مصر: سينما تتاجر بالكوميديا والسمعة

كمال القاضي
حجم الخط
0

شخصيات إنسانية مشوهة

في كثير من الأعمال الفنية التي تناولت شخصيات مهنية بعينها ظهرت عيوب الكتابة والإخراج كأهم المشكلات التي تحول دون اكتمال الصورة الواقعية للنماذج المستهدف تجسيدها وفق معطيات الفيلم أو المسلسل والتي يبرز من بينها شخصية الطبيب أو المحامي أو الصحافي أو غيرها من أصحاب المهن التي لا يعدو ظهورهم أكثر من مجرد إشارات كاريكاتيرية عابره لزوم التنويه، طالما أن الدور ثانوي وغير متصل بالبطولة الأولى أو الثانية، وهو أمر يُقلل من إحساس المشاهد بالشخصية ويُخرج الشخصية ذاتها من دائرة التأثير ومن ثم يتم تسطيحها فلا يتحقق لها الاعتبار المطلوب ولا تفيد بأي حال في استنتاج ما يمكن أن تنطوي عليه النماذج المقدمة في سياق الأحداث.

وتمثل هذه الإشكالية نقطة ضعف لا يُستهان بها في عملية البناء الدرامي. فالاستسهال في الكتابة والتسرع في وضع مواصفات خاصة للشخصيات المذكورة أدى إلى تشويه الصور الدرامية وترك انطباعات سلبية لدى الغالبية من المشاهدين، وبناءً علية انسحب ذلك على رأي الشخصيات الحقيقية في ما يُقدم عنها فزادت الدعاوى القضائية ضد الكُتاب والمخرجين لاستشعار الحرج البالغ أمام المجتمع، خاصة أن العيوب تكررت في العديد من الأعمال ولا تزال تتكرر من دون أدنى غضاضة من جانب صُناع الأفلام والمسلسلات الذين لا يأبهون بالأخطاء ولا يراعون الدقة في ضرورة المطابقة أو حتى المقاربة بين ما هو حقيقي واقعي وما هو مجازي تعبيري.

وتعد شخصية المحامي من أكثر الشخصيات عرضه للمبالغة بحكم اشتباكها مع القضايا العامة  واقترابها من الجمهور، وقد رأينا عشرات الصور والنماذج لأدوار المحامين على الشاشتين الكبيرة والصغيرة ومعظمها كان محل خلاف، ولعل أشهرها شخصية حسن سبانخ التي جسدها عادل إمام في فيلم “الأفوكاتو” وقدم من خلالها دور المحامي بشكل كان أقرب إلى الصورة الكاريكاتيرية الساخرة منها إلى رجل القانون المدافع عن حقوق المتهمين. فقد بدا سبانخ في هذا الفيلم انتهازياً وصولياً مراوغاً يلعب بالبيضة والحجر كما يقول المثل الشعبي الدراج.

وعلى المنوال نفسه اقتربت صورة المحامي في الدراما التلفزيونية من هذا الشكل مع اختلاف طفيف في التفاصيل. فشخصية المحامي التي جسدها الممثل أسامة عباس في مسلسل “أبو العلا البشري” حملت الجينات والصفات الوراثية نفسها للشخصية المكتوبة فجاءت ناقله لذات العيوب برغم أن المؤلف أسامة أنور عكاشة كان كاتباً درامياً حصيفاً ومتمرساً، إلا أنه لم يُحسن الصورة التقليدية، بل قدمها بما يؤكد الفكرة السلبية، وبالطبع كان لديه ما يبرر رسم الشخصية بهذا التكوين تبعاً للسياق العام للأحداث.

وفي فيلم “محامي خُلع” الذي لعب فيه دور البطولة هاني رمزي، لم تأت المواصفات الخاصة بالشخصية من خارج الصندوق وإنما اتسمت إلى حد كبير بالمبالغة والخفة واتصلت اتصالاً مباشراً بما سبقها من أنماط وأطوار وأحوال، وكان من الممكن أن تُستثمر طبيعة الأحداث في إجراء تعديلات على شخصية المحامي بما يُناسب الحالة الدرامية الجديدة آن ذاك، والتي قُدمت كرد فعل سينمائي لصدور قانون الخُلع وتأكيد حق المرأة المصرية في خلع زوجها أمام المحكمة طالما توافرت لها أسباب هذا الاستحقاق القانوني.

وليس أدل على ثبات الصورة الكاريكاتيرية لشخصية المحامي في السينما المصرية من استمرارها بهذا الشكل النمطي منذ إنتاج فيلم “الأستاذة فاطمة” للمخرج فطين عبد الوهاب وبطولة فاتن حمامة في خمسينيات القرن الماضي وإعمال المنهج الكوميدي الساخر كملمح رئيسي لشخصية البطلة العاملة بمهنة المحاماة.

شخصية الصحافي

ولم تُستثن شخصية الصحافي من الوصف المثير للضحك في غالبية النماذج الكاريكاتيرية التي وردت في عشرات الأفلام. ففي فيلم “يوم من عمري” للمخرج عاطف سالم والذي أدى فيه عبد الحليم حافظ دور صحافي قبل سنوات وجسد خلاله الفنان الكوميدي عبد السلام النابلسي شخصية المصور الصحافي أيضاً، لم تخل مشاهد النابلسي من المفارقات الكوميدية وخفة الأداء الزائدة عن الحد، بما يوحي بهزلية التناول، كما أن المثالية التي بدت في شخصية عبد الحليم وأدائه الرومانسي ارتبطت بشخصيته الحقيقية كمطرب مشهور حفاظاً على شعبيته ونجوميته ولم ترتبط بالشخصية الصحافية بالقدر المطلوب، ناهيك عن أفلام وأدوار أخرى لاحقة ظهرت فيها مهنة الصحافة كحالة كوميدية كما جاء في فيلم “بطل من ورق” بطولة ممدوح عبد العليم وآثار الحكيم، إذ لعبت الأخيرة دور محررة حوادث تتعقب الجرائم وتقتفي أثر المجرمين في تصوير مجافي للواقع يدل كذلك على كاريكاتيرية المعالجة.

الطبيب

وبتنوع الصور والأنماط والمبالغات في بعض الأفلام المصرية أخذت شخصية الطبيب حظها من التهافت والتنميط، فجاءت في كثير من الحالات مجرد تجسيد خارجي للشكل المعهود عن الطبيب بزيه الأبيض والسماعة المُعلقة في رقبته طوال الوقت، وهناك تباينات مختلفة بين الطبيب النفسي والطبيب العضوي قُدمت جميعها بذات العيوب. ولسهولة الكاركتر ظهر من اشتهر بدور الطبيب وجسده في عشرات الأفلام كالممثل الكوميدي الراحل فؤاد خليل، الذي ساهم بشكل كبير في تثبيت الصورة الكوميدية بداعي وبدون داعي. غير أن فيلم “بحب السيما” على سبيل المثال كان دالاً من كل النواحي على الصورة العشوائية التي قُدمت بها شخصية الطبيب في إطارات مختلفة ومعظمها لم يتفق تماماً مع الشخصية الواقعية بوقارها واتزانها وهيبتها، وهو ما يمكن أخذه على الكُتاب والمخرجين لكونهم لم يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في الصورة الدرامية لتقترب ولو بشكل نسبي من النموذج الأصلي وإن كانت مجرد ملمح أو إشارة فذلك يستوجب أيضاً العناية بالتفاصيل الدقيقة أو الأكثر دقة ليتحقق مبدأ الإقناع وتكتمل الرؤية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية