القاهرة ـ «القدس العربي»: قال وزير الري المصري، محمد عبد العاطي، الجمعة، إن أي نقص في الموارد المائية سوف يتسبب بأضرار جسيمة في بلاده، لافتا إلى أن نقص 1 مليار متر مكعب من المياه سيتسبب في فقدان 200 ألف أسرة لمصدر رزقهم الرئيسي في الزراعة، ما يعني تضرر مليون مواطن من أفراد هذه الأسر.
جاء ذلك خلال مشاركته في المؤتمر الوزاري رفيع المستوى تحت عنوان «مشاورات من أجل الوصول الى نتائج» الذي نظمته وزارة البيئة الألمانية أمس.
وجدد الوزير التأكيد على «حرص بلاده على استكمالَ مفاوضات سد النهضة للتوصل لاتفاق قانوني عادل وملزم للجميع، يلبي طموحات جميع الدول في التنمية، مع التأكيد على ثوابت مصر في حفظ حقوقِها المائية، خاصةَ مع وصول المفاوضاتِ إلى مرحلةٍ من الجمود، نتيجةً للتعنت الإثيوبي».
تعنت إثيوبي
ولفت لما أبدته مصر من «مرونةٍ في التفاوض، قُوبِلت بتعنتٍ كبيرٍ من الجانب الإثيوبي، لمنعِ الالتزام بما تم الاتفاقُ عليه» ومؤكداً في الوقت ذاتِه على أن «مصر لن تَقبل بالفعل الأُحادي لمَلءِ وتَشغيلِ السد الإثيوبي».
وتابع: «مصر ليست ضد التنمية في دول حوض النيل والدول الأفريقية، بل على العكس، فإن مصر تدعم التنمية بالدول الأفريقية بكل السبل الممكنة» مشيرا إلى أن مصر «منفتحة على التعاون مع جميع الدول الأفريقية وخاصة دول حوض النيل، بشرط مراعاة شواغل دول المصب، وقد سبق لمصر بالفعل مساعدة دول منابع حوض النيل في بناء السدود في إطار تعاوني توافقي».
تحديات
واستعرض وزير الري المصري حجم التحديات التي تواجه قطاع المياه في مصر، وعلى رأسها محدودية الموارد المائية المتاحة، والإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، بالإضافة للتغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية.
وأوضح أن مصر تعد من أعلى دول العالم جفافاً، وتعاني من الشح المائي، وتُقدر مواردها المائية بحوالى 60 مليار متر مكعب سنويا، معظمها يأتي من مياه نهر النيل بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار التي تقدر بحوالى مليار متر مكعب، والمياه الجوفية العميقة غير المتجددة في الصحارى».
وزاد: «يصل إجمالي الاحتياجات المائية في مصر لحوالى 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، ويتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية في الوادي والدلتا، بالإضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنوياً من المياه».
ولفت إلى أن «مصر ودول العالم تشهد تغيرات مناخية متزايدة» وإلى «ما ينتج عن هذه التغيرات المناخية من تهديدات للتنمية المستدامة وتهديد لحق الإنسان في الحصول على المياه».
وزاد: «تُعد مصر من أكثر دول العالم تأثراً بالتغيرات المناخية، نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر والتأثير غير المتوقع للتغيرات المناخية على منابع نهر النيل والعديد من الظواهر المناخية المتطرفة مثل موجات الحرارة والبرودة والسيول، ما يمس العديد من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالإضافة للتأثير على مجالات الموارد المائية والزراعة والأمن الغذائي والطاقة والصحة والمناطق الساحلية والبحيرات الشمالية».
كما لفت إلى «المخاطر التي تواجهها أراضي الدلتا الأكثر خصوبة نتيجة الارتفاع المتوقع لمنسوب سطح البحر، وتداخل المياه المالحة والذي يؤثر على جودة المياه الجوفية، الأمر الذي سيؤدي لنزوح الملايين من المصريين المقيمين شمال الدلتا».
انعكاسات سلبية
وأوضح أن «قطاع الزراعة في مصر يعمل به 40 مليون نسمة على الأقل، وبالتالي فإن أي نقص في الموارد المائية ستكون له انعكاسات سلبية ضخمة على نسبة كبيرة من سكان مصر، حيث سيؤدي فقدان فرص العمل لحالة من عدم الاستقرار المجتمعي، التي ستؤدي لموجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية وغيرها أو انضمام الشباب للجماعات الإرهابية».
وعن الجهود المصرية لمواجهة أزمة المياه قال عبد العاطي: «هذه التحديات تستلزم بذل مجهودات مضنية لمواجهتها، حيث قامت مصر بإعداد استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050 بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار، وقد تصل إلى 100 مليار دولار، ووضع خطة قومية للموارد المائية حتى عام 2037 تعتمد على أربعة محاور تتضمن ترشيد استخدام المياه وتحسين نوعية المياه وتوفير مصادر مائية إضافية وتهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه».
مجلس الأمن: لا يمكننا القيام بالكثير بخصوص ملف سدّ النهضة
ولفت إلى أنه «خلال السنوات الخمس الماضية، جرى اتخاذ العديد من الإجراءات لزيادة الجاهزية للتعامل مع التحديات المائية ومواجهة أي طارئ تتعرض له المنظومة المائية من خلال تنفيذ العديد من المشروعات الكبرى مثل المشروع القومي لتأهيل الترع والذي يعد من أكبر المشروعات على مستوى العالم في هذا المجال، والذي يهدف لتحسين عملية إدارة وتوزيع المياه، وتوصيل المياه لنهايات الترع المتعبة، كما يتم العمل في المشروع القومي للتحول من الري بالغمر لنظم الري الحديث من خلال تشجيع المزارعين على هذا التحول، والتوسع في استخدام تطبيقات الري الذكي، لما تمثله هذه النظم من أهمية واضحة في ترشيد استهلاك المياه، بالإضافة للمشروعات الكبرى التي تستهدف التوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتنفيذ العديد من المشروعات الكبرى في مجال الحماية من أخطار التغيرات المناخية».
مجلس الأمن
ومساء الخميس، قال رئيس مجلس الأمن، نيكولا دو ريفيير، إن المجلس ليس لديه الكثير الذي يمكنه القيام به في أزمة سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا.
وأضاف، رئيس المجلس لشهر يوليو/ تموز، أنه ليس لدينا سوى جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفهم، ثم تشجيعهم على العودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل.
وزاد: إن مجلس الأمن الدولي سيجتمع على الأرجح الأسبوع المقبل لبحث النزاع بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق. وكانت مصر طالبت مجلس الأمن بالنظر في أزمة سد النهضة الإثيوبي فورا وبشكل عاجل، لأن هذه الأزمة يمكن أن تشكل خطرا يهدد السلم الدولي.
وحذرت مصر من «احتكاك دولي» يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، في حال استمرار جمود ملف «سد النهضة» الإثيوبي، في وقت بحث فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، في اتصال هاتفي، الملف ذاته.
ووجهت وزارة الخارجية المصرية رسالة إلى مجلس الأمن الدولي في يوم 25 يونيو/ حزيران الماضي، أوردت فحواها الخميس صحيفة «أخبار اليوم» المملوكة للدولة.
وقالت الخارجية المصرية: «بعد 10 سنوات من المفاوضات تطورت القضية إلى حالة تتسبب في احتكاك دولي، يمكن أن يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، وعليه فقد اختارت مصر أن تعرض هذه المسألة على مجلس الأمن الدولي».
وردت إثيوبيا على طلب مصر قائلة إن «حق إثيوبيا في ملء سد النهضة يتماشى مع مبادئ الاستخدام العقلاني لمياه النيل وإعلان المبادئ الذي وقع عليه رؤساء إثيوبيا والسودان ومصر في 2015».
عمر الفاروق سيد كامل، الناطق الرسمي لمفاوضات سد النهضة في السودان، قال في بيان، تعليقاً على خطاب الخارجية الإثيوبية إلى رئيس مجلس الأمن إن «الخطاب المشار إليه لم ينقل بشكل أمين وشفاف الوضع الراهن لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وما شاب مسيرتها من بطء وعَطَب على خلفية قصور منهجيتها وعدم فعاليتها في الوصول إلى النتائج المنطقية والموضوعية لعملية التفاوض طيلة السنوات العشر الماضية، لإنجاز اتفاقية ملزمة لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة بصورة تحفظ مصالح الأطراف الثلاثة».
وأكد أن «الخطاب تضمن الإغفال المتعمد لموقف السودان المعلن في تمسكه برعاية الاتحاد الأفريقي للمفاوضات منذ البداية وإصراره على إعطاء دور لخبراء الاتحاد الأفريقي، ثم مطالبته بتحويل دور المراقبين إلى وسطاء، وأخيراً اقتراح السودان لرباعية دولية للدفع بمسار العملية التفاوضية بقيادة الاتحاد الأفريقي».
وتابع: «بدأ خطاب وزير الخارجية الإثيوبي أكثر تحاملاً على السودان، بسبب ممارسة السودان لحقه الطبيعي كعضو في الأمم المتحدة، وطلبه الصريح من مجلس الأمن عقد جلسة حول تطورات الخلاف بشأن سد النهضة الإثيوبي وأثره على سلامة وأمن ملايين السودانيين، وحثّ كل الأطراف على الالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب، ودعوة إثيوبيا على وجه الخصوص للكف عن الملء الأحادي لسد النهضة قبل الوصول لاتفاق قانوني ملزم، الأمر الذي يفاقم النزاع ويشكل تهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي».
وزاد: «ادعاء الجانب الإثيوبي أن دولتي المصب قد أجهضتا جولات التفاوض السابقة، إنما هو حديث موغل في طمس الحقائق، فالصحيح أن إثيوبيا هي التي سعت إلى تعطيل الوصول إلى اتفاقية ملزمة، تارة عبر التعنت وشراء الوقت، وتارة عبر طرح مطالب تعجيزية ليست لها أي صلة بقواعد ملء وتشغيل السد مثل موضوع تقاسم المياه. في تقديرنا، فإن وزير الخارجية الإثيوبي لم يكن لديه ما يقنع به مجلس الأمن سوى الادعاءات، وقد كان لافتاً محاولة اتهام السودان ومصر معاً بعرقلة اجتماع مكتب الاتحاد الأفريقي الذي التأم في الرابع والعشرين من حزيران / يونيو 2021 برئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية».
وذكر أن «الحكومة الإثيوبية حاولت من خلال هذا الخطاب، التنصل من أي مسؤولية أو التزامات تجاه ملء وتشغيل سد النهضة، كما أعادت إثيوبيا التأكيد مجدداً أن ذلك حق سيادي لها وحدها بشكل حصري، الأمر الذي يناقض بشكل صريح ويصادم بصورة علنية نصوص القانون الدولي والممارسة الدولية الراسخة في إدارة الأنهار المشتركة، والتقاليد والأعراف المرعية في تبادل منافع الأنهار بين الدول المتشاطئة».
وتصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/ تموز الجاري وأغسطس/ آب المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية. وفشلت الدول الثلاث في التوصل لاتفاق خلال جولات مضنية من التفاوض استمرت على مدار 10 سنوات.