مصر: قبل أن تقع الكارثة

حجم الخط
1

مئات القتلى وآلاف الجرحى من النساء والرجال والأطفال وعشرات المفقودين، تلكم هي حصيلة التدخل الأمني العنيف الذي قامت به السلطات المصرية لفض الاعتصامات السلمية لمؤيدي الرئيس المنتخب محمد مرسي..
جميع الدول والمنظمات الدولية استنكرت المجزرة الجديدة لصباح يوم الأربعاء 14 اغسطس 2013، في الوقت الذي اعتبرت فيه بعض الأحزاب المصرية أن عملية التدخل الأمني لفض الاعتصامات السلمية كانت واجبة على السلطات الأمنية..وهو ما يدل على عمق الأزمة في الساحة المصرية.
ما حصل هو نتيجة طبيعية ومأساوية لتدخل الجيش في الحياة السياسية ولعدم احترام الإرادة الشعبية التي عبر عنها الشعب المصري في انتخابات حرة ونزيهة.
المطلوب من المجتمع الدولي الانتقال من مواقف التنديد والاستنكار إلى التدخل العاجل قصد حماية حق المدنيين في الحياة وفي الأمان الشخصي والسلامة البدنية وضمان حقهم في الاحتجاج السلمي، مع تحريك المتابعة الجنائية الدولية ضد المتورطين في ارتكاب المجزرة.
هذه المجزرة تعتبر بمعايير القانون الدولي الإنساني جريمة ضد الإنسانية، لأنها استهدفت أفرادا مدنيين، ولأن عملية الهجوم تمت بشكل منسق وعلى نطاق واسع واستخدم فيها الرصاص الحي ضد المعتصمين العزل، كما تم حرق الخيام فوق رؤوس العديدين، بعضهم تفحمت جثتهم داخل الخيام المحروقة..
ما حصل يؤشر على بروز تخوفات حقيقية على مستقبل الديموقراطية في ما بات يعرف بدول الربيع العربي، وذلك لعدة أسباب: أولا، هناك صعوبات المرحلة الانتقالية المطبوعة بالتعقيد، وهي مرحلة فاصلة بين مرحلتين تتطلب الكثير من النضج والاستعداد للتنازل والبحث عن أنصاف الحلول للعبور نحو المرحلة الديموقراطية..
في’الحالة المصرية’هناك غموض كبير يحيط بعملية التحول الديموقراطي، فقد جرت الأمور بسرعة كبيرة، وتم اختزال المرحلة الانتقالية في إعداد الدستور وتنظيم الانتخابات، وحسمت الأمور بالأغلبية العددية، ولم يتم اعتماد العدالة الانتقالية لتصفية انتهاكات الماضي وطي صفحة الصراعات والأحقاد..ومنذ اليوم الأول تم اللجوء إلى أدوات العدالة الجنائية ومحاكمة رموز النظام السابق أمام قضاء يحتاج بدوره إلى الكثير من الإصلاح..وهو ما ساهم في تعميق حالة التقاطب السياسي ودفع بمراكز النفوذ داخل النظام السابق إلى التكتل للدفاع عن مصالحها، والاستقواء بالجيش ضد النفوذ المتزايد للتيارات الإسلامية.
ثانيا،’إحساس’جزء’من الفاعلين السياسيين’بالضعف أمام القدرة التعبوية للإسلاميين وفشلهم الذريع في ساحة التنافس السياسي، وهكذا، وأمام إرادة اختزال المرحلة الانتقالية في الديموقراطية العددية، وبالموازاة مع ضعف آليات الحوار السياسي، وفي غياب ضمانات مطمئنة للتيارات الليبرالية والعلمانية فقد لجأت هذه الأخيرة إلى محاولة عزل الإسلاميين، وجر الجيش إلى الساحة السياسية، بدعوى حماية الديموقراطية وإنقاذ البلاد من الانهيار، والتنسيق مع رموز النظام السابق لإضعاف الإسلاميين، ولم لا، محاولة استئصالهم من الساحة السياسية..
هذه الفئة’عملت على توفير’غطاء مدني للانقلاب العسكري’الذي جرى’تنفيذه يوم 3يوليو،’وذلك عبر’الحضور الإعلامي المكثف،’وتجنيد وسائل’الإعلام’المصرية’والعربية لكيل الاتهامات’وتزوير الحقائق’وخلق المزيد من التقاطب الحاد في الساحة السياسية، بالإضافة إلى تزوير أرقام المتظاهرين والتلاعب بمشاعرهم.
بدون شك، ساهم جزء من الإسلاميين في تعميق الهوة مع هذا التيار، لكن هذا الأخير أبان عن نزعة انتهازية وسقط في الاختبار الديموقراطي عند أول امتحان.
العامل’الثالث، وهو أن صيرورة التحول الديموقراطي في المنطقة العربية لا تجري بعيدا عن العوامل الإقليمية والدولية التي تصر على حماية مصالحها الاستراتيجية ولو على حساب مسار التحول الديموقراطي..مشكلة الكثير من الإسلاميين أنهم لا يقدرون جيدا دور العامل الدولي والإقليمي ويفكرون في كثير من الأحيان بطريقة مثالية..
وفي هذا السياق لابد من مراقبة الموقف الأمريكي مما يجري في مصر، ومحاولة فهم حالة ‘الارتباك الواضح’ في تصريحات المسؤولين الأمريكيين.
ومن المؤكد أن العديد من إدارات الدول’الغربية’تريد ديموقراطية على مقاس مصالحها الاستراتيجية، ولذلك لن تسمح بأنظمة سياسية جاءت في أعقاب ثورات شعبية حقيقية..وكما رفضت الأمس نموذج الأنظمة الشيوعية والاشتراكية وحاربتها، فلن تسمح اليوم بوجود أنظمة سياسية تجمع بين الإسلام والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.. في’هذه’النقطة هناك التقاء موضوعي مع بعض’الأنظمة’الرجعية’في العالم العربي التي تبني مشروعيتها’على’قراءة’استبدادية’للدين’الإسلامي وترفض’أي محاولة لتبيئة الديموقراطية في تربة إسلامية، لأنها بكل بساطة ضد التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة والمساواة بين الرجل والمرأة وغير ذلك…’
رابعا،’إذا’كان’جزء’من النخب’الليبرالية واليسارية’لم ينجح في الاختبار الديموقراطي، فإن التيارات الإسلامية أبانت عن محدودية واضحة في القدرة الاستيعابية، وانزلقت إلى خطابات حادة لا توفر الضمانات اللازمة لبناء الثقة مع باقي الأطراف..ولذلك فإنها’لجأت للشارع للدفاع عن نفسها’من تكالب’الجميع ضدها..
ومع ذلك، أعتقد بأن ماحصل هو اختبار حقيقي للتيارات الإسلامية، وخاصة الإخوان المسلمين’ لمراجعة العديد من المسلكيات السياسية والفكرية والتنظيمية، والانكباب على صياغة نسخة جديدة من الحركة الإسلامية قادرة على مسايرة مستلزمات إدارة الشأن العام، وتبيئة مفهوم الديموقراطية داخل التربة الإسلامية بشكل عميق.
صحيح’أن الشعب’المصري كشف’عن إرادة’رافضة’للانقلاب تتجاوز بكثير’إرادة’الإسلاميين،’لكن’من المؤكد بأن’الشارع ليس’هو المؤهل للتفكير’في سيناريوهات الخروج من المأزق الذي يوجد فيه’الجميع،’ولذلك’فإن’مسؤولية’النخب’السياسية من كل التيارات تبقى حاسمة’للخروج من لحظة الغموض ورسم آفاق سياسية مقبولة من الجميع وقابلة للتطبيق’على’الأرض..
إن سيناريوهات المشهد المصري تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات..
هناك سيناريو متفائل وآخر متشائم..
السيناريو المتفائل يستند على مبدأ الواقعية السياسية وعلى وعي جميع الأطراف السياسية بقواعد المرحلة الانتقالية، وهو ما يعني جلوس الجميع حول طاولة الحوار للتفكير في سبل تجاوز هذه المرحلة العصيبة..
السيناريو المتشائم، يستند على بعض المؤشرات التي تدعو إلى القلق، من قبيل سيادة حالة الفوضى ، وهيمنة خطاب التحدي والتملص من المسؤولية لدى حكومة الانقلاب العسكري، وسيادة خطاب دعائي داخل وسائل الإعلام مليء بعبارات الحقد والكراهية والتحريض على استخدام المزيد من العنف ضد الإخوان ومناصريهم، وهو ما يهدد بنشوب حرب أهلية تعيد تذكيرنا بالقصة الجزائرية…
حاجتنا اليوم إلى تغليب صوت العقل والحكمة والتفكير في المستقبل، أكثر من أي وقت مضى..قبل أن تقع الكارثة لاقدر الله.

‘ كاتب من المغرب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول [email protected]:

    طرح جيد سيدي الكريم و لكنه متاخر علينا السعي للمصالحة بين الاخوة المصريين و حقن الداء اولا ومن ثمة البحث عن طريقة للخروج من النفق المظلم الذي دخلته مصر العزيزة

إشترك في قائمتنا البريدية