مصر صنعت قلبها ليعيش إلى الأبد
وإلى تضارب وجهات النظر والخلافات الشديدة بسبب المعركة على منصب رئيس الجمهورية بين السيسي وحمدين، وامتدت من الرجال إلى النساء، حيث واصلت زميلتنا الجميلة في مجلة ‘آخر ساعة’ سلمى قاسم جودة، وهي ابنة زميلنا المرحوم الصحافي والكاتب البارز في الخمسينيات والستينيات ورئيس تحرير ‘الأخبار’ الأسبق أحمد قاسم جودة، البحث عن أصول تاريخية وفكرية للسيسي بعيدا عن خالد الذكر، فرأيناها في العدد الماضي تجعله أقرب إلى نجيب محفوظ، ثم في العدد الحالي ليوم الثلاثاء تشبهه ببطل رواية الحرافيش لنجيب وهو عاشور الناجي، قالت وهي تهاجم زميلتنا الجميلة والإعلامية الناصرية فريدة الشوباشي:’اليوم يثبت المصريون أنهم يتقنون صنع المعجزات عبر وجودهم، يقول توفيق الحكيم أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الأهرام لن تعجز عن الإتيان بمعجزة أخرى أو معجزات، أمة يزعمون أنها ميتة منذ قرون ولا يرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء بين رمال الجيزة. لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش إلى الأبد. لقد لمس المشير السيسي هذا القلب المتعطش للعطاء عندما تحين الساعة وتصبح اللحظة آمرة ناهية، فهو شعب لديه عبقرية البقاء والصبر الجميل. إن السيسي يراهن على هذا القلب وتلك الخبيئة والكنز الدفين الذي تناوب عليه حكام لم يتواصوا أو يتوحدوا بدفء وتواضع مع تلك الروح صاحبة التجليات المدهشة في خضم محنة الوجود، فمصر تتربع فوق عرش الثبات تتجسد في أبو الهول هو يشاهد الزمن يلهث ويتسرب، وهو صامد صامت. القرين الأبدي للتاريخ الضمير الجمعي المصري هزم الهزيمة في 1967، ولكن أثقل كاهله وأنهكه الانحناء للطغاة الذين اتقنوا الاستعلاء على رعيتهم .وأرجو للمرة المليون عدم مقارنة المشير السيسي بجمال عبد الناصر، هو صاحب صفحة بيضاء ناصعة فقط مرصعة بالبطولة، لماذا الإصرار على تحميله ميراثا من الهزائم والقهر والتفريط في الأرض. إلى فريدة الشوباشي مع احترامي، لماذا متلازمة عبد الناصر من 1967 إلى سجن الواحات إلي حرب اليمن إلى ضياع السودان وسيناء، كفاكم متاهة نظرية المقارنات والمرجعيات الوهمية. الماضي له مزاياه وخطاياه نحن أبناء اللحظة الخطرة ولا توجد مقارنة بين الإقطاع قبيل 1952 والآن، فالباشوات والبكوات فقط كان لديهم منزل في المصيف، أي الإسكندرية والعزبة، أما اليوم فالصفوة والنخبة تحظى بحفنة من المنازل في قلب العاصمة ثم القطامية والمنصورية ربما أكتوبر التجمع والعين السخنة الغردقة شرم الشيخ مارينا. السيسي نجم ساطع، لتحيا مصر وهبنا ‘قبلة الحياة ‘، إنه يذكرني بعاشور الناجي في حرافيش نجيب محفوظ، استجاب للرؤيا والنبوءة فنجا بأسرته من الوباء ومن عودة الروح، لا تعجب لهذا الشعب المتماسك المتجانس المستعذب للتضحية إذا أتي بمعجزة أخرى غير الأهرام’.
شعب مصر قوي الشكيمة
مهاب أشعل ثورتين كبيرتين في عامين
طبعا هي تعتمد في تشبيه السيسي بعاشور الناجي لأنه من حي الجمالية، حيث دارت معظم روائع نجيب محفوظ، لكن مشكلتها انها تخلط بين المراحل التاريخية وتعتبرها واحدة، وتحمل بعضها مشاكل الأخرى فما دخل خالد الذكر ونظامه بما حدث من تفاوت طبقي رهيب وسرقات من بعده، ثم لماذا لا تقترب من سعادة السيسي بتشبيهه بخالد الذكر وإشادته به ما دامت مؤيدة له فبدلا من مهاجمته تستدير لمهاجمة جميلة مثلها هي فريدة الشوباشي. وهذا الهجوم يدفعنا إلى البقاء في دائرة معارك الجنس الناعم حول السيسي، مثلما كان حالهن مع خالد الذكر، ففي العدد نفسه من ‘آخر ساعة’ قالت الجميلة زميلتنا أمل فؤاد ـ ناصرية:’أخشى أن نصاب نحن المصريين بداء الانهزامية والإحباط والانسحاب قبل أيام من بدء الانتخابات الرئاسية المزمعة قريبا، فمنذ هزيمة يونيو/حزيران 1967 عندما سحقت القوات الإسرائيلية المعادية قواتنا المسلحة على أرض سيناء، داهمتنا حالة اكتئابية سحبت عزيمتنا، التي سرعان ما اتشحت بالجسارة مرة أخرى في حرب الاستنزاف التي امتدت من عام النكسة حتى عام 1969.
وبعد حالة انهزامية أخرى انعكست في ثورة الطلبة عام 1972 احتجاجا على حالة اللاسلم واللاحرب، كانت مفاجأة العبور يوم 6 أكتوبر/تشرين الاول 1973 دافعا لرفع الروح المعنوية للشعب، حتى أنه لم تسجل أقسام البوليس أي بلاغات عن أي سرقات أو جرائم في هذه الأثناء.
أما الانتخابات الرئاسية المنتظرة قريبا فإنها قد تتأثر شعبيا بحوادث الإرهاب اليومية التي تغتال خيرة شباب الشرطة والجيش، وبالفعل أعترف بأنني أحد الذين أصابهم النكد والإحباط من غياب قدرة الدولة على حسم كارثة الإرهاب، لكن ذلك الإحباط لن يمنعني بإذن الله من المشاركة في انتخاب الرئيس القادم لمصر.
خرج الملايين يوم 30 يونيو/حزيران 2013 في مشهد غير مسبوق، ينددون بحكم الرئيس محمد مرسي، رافعين راية التمرد ضده وضد جماعته الإرهابية وقد استجاب لهم الجيش بإنهاء حكم مرسي. إذن هي إرادة شعب أمر فاستجاب له جيشه، كما استجاب من قبل في 25 يناير/كانون الثاني 2011 فأنهى بأمر الشعب حكم مبارك الذي كان على رأس الجيش، ومع ذلك لم يمتنع الجيش عن تنفيذ إرادة الشعب بالضغط عليه للتخلي عن السلطة والمثول مع أبنائه ورجاله خلف قضبان العدالة، ولا يجب أن نصاب بالإحباط أو الخوف والانسحاب، بل يجب أن نشارك في الانتخابات لأننا شعب قوي الشكيمة مهاب أشعلنا ثورتين كبيرتين في عامين’.
هل سينظف السيسي
الوطن من حملة المباخر؟
ونظل داخل مؤسسة ‘أخبار اليوم’ التي تصدر ‘آخر ساعة’ لنكون يوم الثلاثاء مع جميلة أخرى هي زميلتنا نهاد عرفة ـ ناصرية ـ وهي تقول:’كل ما أتمناه أن ينسحب المنافقون من المشهد، نراهم في حملة المرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي، بعد أن وجدوا أن الكفة تميل ناحيته، الوجوه نفسها التي رأيناها في المشهدين السابقين المشهد المباركي والمشهد الإخواني، هؤلاء يعلمون أننا نعرفهم جيدا ولا يهتمون، هم متأكدون أننا نلفظهم ولكن لا يفقهون، هم حملة المباخر وكهنة فرعون أقذر مهنة على وجه الأرض، فهل يعلمهم المشير السيسي هل يراهم مثلما نراهم، هل يلفظهم مثلما نلفظهم، هل سينظف الوطن منهم؟ آمل ألا يخذلنا وألا يكون لأحد منهم مكان حوله حين يعتلي كرسي الرئاسة، لقد مللنا هذا المشهد وسئمنا منه، وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من هؤلاء المنافقين وأنزل سورة كاملة تتحدث عنهم’.
محمد علي بنى دولة فتية
وقومية وحديثة
وإذا تركنا النساء إلى الرجال وما يقولون فقد أزعجنا زميلنا في مجلة ‘المصور’ عادل سعد الذي طلب قراءة الفاتحة على روح محمد علي باشا مؤسس الأسرة المالكة العلوية، ثم أنقض مهاجما خالد الذكر بقوله:’على مدى أيام تتبعت كلمات المرشح المحتمل للرئاسة عبد الفتاح السيسي ومنافسه حمدين صباحي بأن كليهما، بناء على تصريحات عدد من الزملاء الصحافيين، يقتفي آثار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والحقيقة لم أفهم لذلك معنى سوى أن البعض يخدع كلا المرشحين، والشعب يتبنى مشاعر زائفة. تسلم عبد الناصر مصر من الملك الفاسد فاروق وعلمها الأخضر ترفرف بداخله ثلاثة نجمات، نجمة السودان ونجمة فلسطين ونجمة مصر، ومات واسلم الحكم للرئيس أنور السادات والمملكة المصرية نصف نجمة بعد أن احتلت إسرائيل سيناء وانفصل السودان وضاعت فلسطين.
والسؤال هل الرئيس القادم سيفعل مثل عبد الناصر ويعلن الحرب على أمريكا وإسرائيل ويلغي البورصة ويؤمم الصحف المستقلة والحزبية ويعين ضابطا على رأس كل مؤسسة صحافية، ويؤمم الشركات والبنوك والمصانع ويصادر الأراضي الزراعية ويعيد توزيعها على الفلاحين ويلغي الأحزاب والمجتمع المدني. لن ينفع الرئيس القادم شعبية ولا عواطف جارفة، لأن الشعوب تقاد نحو مصلحتها أحيانا بالقوة، وكان محمد علي يخطف الأطفال من الشارع لإدخالهم المدرسة، بحيث يقيم الطفل بمدرسة داخلية ويتناول ثلاث وجبات يوميا وكسوة صيفية وشتوية، ويحصل على راتب، وكان يختطف الشباب من القرى والشوارع لتكوين جيش وكان المصريون يقاومون بشدة ذلك، لكنه لم يسقط في شرك استرضاء الشعب والعواطف وبنى دولة فتية وقومية وحديثة والفاتحة لمحمد علي’.
مسحوق المشير
لغسيل السمعة!
وفي الحقيقة فإن قارئ التاريخ المصري الحديث لا ينكر دور محمد علي باشا الذي تولي حكم مصر عام 1805 في بناء دولة حديثة تحت حكم السلطان العثماني، ثم تمرد عليه وحاربه حتى وصلت جيوشه بقيادة ابنه إبراهيم إلى جبال طوروس بعد أن اجتاح الشام كلها، وهي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن حاليا واتجه جنوبا نحو منابع نهر النيل واحتل السودان .
لكن تحالف دولة الخلافة الإسلامية مع بريطانيا وروسيا القيصرية هاجم الأسطول المصري ودمره عام 1840 وأرغم محمد علي على توقيع اتفاقية بسحب قواته من الشام والخضوع لسلطة الخليفة وتسريح الجيش والإبقاء على ثمانية عشر ألفا فقط، وتفكيك مصانع الأسلحة والترسانة البحرية التي أنشأها على النيل في بولاق، مقابل أن يظل حكم مصر في أسرته بموافقة الدولة العثمانية. فهل سيشن السيسي حربا على إسرائيل وسوريا ولبنان وفلسطين ليستعيد أول نجمة، ثم يهاجم السودان ويعيد احتلالها شمالا وجنوبا لاستعادة نجمة ثانية، ويغير العلم المصري إلى اللون الأخضر؟ والله فكرة لابد أن يدخلها السيسي في برنامجه الانتخابي ويلتزم أمام الشعب بتنفيذها. أما بالنسبة لقيامه بالقبض على أطفال الشوارع فإنه أعلن من قبل أنه سيتم جمعهم وتدريبهم على حرف والحقيقة أن هذا المشروع كانت قد بدأته السيدة سوزان مبارك قبل ثلاثة أعوام من الإطاحة بنظام مبارك بعد أن انفجرت فجأة فضيحة التوربيني والاعتداءات الجنسية على أطفال وبنات الشوارع وقتلهم .
لكن قبل ذلك اقترح زميلنا وصديقنا حمدي رزق ـ ناصري ـ في عموده اليومي المتميز في ‘المصري اليوم’ (فصل الخطاب) على السيسي أن يتخلص من نوعية معينة من المحيطين به فقال عنهم وهو متأفف:’أخيرا نطق السيسي.. لن يعطي أحدا شيئا، ولن يسمح لأحد بأن يغسل سمعته، السيسي غسل نفسه فضائيا بقي أن يغسل نفسه واقعيا بأوامر صارمة لحملته بأن تمنع أي وسخ من الاقتراب من شاطئ نهر حملة سعادته، تحذير ممنوع إلقاء مخلفات الفلول في النهر كل زلنطحي هارب من 5/30 يتحدث باسم المشير عامل فيها بغبغان سياسي وكل مسجل خطر ماليا وسياسيا يدخل علينا بعبوة مسحوق المشير لغسيل السمعة يعرفك بنفس سعادته أنا عضو في حملة المشير’.
أحمد رجب: السيسي
كأنك تعرفه من سنين
وفي ‘أخبار’ اليوم نفسه الأربعاء قال زميلنا إمام الساخرين أحمد رجب في رائعته اليومية (نص كلمة):’هذه قصة عجيبة تحدث أحيانا لكثيرين فلقد التقيت بإنسان مهذب ما هذا؟ إنه إنسان اعرفه ألم نلتق من قبل؟ أبدا هل تواجدنا من قبل مع أصدقاء مشتركين؟ لا وتجهد ذاكرتك أكثر فهو إنسان مألوف جدا فأنا أرتاح إليه وأرتاح إلى كلامه أعرف يا ناس من زمان هذا الرجل الودود أعرفه فعلا، واكتشفت في النهاية أنني أمام عبد الفتاح السيسي الذي يشعرك من أول لقاء أنك تعرفه من سنين.
السيسي ركن الثورة والثوار جانبا
ورجب يشير فعلا إلى تمتع السيسي بهذه الخاصية التي يلحظها من يستمع إليه، لكن الأديب والطبيب صديقنا محمد المنسي قنديل، الذي زاملني عام 1979 في إنشاء جريدة ‘الراية’ القطرية تحت رئاسة زميلي وأخي العزيز الناقد الأدبي المرحوم رجاء النقاش، كان له رأي آخر في اليوم ذاته في مقال له بجريدة ‘التحرير’ إذ فضل حمدين على السيسي لأنه كما قال عن رجال نظام مبارك:’كان ظهور الفريق السيسي هو المعادلة الصعبة التي اكتشفوها، فهو رجل خرج من صلب الدولة ويظفر مع ذلك بالشعبية وبمحبة الناس، في الوقت ذاته لم يكتف فقط بعزل الإخوان، ولكنه ركن الثورة والثوار على جنب، بينما يواصل حمدين حملته ويبدأ عملية ديمقراطية في مصر تؤكد أنها دولة مدنية وليست ميراثا خاصا للعسكريين’.
المنتج الإعلامي يلعب دورا
مؤثرا في تشكيل الرأي العام
وإلى المعارك والردود وعندنا منها اليوم ثلاث معارك، الأولى يوم الاثنين في ‘الأهرام’ من زميلنا الدكتور حسن أبو طالب الذي أشار إلى مشاكل الإعلام بقوله:’رغم أهمية الإعلام في حياتنا المعاصرة لم أجد أيا من المرشحين الرئاسيين لديه رؤية متكاملة حول دور الإعلام بأشكاله المختلفة في المرحلة المقبلة، خاصة المملوك للدولة، الذي يواجه تحديات خطيرة للغاية، على البرلمان الجديد أن يقوم بإصدار عدة تشريعات مكملة للدستور، منها تشكيل ثلاث هيئات للإعلام العمومي من بينها الهيئة الوطنية للصحافة. ولما كانت الدولة تملك هذه المؤسسات الإعلامية والصحافية القومية، وفي الوقت نفسه ليست لديها رؤية للتعامل مع هذه المؤسسات في ظل الهيئات الجديدة المزمع بناؤها، فنحن بالفعل أمام ورطة كبرى، فعلى الرغم من أن الإعلام الخاص بقنواته الفضائية وصحفه اليومية ومجلاته الأسبوعية يسد جزءا كبيرا من الحاجة إلى الفنون الإعلامية المختلفة ويستقطب مشاهدين وقراء أكثر، فما زال المنتج الإعلامي والصحافي الصادر عن المؤسسات القومية يلعب دورا مؤثرا في تشكيل الرأي العام مصريا وعربيا. وليس سرا أن كثيرا من رموز القنوات الفضائية ما زالت تعمل على الورق في المؤسسات القومية وتحصل على رواتب أكبر وشهرة أعلى. ولذلك يبدو الأمر غير مفهوم أحيانا حين يصب الإعلام الخاص غضبه على المؤسسات القومية إن سعت إلى تحسين أدائها أو دخلت في تكتل إنتاجي مع كيان إعلامي آخر قد يعود عليها ببعض الفائدة’.
أسماء ثقافية لمعت
على خريطة البرامج التلفزيونية
اما المعركة الثانية فوقعت في ‘الأهرام’ في اليوم التالي الثلاثاء ولها صلة بالأولى، وكان صاحبها زميلنا الشاعر الكبير فاروق جويدة وقوله:’من أخطر مظاهر الخلل في الإعلام المصري في الفترة الأخيرة تراجع مستوى الإعداد أمام الاعتماد الكامل على نجومية المذيعين والمذيعات، يحدث هذا رغم أن حجر الأساس في العمل الإعلامي هو فريق الإعداد، اننا نقدر نجومية الإعلاميين وتقدير الناس لهم، ولكن الأهم هو السؤال والسياق العام للبرنامج ومستوى الأداء فيه، وليس لون فستان المذيعة أو تسريحة شعرها أو كرافتة المذيع.
في برامج مهمة وخطــــيرة بدأ المشهد فارغا سطحيا لأن الإعداد كان ضعيفا أن معظم البرامج الآن تعتمد على مقدمي البرامج وتكون النتيجة أسئلة ساذجة وتعليقات سخيــفة وسطحية في كل شيء. في يوم من الأيام حين كان التلفزيون المصري في بداياته، كانت هناك أسماء رنانة وكتاب من الوزن الثقيل يشاركون في إعداد البرامج التلفزيونية. في وقت من الأوقات كان أنيس منصور بكل نجوميته يعد البرامج الثقافية المهمة على خريطة التلفزيون ومنها حوارات مع طه حسين والعقاد، وكان مفيد فوزي من أهم الأسماء التي وضعت أصول الحوارات التلفزيونية من خلال الإعداد الذي يتسم بالعمق في برامج رائعة كانت تقدمها ليلى رستم’.
مصداقية الإعلام
على شفا الإنهيار
والمعركة الثالثة كانت في ‘الشروق’ وخاضها الكاتب عمرو خفاجي قائلا:’لم أفهم سر ذلك الهجوم الإعلامي الشرس على مواطن من المفترض أنه مازال في سن الطفولة وفقا للدستور المعمول به في البلاد، كما أن هذا المواطن/ الصبي، متفوق علميا وصاحب إنجاز ما، قدرته شركة عالية كبرى، وحينما تم منعه من السفر للمشاركة في المؤتمر المنشود وتحقيق حلمه، للحق انتفض الإعلام من أجل سفره ودافعوا عن حقه في ذلك وطالبوا بضرورة تذليل كل العقبات، حتى لو كان في ذلك إجراء استثنائي، وأعتقد أنه كان من المتوقع أن يكون هناك من وراء هذا الشاب من سيدفعونه ليفعل ما يفعل، وليقول ما يقول، وهذا ذنبهم وليس ذنبه، والإعلام يعرف ذلك، فبحكم القانون الصبى غير مسؤول، قانونا عن مثل هذه التصرفات، وللأسف أنا لا أعرف على وجه الدقة ما هي التهم الموجهة إليه، أو ما هي جريمته المطلوب فيها للمحاكمة، لكنني أعرف على وجه اليقين أن الدخول في معركة مع هذا الصبي هو عيب ولا يليق بمارد مثل الإعلام أن يتخاصم مع هذا الغض الصغير.
هذه الحكاية تكشف العوار الذي يرتكبه الإعلام في صراعاته وتوازنات هذه الصراعات، التي في الغالب تكون مختلة، ومخلة بقواعد المهنة ومواثيقها وشرفها، وقد شهدنا طوال السنوات الماضية تكرار هذه النوعية من الصراعات، ليس فقط في السياسة كما هو متوقع، بل في كافة المجالات، وكثيرا ما شهدنا قنوات تتعارك مع ناشئ يلعب الكرة، خانه تعبير أو أفلتت منه كلمة بحكم سنه أو غضبه من حكم أو من مدرب، أو فنان أو فنانة في بداية المشوار يجد نفسه تحت مقصلة الإعلام لأنه تجرأ وقال كلاما ليس على هوى أباطرة الإعلام، وبالمناسبة لا أستثني أيضا الإعلام الاجتماعي من ارتكاب مثل هذه الجرائم، وأحيانا تكون قسوة الإعلام الاجتماعي أشد فتكا من الإعلام التقليدي، ربما تكون الضحية قد أخطأت، أو تجاوزت حدودها وهي تشتبك مع المجال العام، لكن وسائل الإعلام أيضا تكون قد أخطأت، وغالبا خطؤها يكون كبيرا.
لا أعتقد أن أي دولة، أو نظام حكم قادر على ضبط الإعلام، حتى لو فعل ذلك سيكون إجراء فوقيا غير مفيد، بل على العكس سيكون ضارا بالإعلام وربما يزيد من أزمته ويعظم من كارثيته، لذا المسؤولية كلها تقع على عاتق الإعلام الذي بات يخسر كثيرا من مثل ممارسات معركة الصبي المخترع، وربما يجد نفسه فجأة مع معركة قديمة أعتقد أنه أنجزها وفاز بها وهي معركة حريته، التي باتت تشهد تراجعا حادا وللأسف بأيدي الإعلاميين حتى هذه اللحظة، مع تصاعد احتمالات بأن تكون بيد غيرهم في المستقبل القريب، وقد يرى البعض أن معركة مثل معركة الصبي الصغير معركة جانبية لا قيمة ولا تأثير لها، رغم أنها في المتن من معركة مصداقية وأخلاق الإعلام أمام الرأي العام، المصداقية التي تتآكل يوما بعد آخر، والأخلاق التي باتت على شفا الانهيار، بينما يعتقد الإعلام أنه البطل المخلص المنقذ المغوار حامي الحمى’.
العودة إلى نظام
التعيين في الجامعات
لكن زميلنا ورئيس مجلس إدارة وتحرير ‘المصريون’ جمال سلطان ترك الإعلام وقال عن الجامعات:’لأننا مقبلون على أيام سوداء وثورة مضادة تتمدد تدريجيا في أضابير الدولة وأعماق جهازها الإداري بهدوء وصبر وبال طويل، فلم يكن مفاجئا أن تتحرك الثورة المضادة في التعليم العالي وتتمدد وتبحث عن أي منجزات حققها المصريون في ثورتهم في 25 يناير/كانون الثاني من أجل أن تنقض عليها وتدفنها، لكي تعيد الأمور إلى هيئتها كما كانت أيام مبارك وقبل الثورة. وهذا ما كشف عنه الخطاب السري الذي تم توجيهه إلى رؤساء الجامعات الأسبوع الماضي تخبرهم فيه بالترتيب من أجل صدور قرار بإلغاء نظام اختيار القيادات الجامعية وفق الآلية الديمقراطية بالانتخاب، والعودة إلى نظام التعيين والاختيار الذي كان سائدا قبل الثورة والذي أفسد الحياة الجامعية ووضع سمعتها في الوحل وجعلها مجرد إدارة ملحقة بوزارة الداخلية. مشروع القرار الجديد الذي لا نعرف إلى أين وصل حتى الآن، وهل وصل فقط إلى إبراهيم محلب أم أنه وصل إلى مفرخة القوانين والتشريعات المضادة للثورة في رئاسة الجمهورية الحالية المستشار عدلي منصور، تمهيدا لإصداره وقمع عشرات آلاف الأكاديميين المصريين به.
مشروع القانون زعم أنه صدر بناء على رغبة المجتمع الأكاديمي في معظمه لوضع نهاية لنظام انتخاب القيادات الجامعية، وهو كلام كذب ونصب يكفيك فضائحيته أن صاحبه عجز عن أن يذكر اسمه، وبطبيعة الحال سيكون مثيرا للسخرية سؤال هذا الكذاب المتآمر عن الإحصائي واستطلاع الرأي الذي أجري بين عموم الجامعات المصرية وأكاديمياتها، ثم ظهرت النتيجة أن غالبية تؤيد العودة لنظام التعيين’.
حسنين كروم