أثناء حرب لبنان الثانية قرر بنك لئومي إطلاق حملة لتشجيع الجمهور وأصدر مئات آلاف الملصقات باللونين الأزرق والأزرق الفاتح كتب عليها ما يلي “سننتصر”. وقد وجدنا أحد هذه الملصقات ملصقاً على طاولة في غرفة المراقبة في برج المراقبة في مطار قلنديا. الغرفة مدمرة تماماً، وأجزاء من الكراسي القديمة ملقاة على الأرض، والكوابل وقطع معدنية وقطع كبيرة من مواد العزل تتدلى من السقف، جميع النوافذ مهشمة أو غير موجودة، وطبقة غبار سميكة تغطي كل شيء.
في جزء من المبنى قاعة انتظار لضيوف الدرجة الأولى، وفيها الديكورات الخشبية والسجاد التي تغطي جميع الجدران متحللة. الحديقة التي في الأسفل مليئة بالنباتات البرية. ومحطة الإطفاء وصهاريخ الوقود مهملة، ومحطة الأرصاد الجوية اختفت بين الأعشاب. ولكن الوضع الحالي للمطار، بعد عشرين سنة على إغلاقه بسبب أحداث الانتفاضة الثانية، لا يدل على ماضيه الفاخر. تقرير جديد يكشف تاريخ هذا المطار، الذي وصل إلى الذروة في عهد الأردن في الأعوام 1948 – 1967. التقرير يقتضي أيضاً إعادة فحص الصورة الدارجة للقدس الأردنية في تلك الفترة.
التقرير، الذي سينشر في العدد القادم من مجلة “جيروزاليم الفصلية”، كتبه الدكتور الدار برين الذي بحث في القدس المقسمة. وقد مر على مجموعات الصور من العهد الأردني. عندما كان يواجه شيئاً ما غير متوقع وغير معروف عن القدس في هذه الأيام، لافتات من مكاتب شركات الطيران الدولية في الشوارع الرئيسية للمدينة الأردنية: سابينا، كي.ال.ام، اير فرانس، اليطاليا ومعظم شركات الطيران العربية في تلك الفترة. أثارت اللافتات حب الاستطلاع، حيث إنها لا تندمج مع الرؤية الدارجة للمدينة الأردنية في تلك الفترة. اعتبرت القدس في حينه مدينة طيران صغيرة أهملتها المملكة وفضلت تعزيز العاصمة عمان على حسابها.
وثمة تقرير آخر قاده إلى موقع الإنترنت “اير لاين تايم تيبل اميدس”، التابع لاثنين يمكن تسميتهما بالمجنونين، اللذين جمعا ورفعا على الشبكة برنامج الطيران لمعظم شركات الطيران في العالم. العثور على رحلات الطيران التي أقلعت وهبطت في القدس كشف قصة غير معروفة. هذا المطار كان مفعماً بالحيوية ونشطاً أكثر مما يُعتقد، قال برين. “لقد كان هناك 16 رحلة طيران في الأسبوع إلى بيروت، وكان يمكن الطيران من هنا إلى أهداف مثل دمشق والقاهرة وبغداد وجدة والدوحة وكابول وقندهار في أفغانستان، وعبدان في إيران ونيقوسيا وروما أيضاً، بما يسمى “خط المدن المقدسة”.
الطائرة الأولى التي هبطت في القدس فعلت ذلك في آخر يوم من العام 1913 في منطقة متنزه قصر المندوب السامي في هذه الأيام، طائرة شاركت وخسرت في منافسة طيران، فقرر طاقمها الهبوط في المدينة المقدسة ليكون الأول الذي يفعل ذلك بصورة معينة. بعد الاحتلال البريطاني، أنشأوا مهبطاً قرب معسكر اللنبي في جنوب المدينة، وهناك خططوا لإنشاء المطار البلدي. ولكن معارضة سكان منطقة “تل بيوت” جعلتهم يبعدونه 10 كيلومترات عن المدينة. أقيم المهبط الجديد هناك، على أراضي مستوطنة “عطروت” قرب بيوت قرية قلنديا. في العهدين البريطاني والأردني عُرف المطار باسم القرية، وفي العهد الإسرائيلي أخذ اسم المستوطنة.
المندوب السامي البريطاني الأخير، الين كيننغ هام، أقلع من مطار قلنديا في آخر يوم للانتداب. المدافعون عن مستوطنة “عطروت” نجحوا في احتلال المطار بعد ذلك، لكنهم اضطروا إلى الانسحاب أمام الفيلق الأردني. وتم إخلاء المستوطنة وتحول المطار والضفة الغربية كلها ليصبحا جزءاً من المملكة الأردنية. وبعد سنة على احتلال الأردن للمطار والضفة الغربية في العام 1948 بدأت رحلات داخلية من مطار قلنديا إلى عمان.
