معالي وزير خارجية مصر.. أسمعنا صوتك لنراك

حجم الخط
0

لاحظ المهتمون بالشأن المصري الخارجي، على وجه التحديد، أن الوزير المسؤول عن مؤسسة الدبلوماسية المصرية ليس مشاركاً فعالا في ما يتعلق بالقضايا ذات الاتصال بعلاقات مصر الخارجية إلا في ما ندر.. وما ندر هذا لا يمكن اتخاذه مؤشراً لتحديد وجهة نظر هذه المؤسسة العريق،ة التي هو على رأسها في كل ما يتعلق بمسؤوليته حيال قضايا مصر مع العالم الخارجي ذات الأولوية التراتبية، كما لا يمكن أن يجعلنا على ثقة من أنه المنفذ الديناميكي لخطوات مسار هذه القضايا، كما ينص الدستور، الذي أسند لرئيس الجمهورية الإشراف عليها ووضع الخطوط العريضة للتعامل معها.
ورغم هذا النص الدستوري الوضح القاطع، لاحظ المهتمون ان المجتمع المصري بنخبه واناسه العاديين، لم يتعرفوا منذ زمن طويل على وجهة نظر وزير خارجيتهم في كل ما يتعلق بالسياسات الخارجية التى تُمليها عليه موروثات الجغرافيا والتاريخ من ناحية، وعمق تجربة فن وحرفية التعامل مع ملفات ذات طبيعية خاصة من ناحية ثانية، وما اكتسبته مدرسة الدبلوماسية المصرية ذات الأصالة المعترف بها في كل ما هو جديد من اطر مستحدثة من ناحية ثالثة. في حين أن نطق معالي الوزير وتعليقاته وتصريحاته ومواقفه المعلنة وإيحاءاته وإيماءاته، يستوجب ان يكون مطلوباً ومنتظراً، بسبب اختناقات السياسة الخارجية المصرية التي تزداد وتتراكم على مدار الساعة.
ملفات مصر الخارجية وعلاقاتها بميادين التأثير والتأثر تعددت في الأونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، سواء منها ما كان إقليميا أو عالميا أو دوليا، ومع ذلك لم نسمع منه شيئا.
حتى على مستوي الملفات ذات الحساسية الخاصة، كعلاقة مصر باسرائيل، او علاقتها بايران بكل جوانبها او الملف السوري بكل تعقيداته، لم نسمع منه شيئا.
حالة عدم سماع معالي وزير خارجية مصر ومن ثم عدم رؤيته، تكررت.. على مستوى الخلاف بين مصر والإمارات حول الخلية التي قبض عليها هناك، وعلى مستوى عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، وعلى مستوى القرض المرتقب مع البنك الدولي، كما لم نتعرف على رأي الدبلوماسية المصرية في ما يتعلق بعودة الأموال المودعة في بنوك العديد من الدول الأجنبية بأسماء عائلة رئيس الجمهورية السابق، وبعض كبار المسؤولين في نظام حكمه.. والأمثلة كثيرة، لكن ملف مياه النيل يعد حتى الآن أكثرها حضورا وتوجهاً في الساحة وأعمقها اتصالاُ بعمل مؤسسة الدبلوماسية المصرية.
على العكس، سمعنا من الدكتور عصام الحداد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية والتعاون الدولي تعليقات شتي وآراء متنوعة حيال قضايا مصر الخارجية في مجملها، وتابعنا سفرياته المتعددة إلى مواقع الحدث الخارجي منفرداً أو مع آخرين لأجل التوصل مع الأطراف الأخرى إلى رؤية متوافقة حول شأن ما ذي علاقة بملفات سياسات مصر الخارجية، وسمعناه يتحدث عن علاقات مصر الخارجية إلى وسائل الإعلام المحلية، وقرأنا له تعليقات وتحليلات تعكس رؤيته وتصوراته عبر وسائل الاتصال الاجتماعية وفي وسائل إعلام دولية حيال العديد من ملفات مصر ذات الصبغة الخارجية.
أزعم أن ملف مياه نهر النيل وما يتعلق به من علاقات خارجية مع السودان الشقيق ودول الحوض، في مقدمتها اثيوبيا وما يتصل به من معاهدات دولية وحقوق مكتسبة، شأن ذو علاقة وطيدة بمؤسسة الدبلوماسية المصرية.. شأن لا تنفع فيه فتوى مستشار رئيس الجمهورية ولا تخمينات القوى السياسية ولا تقديرات هذا التيار أو ذاك، لأنها كلها قائمة على غير أساس، مع احترامنا للجميع وتقديرنا لمجهوداتهم واستعدادهم للمشاركة في الحفاظ على مصالح مصر العليا.
أزعم ان البداية الصحيحة لهذه الأزمة كانت تتطلب من رئيس الجمهورية أن يجتمع فوراً بوزير خارجيته، المسؤول الأول عن تنفيذ رؤية الدولة المصرية في كل ما يتصل بهذا الملف، الذي تصب عنده كافة التقارير السياسية وخلاصات المصادر المعلوماتية، أيا كان مصدرها، وطاقم معاونيه لكي يتعرف منهم على أساس المشكلة وكيف تطورت وإلى أي مدى ممكن ان تتصاعد؟ ويستمع منهم ويصغي السمع .. ويدقق في كل كلمة تقال له.. وينصت بشدة إلى ما يُقدم له من مقترحات..
