عمان ـ «القدس العربي»: يعلم وزير الداخلية الأردني النشط مازن فراية بخلفيته العسكرية وليس السياسية، أن ما سمعه صباح أمس الخميس من وفد يمثل الحركة الإسلامية لم يعد من الطراز الذي ينطوي على مبالغة بقدر ما يعكس «هواجس ومخاوف» مستقرة في وجدان الشعب الأردني، عنوانها الأعرض اليوم يقول إن السماح بتحريك ديمغرافي لأهالي قطاع غزة سيلحق به فوراً «ترانسفير مماثل» في اتجاه شرق الأردن.
لو كان الوزير الأردني المختص طبعاً بالملف الأمني الداخلي من الشريحة التي تتهم الإسلاميين أو غيرهم بالمبالغة الدرامية لتقدم بتلك الأجوبة المعلبة سياسياً التي طالما رددها المسؤولون هنا وهناك فيما مسار الأحداث في قطاع غزة والضفة الغربية يعيد التأكيد على ما قاله لـ «القدس العربي» الناشط السياسي الإسلامي رامي العياصرة بعنوان «الجميع الآن في خطر».
صحيح أن مجرد «عقد لقاء» بين وزير الداخلية ووفد يمثل جماعة الإخوان المسلمين هو في حد ذاته «رسالة» مرتبطة بسياق المستجدات مع علم السلطات المحلية أن الجماعة الإخوانية، وهي أكبر حليف لحركة حماس في جبهة شرقي الأردن، ينظر لها أحياناً كإطار «غير مرخص».
الوزير الفراية تجاوز تلك المسألة الشكلية-الأمنية بمجرد تنظيم لقاء يحضره المراقب العام لجماعة الإخوان الشيخ عبد الحميد الذنيبات، والأمين العام لجبهة العمل الإسلامي مراد عضايلة، والخبير الأهم بملف حماس محمد عقل. صحيح أيضاً أن وزير الداخلية معني الآن بسبب تطورات الأحداث في فلسطين المحتلة بالبحث عن صياغات وضمانات تعبير جماهيرية راشدة وعقلانية لا تسيء للأمن والاستقرار الداخلي، الأمر الذي طبعاً يجعل مقابلته مع الإخوان المسلمين وقادتهم خطوة ضرورية في إطار القيام بالواجب وعلى أساس أن الحركة الإسلامية الأردنية تمثل القوة الفاعلة الأبرز في الساحة المحلية.
أعلن الإسلاميون بعد مسيرة سميت بـ «طوفان عمان» عن تنظيم «مسيرة مليونية» اليوم الجمعة، وعن «يوم العودة والهجرة» يوم الجمعة المقبل، وأغلب التقدير أن الوزير فراية وجد نفسه معنياً بالتفاهم والتواصل مع أبرز القوى الشعبية في الشارع ما دامت البوصلة متجهة نحو فوضى أكثر في المنطقة.
لكن الوفد الإخواني عملياً سحب «حواراً فنياً أمنياً» مع طاقم الداخلية في اتجاه المربع السياسي الأهم على الأقل، وفقاً للبيان الذي أصدرته الحركة الإسلامية عن اللقاء.
عودة الحديث عن «الجيش الشعبي» وتسليح الأردنيين
وعدم الرد والتعليق والامتناع رسمياً ووزارياً عن «نفي المخاوف» والتنديد بالهواجس العامة حتى على هامش لقاء الفراية مع قادة الإخوان، قد ينطوي سياسياً على إقرار مسبق وصامت بأن مخاوف «التهجير والترانسفير» والفوضى التي يبثها اليمين الإسرائيلي اليوم وصلت، وإن متأخرة عملياً، إلى المؤسسات الرسمية والسيادية الأردنية التي تستشعر الخطر اليوم دون التحدث علناً عنه.
وتلك نقطة تحول استثنائية في المشهد الرسمي الأردني تظهر هنا وهناك، وإشارتها الأبرز عودة ميول لتفاهمات مع التيار الإخواني بهدف العبور من هذه المرحلة المقلقة وبعد أسابيع فقط من التعامل مع تنظيمات الإخوان المسلمين باعتبارها «خصم الدولة».
خفتت قليلاً في البيروقراط الأردني الأصوات المحرضة على تنظيمات الإخوان المسلمين، لا بل عادت لكن بخجل تلك النغمة التي تؤمن باستحالة العبور شعبوياً من المرحلة الصعبة بدون «تفاهمات مع الإخوان المسلمين» وغيرهم من قوى الشارع على أساس القناعة، وفق العياصرة، بأن «المخاطر تطال الجميع».
الأكثر أهمية أنه في باطن وعمق لقاء الوزير الفراية مع قادة الإخوان إحساس يتراكم داخل المؤسسات الأردنية بأن «المخاطر حقيقية» ولا يصلح اليوم معها لا ترديد الثوابت الكلاسيكية ولا الرهان على الإدارة الأمريكية الصديقة، ولا حتى مؤشرات «التنافخ» الوطني.
لذا، تتحقق نبوءة سياسيين كبار بينهم علي أبو الراغب ومروان المعشر وممدوح العبادي وغيرهم، بأن الدولة تحتاج إلى صيغة ترقى فيها الخطوات والترتيبات والتحصينات الداخلية إلى مستوى المخاطر، الأمر الذي يمكن القول إن الوزير الفراية التقطه بخلفيته الأمنية والعسكرية قبل البيروقراطية أو السياسية.
ولذلك، «لا جواب» مباشراً عند وزارة الداخلية ولا عند الحكومة الأردنية بعد على ثلاثة أسئلة، واضح تماماً أن قادة الإخوان طرحوها ويطرحونها: كيف ستتصرف الدولة إذا حقق الإسرائيليون هدفهم بـ «نكبة جديدة» لفلسطين؟ ماهي استعدادات الأردن للتعامل مع مشروع نتنياهو الحالي بعنوان «تغيير شكل المنطقة»؟
السؤال الثالث الصعب هو الأهم، وطبعاً الإجابة عليه ليست مطلوبة حصراً من وزير الداخلية: إذا نفذ الذئب الإسرائيلي المتوحش اليوم ببرنامجه المتعلق بالتحريك الديمغرافي لأهالي غزة في اتجاه مصر… ما ضمانات أن لا يحصل ذلك لاحقاً عبر التهجير في اتجاه «شرق الأردن»؟ تلك أسئلة صعبة ومحورية لا يملك أي وزير في الحكومة إجابة عليها الآن.
لكن الجديد تماماً أنها باتت مطروحة في حضن القرار الرسمي ولأول مرة منذ صعدت خرائط اليمين الإسرائيلي التي تلحق شرق الأردن بمشروع إسرائيل الكبرى.
ولأنها أسئلة طرحت الآن وبقوة، تقدم الإسلاميون من وزير الداخلية بمطالب محددة منها «إعلان عودة الجيش الشعبي» و«تسليح الأردنيين» استعداداً للدفاع عن أنفسهم وبلدهم ثم فتح المجال أمام «صداقات مرحلية وتكتيكية» مع فصائل المقاومة و«التنويع» بالعلاقات الدولية وعلى أساس القناعة التامة بأن الولايات المتحدة الحليف الأهم أصحبت «شريكة» ليمين إسرائيل بمشاريع التحريك الديمغرافي.