في أيار 1950 تم تدشين المطار من جديد باسم “مطار القدس”، وأضيفت له محطة تفتيش حدودية وجمارك، وفي السنوات التي اعقبت ذلك تم بناء البرج. مباني المطار وبرج المراقبة تشبه المباني في الجناح رقم 1 في مطار بن غوريون، وسبب ذلك هو أن الأردنيين استخدموا المخططات البريطانية التي استخدمها أيضاً من بنوا مطار اللد.
في الستينيات وصل المطار إلى ذروته. في 1961 أثناء تصوير فيلم “لورنس العرب”، استخدم الممثل بيتر اوتول والممثل عمر الشريف المطار للوصول إلى طاقم التصوير في وادي رم من فندق “أمريكان كولوني” الذي نزلوا فيه. وقد استخدم المطار أيضاً ملك وملكة بلجيكا ووزير الخارجية الأمريكي، وأحد السيناتورات، وجميعهم استخدموه في زياراتهم الرسمية.
كانت 1966 هي سنة الذروة للمطار؛ ففي حينه هبط فيه نحو 100 ألف مسافر، وهو ضعف عدد المسافرين الذين هبطوا في المطار الأردني الثاني في عمان. كان معظم المسافرين من السياح والحجاج. وكان من بين المسافرين أيضاً طلاب فلسطينيون كانوا يتعلمون في الدول الغربية، وتجار ودبلوماسيون وغيرهم. كان المطار مهماً لفلسطينيين كثيرين كانوا يعملون في صناعة النفط التي كانت مزدهرة في الكويت. اعتاد مواطنون من الكويت على إرسال أولادهم للتعلم في مدارس القدس. وقام عدد منهم بإنشاء حي صغير من البيوت الفاخرة باسم “حي المطار” قرب المطار.
الشركات الغربية في الواقع لم تستخدم المطار، ولم يكن ذلك -حسب تقدير برين- لأسباب سياسية (مثلما حدث بعد ذلك عندما احتلت إسرائيل وأرادت تشغيل المطار)، بل لأسباب تقنية، مثل طول المدرج القصير وخلوه من الإضاءة الكافية التي تسمح بالهبوط فيه ليلاً. مع ذلك، اقترحت الشركات الغربية على ركابها رحلات طيران بالتعاون مع الشركات العربية، لذلك، هي أيضاً كان لها مكاتب في القدس.
في تقرير عن القدس في فترة كونها مدينة مقسمة، ساد الادعاء بأن القدس الأردنية كانت مدينة صغيرة وفقيرة، أهملتها السلطات الأردنية بشكل متعمد لأنها لم ترغب في أن تنافس عمان. قصة مطار قلنديا تظهر أن الصورة معقدة أكثر. “صحيح أن القدس كانت أصغر من حيث مساحتها من القدس الغربية، وكان أن قتل عبد الله (جد الملك حسين الذي قتل في الحرم في 1951)، وزاد توتر سياسي بين الأردنيين والفلسطينيين -قال برين- ولكن الملك حسين أدرك إمكانية المدينة الكامنة وأهمييها السياسية. الطائرات التي هبطت هنا تعني إعطاء الشرعية لسيطرة الأردن على المدينة.
حرب الأيام الستة قطعت الخطط الأردنية لتوسيع المطار وزيادة طول المدرج، وفعلياً أنهت الفترة الذهبية للمطار. اندمج المطار بشكل جيد مع حلم المدينة الكبيرة والموحدة لحكومات إسرائيل. شكل المطار وجه القدس حتى الآن. وقررت الحكومة أن تضم المطار إلى حدود القدس لأن بقاءه في الضفة الغربية تحت الإدارة المدنية لم يكن ليمكن من ختم جوازات السفر بالختم الإسرائيلي. لذلك، تم مد حدود القدس ووجد “الأصبع الشمالي”، وهو توسيع مكثف للمدينة نحو الشمال. وخلال ذلك، ضم إلى المدينة عشرات آلاف السكان الفلسطينيين الذين سكنوا في منطقة الأصبع.
ولكن سرعان ما اكتشفت إسرائيل أن شمل المطار داخل أراضي عاصمتها السيادية، لم يحوله إلى مطار دولي. بالنسبة لجميع دول العالم، الحديث يدور عن أراض محتلة، ولن توافق شركات الطيران على استخدام المطار. إضافة إلى ذلك، لم يوافق أي مطار في العالم على استيعاب رحلات طيران أقلعت من “عطروت”. كانت هناك عدة محاولات لتحويل المطار إلى مطار دولي، مثلاً عن طريق أن الطائرات التي عادت من أوروبا هبطت لفترة قصيرة في مطار بن غوريون وغيرت رقم الرحلة، وعلى الفور أقلعت مرة أخرى وهبطت بعد بضع دقائق في “عطروت”. ولكن هذه الضبابية أدت إلى إلغاء هذا الأسلوب بسرعة. صمم رئيس الحكومة مناحيم بيغن على الإقلاع من “عطروت” في زيارة له إلى مصر. ولكنها محاولات فاشلة وبقي المطار كمطار القدس للرحلات الداخلية، وعلى الأغلب إلى إيلات. “لقد كانت هناك رحلات طيران داخلية، ورحلات طيران رومانسية حول القدس، ورحلات طيران لزرع الغيوم. ولكن المطار في هذه الفترة هو ظل باهت للمطار في العهد الأردني”، قال برين.
في الانتفاضة الثانية قرر الجيش الإسرائيلي أن الوضع الأمني لم يعد يسمح بالدفاع عن الطائرات التي تقلع وتهبط على بعد عشرات الأمتار من بيوت كفر عقب الفلسطينية، لذلك تم وقف الرحلات. مدرسة الطيران “أجنحة القدس” واصلت استخدام المطار لفترة قصيرة. واحتل جنود مواقع ووضعوا رشاشاً على شرفة برج المراقبة. امتلأت الحديقة بالأعشاب البرية وبدأ المبنى يتفكك. في هذه الأثناء تم بناء جدار الفصل قرب المطار. من الطرف الثاني للجدار، تحولت كفر عقب إلى حي مكتظ بالمباني العالية؛ لأن بلدية القدس أوقفت التفتيش على البناء هناك.
في خطة ترامب للسلام تم ذكر المنطقة كمنطقة تطوير للدولة الفلسطينية العتيدة، لكن منذ بضع سنوات تدور في أروقة بلدية القدس وفي قسم التخطيط خطط لبناء حي أصولي كبير على أراضي المطار. يتبين من مخططات الحي أن المطار وقاعة الاستقبال ستتم إزالتهما نهائياً، يتوقع أن يتحول مسار الإقلاع إلى شارع واسع. يعتقد برين أن هذا خطأ ويشير إلى المطار الضخم “تيمبلهوف” في برلين، الذي تحول إلى متنزه بلدي: “كان يجدر أن تحول الأراضي الواسعة للمطار المهجور، بما في ذلك قاعة المسافرين التاريخية ومدرجه الطويل، إلى متنزه بلدي فريد في نوعه في إسرائيل، بالتأكيد في شرقي القدس، التي هي متعطشة لمتنزه كهذا. إن قرب المطار من المنطقة الصناعية في “عطروت” ومن المجمع التجاري الكبير لرامي ليفي، وهما بؤرتان للقاء اليهودي – الفلسطيني الحيوي، كان سيساعد في ذلك. لا توجد أي طريقة أفضل من أجل الحفاظ على المكان وتخليد فائدته للمدينة منذ إقامته كمهبط بريطاني في العشرينيات.
بقلم: نير حسون
هآرتس 22/4/2021
قام الكيان الصهيوني على اسس الارهاب على بتخطيط القوى الاستعماريه و تحت حمايتها وبدعمها على يد الحركة الصهيونية وتنظيم الدولة اليهودية الارهابي,,,, منذ البداية كان الاستراتيجية تفتيت الديمغرافيا الفلسطينية عبر زرع جدران من البؤر الصهيونية وعزل القرى والمدن الفلسطينية وتطهيرها كنتونا تلو الاخر,,,,, عمليا، وعلى ارض الواقع هي بؤر من التطرف والارهاب يتم زرعها بحماية جيش الاحتلال، لتكون دروعا بشرية غير رسمية يحتمي خلفها حتى لا يتحمل مسؤلية مباشرة عن التطهير والابادة العرقية ,, ولكن هل يكترث من احد اليوم ، اعني ’’ المجتمع الدولي’’ المتحالف مع الكيان الصهيوني والمنخرط وبقوة في اقامته وتوسعته لانهاك العالم العربي وتقويض قواه,,, ؟؟!! نعيش اليوم ذرون الحرب بين الحضارات والثقافات والاديان جملة واحدة بدون فصل ، ونحن على أعتاب الحرب العالمية الثالثة التي ستكون حتما في صالح الشعب الفلسطيني,,,,,