وأزعم أيضاً ان الرئيس إذا أراد أن يستعين بآراء من خارج المؤسسة الدبلوماسية، فعليه أن يلجأ لأهل الخبرة.. وإن رأى أن يشكل لجنة مستقلة أو متفرغة لدراسة هذه القضية على وجه التحديد وإدارتها وتقديم تقارير لحظية حول كل ما يطرأ عليها من تطورات، فعليه أن يُكونها من أهل الاختصاص والتجربة المتراكمة في هذا الحقل، سواء كانوا دبلوماسيين او أمنيين، وهم بالمناسبة كثيرون..
لذلك نقول ان سكوت معالي وزير خارجية مصر في هذه الآونة لا يبشر بخير،
لأن حديث الدكتور عصام الحداد حول ‘تبني مصر لتوجه جديد لإعادة بناء علاقتها مع اثيوبيا على مستويات متعددة الأبعاد ‘وتركيزه على مبدأ الشراكة معها في التنمية لإيجاد شبكة مصالح سياسية واقتصادية مشتركة بين البلدين’ لا يدل على دراية بأصول العلاقات الدبلوماسية، ولا بمنهجية العلاقات مع هذه الدولة الأفريقية، لأن مثل هذا المطلب يتعارض مع قدم العلاقات القائمة منذ سنوات طويلة مع أديس أبابا، كما أن خلق مصالح سياسية واقتصادية بين البلدين تقف دونه ظروف مصر الحالية في كلا الحقلين.
التعليقات والتحليلات والأفكار والمبادرات التى جرت على لسان الكثيرين في ما يتعلق بملف مياه النيل وعلاقات مصر باثيوبيا، جاءت من قبيل الحديث العام الذي يمكن أن يقال عند اصطدام علاقات مصر بأي دولة خارجية.. مثل هذه الأمور، خاصة ملفا حيويا كمياه النيل، كان يجب أن يترك برمته لوزير الخارجية وطاقمه الدبلوماسي الواعي المتعامل مع جل هذه الملفات منذ سنوات طوال، وحتى إذا أدنا النظام السابق بإهمال القارة الأفريقية ودول الحوض وملف مياه النيل بشكل أكثر تحديداً، فليس من مصلحة مصر ولا مؤسستها الدبلوماسية أن يحدد البعض مسار فض اشتباك اوراق هذا الملف عن طريق مقترحات لا تتوافر لمصر في الوقت الراهن القدرة على المشاركة فيها كمقترح اشتراط موافقتها على بناء السد قبل ان تقرر المؤسسات المالية الدولية مساهماتها في بنائه.. ومقترح ‘مشاركة إثيوبيا في مشاريعها التنموية، لأن مصر لا تملك ما يوفر مؤشرات القيام بتنمية مجتمعية داخلية كما تعكسها الشهادات الدولية والتقارير المعلوماتية.
لقد تجاوز البعض في طرحه للبدائل حقائق العلاقات الدولية في اطارها الحالي.. فليس هناك ما يجبر اثيوبيا على أن تلجأ لمصر لزراعة اراضيها الخصبة ولديها المساعدات الصينية، وليس للقطاع المصري الفرصة للمنافسة الجادة وفق المقاييس الدولية على مستوى سوق الاستثمارات في اثيوبيا، وليس لنا فضل كبير على اثيوبيا لكي نقترح عليها ان يشارك خبراؤنا في ادارة وتشغيل السد.
النقاش الذي أداره رئيس الجمهورية مع بعض من القيادات السياسية ورؤساء عدد من الأحزاب والرموز المجتمعية ، دليل على صحة ما نقول ..
فاذاعته على الهواء، وكأن القوم في ندوة حول شأن داخلي ذي مردود واحد..
وخلو الملتفين حول طاولة السجال من ممثل ذي ثقل من أبناء مدرسة الدبلوماسية المصرية..
وترك الحديث على عواهنه بلا ضابط ما بين مطالب بعمل عسكري ومقترح لنشر الشائعات..
وتباري من لا ناقة لهم ولا جمل في استحداث سبل لوقف مشروع سد النهضة الاثيوبي، حتى تحصل أديس أبابا على مباركة مصر والسودان..
وتنافس الحضور في المزايدات التى لم تعد حتى دول العالم الثالث تعترف بها..
وافتقاد خلفيات الحضور، إلا ما ندر، إلى قواعد القانون الدولي والتحكيم في المنازعات بين الدول..
وغيرها ممــــا لا يتسع له المقام .. عكس حالة من التخبط ما كان لها أن تتحول إلى مهاترات، لو ان وزير خارجية مصر تحدث وأسمعنا مع الآخرين لحديثه..
من جانبي، لا أكتفي بالقول ان أمريكا وإسرائيل تقفان وراء مشاريع الري وتوليد الكهرباء في اثيوبيا، فهذه براعة منهما أن يستغلا ظروف مصر الماضية والحالية لتدعيم مصلحتيهما..
وأضم صوتي الى الأصوات التى تنادي بأن يكون للدبلوماسية المصرية صوتها الواضح والصريح والقاطع في كافة شؤون علاقات مصر بالخارج، فهي صاحبة القول الفصل في ما يعرض على رئيس الدولة من مقترحات وبدائل وتفضيلات في كافة هذه الأمور، وهي المنوط بها تنفيذ ما يستقر عليه الرأي بالتعاون مع أجهزة الدولة الأخرى ذات الاختصاص.. لأننا لسنا في زمن التجربة والخـــــطأ في مجــال العلاقات الخارجية.. ولسنا في زمن إسكات ذوي الخبرة لكي نسمع فتاوى حديثي التخرج محدودي المواهب مشلولي الإرادات.

‘ استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية