تعاملت السلطات المصرية مع إعلان زامبيا احتجاز طائرة خاصة تحمل ملايين الدولارات وسبائك ذهب وأسلحة، بأسلوب التجاهل، أولا، لكنها اضطرت، مع تكشّف المزيد من المعلومات، إلى إصدار بيان عن «مصدر مطلع» من دون أن تسميّه، يحاول إبعاد الشبهات عن بلاده عبر التأكيد أن الطائرة خاصة وغير مصرية توقفت داخل مطار القاهرة (ترانزيت) وخضعت للتفتيش.
رغم ما في هذا التصريح الغامض من رغبة التملّص فقد أكد أن التنسيق بين السلطات يتم «على أعلى مستوى» وقد تحدّثت السلطات الزامبية فعلا بلسان أعلى مستوى لها، وهو الرئيس نفسه، هاكيندي هيشيليما، بطريقة توحي بأن ضغوطا جرت على حكومته، حيث نفى ما نشرته وسائل إعلام عن مغادرة الطائرة المحتجزة وإعادة الأموال المصادرة، وأكد أن «المسؤولين عن الحادثة سيمثلون أمام المحاكم» ويبدو أن جزءا من تلك الضغوط تركّزت على الزعم أن الموجودين على تلك الطائرة كانوا مستثمرين، وهو ما رد عليه هاكيندي بالقول: «هناك من يتظاهر بأنه مستثمر للقيام بجرائم».
قامت بعض وسائل الإعلام بمراجعة التحقيقات في «المصادر المفتوحة» وكشف تقرير لمنصة «متصدقش» المصرية عن وجود خمسة مصريين بين المتهمين، بينهم ضابط سابق في الجيش المصري كان ملحقا في سفارة القاهرة في واشنطن، ومدير شركة تقدم «أسلحة تقنية دفاعية» كما تطابق اسم ثالث مع اسم ضابط شرطة، وتم التأكيد أن الطائرة كانت ستسافر عائدة إلى مصر بعد إتمام صفقات تجارية في زامبيا. كُشف بعدها أيضا أن القاهرة لم تكن محطة ترانزيت، وأنها خرجت من صالة كبار الزوار، ورأى موقع «مدى مصر» أن استخدام شركة خدمات أرضية والخروج من قاعة كبار الزوار يشيران إلى أن ركابا أو بضائع صعدوا إلى الطائرة من القاهرة.
بدلا من المساعدة على كشف الحقائق الغامضة للجمهور، لجأت السلطات المصرية، على ما يظهر، إلى تحريك أطر غير رسميّة، مثل استخدام بعض المراسلين المعتمدين لدى جهات إعلامية قريبة سياسيا من القاهرة، أو عناصر الأمن المتنكرين بأسماء ناشطين على وسائل التواصل، للرد على ما اعتبرتها هجمات «الإخوان» ولتكرار دعوى أن لا علاقة للطائرة بمسؤولين مصريين.
يبدو أن كشف الوسائل الإعلامية المستقلة لأسماء ضباط الجيش والشرطة المتهمين أثار غضب السلطات المصرية فألقت أجهزة الأمن القبض على كريم أسعد، عضو فريق تحرير صفحة «متصدقش» الالكترونية، التي أصدرت بيانا قالت فيه إن مسلحين بملابس مدنية اقتحموا منزل أسعد وضربوا زوجته وهددوا طفله وبعثروا محتويات الشقة ثم اصطحبوا الصحافي إلى مكان غير معروف.
تبدو عملية اعتقال الصحافي المصريّ استكمالا لمسلسل فشل السلطات المصرية في تفسير قضية الطائرة، كما في فشل إدارتها للمسألة برمّتها، فمن غير المعقول أن يعاقب صحافي على محاولته تقديم وقائع متوفّرة في مصادر مفتوحة للبحث ولا تحتاج إلا بعض الجهد الاستقصائي لتأكيدها.
الأولى، بالسلطات المصرية، إذا أرادت فعلا التعامل الجدّي مع الموضوع، وإبعاد الشبهة عن نفسها، أن تقوم هي بنفسها بتأكيد أسماء الأشخاص المتهمين، ومتابعة كيفية نجحوا في إيصال هذه الأموال والأسلحة إلى الطائرة، وتفسّر للجمهور العام ماذا كان الغرض من تلك الرحلة.
بعد فشل السلطات المصرية في الإجابة عن الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالطائرة، وضعت حادثة اعتقال صحافي حاول تقديم حقائق للرأي العام، مزيدا من إشارات الاستفهام حول علاقة تلك السلطات، أو بعض المسؤولين فيها، بتلك الطائرة.
طريقة تصرّف أجهزة الأمن المصرية تذكر بالمثل العربي: يكاد المريب يقول خذوني، فهي تحاول منع كشف الحقائق، وحين يتوفّر للناس من يكشفها تقوم باعتقاله.