والقدرات متوفرة لدى الدولة وأجهزتها المختلفة.
وزاد: نقدر ونهتم للضرر المحتمل الكبير الذي قد يقع على أشقائنا في السودان في ظل قرب الملء الثاني لخزان سد النهضة بعد ثلاثة أشهر وهذا شيء لا نرتضيه.
وتابع: التقييم الفني يشير أنه لن يقع ضرر على مصر في حال قيام الجانب الإثيوبي بالملء الثاني وهذا في إطار التوقع ولكن كل شيء مرهون بدراسات وتقييم دقيق على أرض الواقع لما يحدث بالفعل، وأجهزة الدولة ترصد كل ذلك بشكل يومي، لأن هذه القضية وجودية وقضية حياة مرتبطة بحياة الشعب المصري ولا تهاون فيها ولا تعامل معا إلا بكل جدية والتزام.
«عدم الإضرار بالدول الأخرى»
وردا على سؤال لجنة الشؤون الأفريقية حول نية إثيوبيا إقامة سدود أخرى، قال وزير الخارجية: لديهم مشروعات للسدود على النيل الأزرق، وهذه الأمور يجب أن تخضع لقواعد القانون الدولي لتكون مثالا يحتذى به في كل السدود اللاحقة دون إثقال على الجانب الإثيوبي، وبما لا يضر بدول المصب في إطار قواعد الأنهار العابرة للحدود.
شكري قال إنه لا توجد دول صديقة تموّل ولكن هناك شركات تقوم بذلك
وقال: من حق الدولة المتضررة أن تحافظ على حقوقها وحقوق شعبها، وأي سدود لأنهار عابرة للحدود يجب أن تخضع للدراسات الإنشائية والتأثير البيئي والتأثير على دول المصب بخلاف دراسة الجدوى الاقتصادية والبيئية، وعدم الإضرار بالدول الأخرى.
وبين أنه لم تتم موافاة الجانب المصري والسوداني بالدراسات الكافية التي يتطلبها بناء سدّ النهضة.
تمويل السّد
وتابع: لا توجد دول صديقة ذات علاقات وطيدة مع مصر تمول سد النهضة، ولكن هناك شركات تقوم بذلك، مشيرا إلى أن لا توجد دول تمول سد النهضة بشكل مباشر وكل شركائنا الدوليين يرون أن مشروع سد النهضة محل خلاف بين الدول الثلاث، لذلك تتجنب الانخراط في أزمة تمويل السد.
وأضاف: لا نعيش في عالم مثالي، وهناك شركات تابعة لبعض الدول تستخلص مصالح مالية من المشاركة في تمويل بناء السد.
وتابع: لم تتم دراسة الأضرار البيئية لبناء السد على الدول المحيطة بالنيل الازرق، وبعض الأموال تصل لإثيوبيا في شكل تمويل تنموي إنساني.
في السياق، طالب النائب شريف الجبلي، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب، وزارة الخارجية بتولي عملية التنسيق بين الوزارات والجهات المعنية لتوحيد الجهود لتفعيل الشراكات المختلفة مع دول القارة الأفريقية.
وقال: نحتاج إلى استراتيجية واضحة لتحقيق التعاون المثمر مع جميع دول القارة الأفريقية، ويجب على الخارجية المصرية أن تكون هي المنسق بين جميع الوزارات لزيادة حجم التعاون داخل القارة الأفريقية. ولمسنا من خلال اجتماعات اللجنة في الفترة الماضية أن هناك بالفعل جهودا مبذولة ولكنها تحتاج إلى آلية لتوحيدها حتى لا يهدر هذا الجهد.
كما طالب بضرورة تفعيل النواحي الثقافية بين مصر والقارة الأفريقية، لافتا إلى أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال مراكز ثقافية مصرية والاعتماد على القوى الناعمة، كذلك عمل مشروعات نموذجية والصحة.
وشدد على ضرورة الاهتمام بتمثيل مصر داخل المنظمات التجارية الكبرى في القارة الأفريقية والعالم، مسترشدا في ذلك بضرورة تمثيل مصر بموظف مدرب داخل منظمة التجارة الأفريقية الحرة، والكوميسا والاتحاد الأفريقي.
وقال: وجودنا في القارة الأفريقية هو مستقبل لمصر، ويجب استغلال البنود الخاصة باتفاقية التجارة الحرة إذا كنا نريد العمل بشكل مختلف داخل القارة الأفريقية. كما طالب بضرورة الاهتمام بالوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.
ورد شكري بالقول: رغم الإمكانات الضعيفة لوكالة التنمية، لكنها تعمل بشكل ضخم من خلال تدريب الأشقاء الأفارقة وخلق روابط ثقافية بين مصر والأشقاء الأفارقة. وأشار إلى أن هذه الوكالة تحتاج إلى دعم وهو أمر مرهون بزيادة اعتمادها بموجب الموازنة العامة الجديدة المعروضة على المجلس.
وزاد: الوكالة تقدم أيضا الخدمات الصحية، وهناك استراتيجية مدروسة لتنمية العلاقات مع أفريقيا.
في الموازاة، حمّلت إثيوبيا كلا من مصر والسودان مسؤولية فشل مفاوضات كينشاسا، وقالت إن تقويضها يهدف إلى تدويل ملف سد النهضة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، في مؤتمر صحافي، إن هناك تفاهمات أفريقية بأن مشاكل القارة تتم حلحلتها عبر المنابر الأفريقية، لكن أثناء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي تم نقل ملف سد النهضة إلى الولايات المتحدة.
وتابع: أثناء رئاسة الكونغو الديمقراطية تم اقتراح الرباعية الدولية ومساواة دور المراقبين مع دور الاتحاد الأفريقي، وهذا يعتبر تقليلا من دور الاتحاد وتجاهلا لجهوده.
وزاد: السودان هو أكثر المستفيدين من سد النهضة، لكن المكوّن العسكري في الحكومة السودانية لا يخدم قضية السودان فيما يتعلق بملف السد، وإنما يخدم مصالح طرف آخر.
وأضاف: نحن بددنا كافة مخاوف السودان بدعوة الخرطوم لترشيح مشغلي سدود لتبادل البيانات والمعلومات، لكنَّ رفض السودان لهذه المبادرة يعكس أن هناك طرفا في الحكومة السودانية لا يخدم مصلحة الشعب السوداني بقدر ما يخدم مصالح طرف آخر.
وتتفاوض الدول الثلاث منذ 2011 للوصول إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله، لكنها رغم مرور هذه السنوات أخفقت في الوصول إلى اتفاق. وتبني إثيوبيا السد على النيل الأزرق الذي ينضم إلى النيل الأبيض في السودان لتشكيل نهر النيل الذي يعبر مصر. وترى أنه ضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية، في حين تعتبره مصر تهديدا حيويا لها، إذ تحصل على 90 ٪ من مياه الري والشرب من نهر النيل.