الناصرة- “القدس العربي”:
ضمن فعالياتها السنوية لإحياء ذكرى النكبة وتعميم الرواية التاريخية الفلسطينية، تنشر منظمة “ذاكرات” الإسرائيلية صورا للمنازل العربية في القدس الغربية، التي احتلت وهُجر أهلها عام 1948، وشروحات حول أصحابها قبل تحويلهم للاجئين في كتاب فني تاريخي سبق وعرضت محتوياته في معرض فني.
ويشمل الألبوم التاريخي صور عشرات البيوت في أحياء القطمون، الطالبية، البقعة والمصرارة وهي ما زالت تبدو كالقصور لجمالها وضخامتها، التقطتها عدسة تساحي أوسترابسكي، فيما كتبت النصوص وشهادات أصحابها بقلم الباحث حاييم هنغبي.
خليل السكاكيني… الجزيرة
ويرد أسفل صورة بيت السكاكيني “في صباح الثلاثين من أبريل/ نيسان 1948 غادر خليل السكاكيني وعائلته مضطرين منزله في حي القطمون للسير في طريق اللاجئين. كان الحي كسائر أحياء القدس الغربية تفرغ من سكانه جراء القصف الصهيوني تحت رعاية الانتداب البريطاني. بعد يومين وجد خليل قسطندي السكاكيني، كاتب وباحث فلسطيني شهير، نفسه وابنتيه دمية وهالة في فندق فيكتوريا في القاهرة يصغون للمذياع وهو يخبر بسقوط حارته بيد اليهود. كان السكاكيني قبل أن يجد نفسه وأسرته في القاهرة لاجئا في السبعين من عمره عند التهجير، لكنه معروف في كل أرجاء الوطن العربي بصفته أحد مؤسسي التربية الوطنية وأول مشاريعه بناء المدرسة الدستورية عام 1909، التي اعتمدت منهجية تعليم متجددة تحرم العقاب وتلغي الوظائف البيتية والشهادات وتؤمن بالعلاقات الاجتماعية المفتوحة بين التلاميذ ومعلميهم.
وبشهادة ابنتيه دمية وهالة بنى السكاكيني منزله عام 1937 وأسماه الجزيرة، فيما دعيت غرفه صنعاء، دمشق، بغداد، قرطبة، وقد تركت داخله كافة محتوياته خاصة أعزها على قلبه كتبه كما يؤكد في مذكراته. ويصف النص من تحت الصورة كيف شتت النكبة عائلة السكاكيني، رحل خليل السكاكيني عام 1953 حزينا ومتألما ثلاثة شهور بعد رحيل نجله الشاب، سري، فدفنا في القاهرة، فيما كانت الأم توفيت قبل النكبة ودفنت في القدس، فعادت الشقيقتان دمية وهالة لما تبقى من فلسطين، إلى رام الله.
واغتنمت الابنتان الفرصة عام 1967 فقامتا برحلة الحنين لحي القطمون فوجدتاه قد تحول لحي يهودي “جونين”، فيما صار المنزل نزلا وروضة أطفال لمنظمة صهيونية. ومن هناك زارتا مكتبة الجامعة العبرية في القدس، حيث نقلت مكتبة والدهما، فاستقبلهما أمين المكتبة بأدب وقال وفق شهادتهما: “من غير الممكن استعادة أي منها، فهي كالبيوت والأراضي باتت أموالا متروكة تملكها إسرائيل”. ورفض طلبهما برؤية الكتب، ملامستها وتصفحها ووافق على عرض كتاب واحد فقط، فعرض عليهما بناء على طلبهما كتاب “البخلاء” للجاحظ.
تقول الابنتان: “سمح لنا بتصفح الكتاب وهو يمثل أمامنا وكأن لصا خطرا قبالته منتظرا إعادة الكتاب.. ولم يكن والدي يكتب اسمه على كتبه لكنه خطه كان مميزا”. ومن وقتها لم تكرر هالة ودمية رحلة البحث عن الذكريات والحنين، فزيارة واحدة كانت كافية جدا بما أثارته من مشاعر وفتحته من مواجع.
هارون الرشيد.. بيت غولدا مائير
وهناك سلسلة صور لمنزل هارون الرشيد في حي الطالبية المكون من طابقين ومبني من الحجر، وتتوسط واجهته الأقواس والقناطر، وتتقدمه حديقة كالبستان، بناه صاحبه حنا إبراهيم بشارات عام 1926.
البيت الذي سمي على اسم الخليفة العباسي حظي باهتمام بالغ، وترك كبار الفنانين الأرمن بصماتهم في أعماله الفنية حتى ذاع صيته، وبعد تهجير سكانه استوطن في الطابق الأول للبيت قاضي محكمة العدل العليا تسيفي برنزون، فيما استخدم الطابق الثاني مكتبا وزاريا ولاحقا سكنته رئيسة الوزراء غولدا مائير.
ويقول النص إنه حينما تنبهت للتسمية العربية “فيلا هارون الرشيد” محفورة في لوحة رخامية فنية مثبتة على أحد جدرانه الداخلية، أمرت بإزالتها فقام رجال الشاباك بتحطيمها بالمطارق ساعة، قبل أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة داج همرشيلد بزيارتها.
ويروي أحد سكان الحي أن صاحب البيت وصل المكان عام 1955 بعدما صار لاجئا، فقال:” دخل الحديقة وتأمل البيت بشغف ولما خرج أحد اليهود المستوطنين فيه بادره بالسؤال: هذا بيتي متى ستعيدونه لي. المستوطن اليهودي جمد بمكانه وكأن الطير على رأسه قبالة حنا بشارات صاحب البيت العائد، حتى تجمهر نفر من المستوطنين في الحي ممن رمقوه بنظرات استغراب، ثم سألوه كيف دخلت البلاد فقال: جئت بجواز سفر أمريكي وراح يتمعن بيته مجددا”.
بيت قلبيان… الكنز المفقود
أما عائلة قلبيان الأرمنية الأصل فقد هجروا من منزلهم في حي الطالبية تاركين وراءهم كل شيء تحت القصف والنيران. وينقل كاتب النص عن أحد أفراد العائلة أنه غادر وأقرباؤه البيت فيما كان يعزف البيانو فتركه مفتوحا.
ويتابع: “تخيلت أن البيانو ظل يعزف ترانيم الوداع فيما كان أصحابه قد بلغوا القدس القديمة في طريق اللجوء”. وبنى رب العائلة، طبيب معروف، البيت عام 1925 وهو عبارة عن طابقين حجريين مغطى سقفه بالقرميد الأحمر، فيما تكتظ حديقته بأشجار الزينة.
وفي عام 1967 وجد صيدلي يعمل في القدس الشرقية أحد أفراد العائلة البيت قد استوطنته عائلتان يهوديتان، فقامت مستوطنة تدعى عليزة داوس باستقباله. وعن ذلك تقول: “كان في الخمسين من عمره لكنه منفعل كالطفل وتذكر كل مغز إبرة في البيت الذي لامس جدرانه وتحسسه برفق وشوق بالغين. وقبيل رحيله أعطيته علبة خشبية مليئة بصور العائلة ولما فتحها عاينها برقة والدموع تملأ وجهه وهو يتمتم هذا هو الكنز المفقود”.
وتروي داوس أن د. فيكيان قلبيان، وهو طبيب معروف في السبعين من عمره زار البيت برفقة ابنتيه لاحقا، وقال إنه وصل للتو من فرجينيا في الولايات المتحدة حيث استقر.
وتتابع: “كشقيقه الصيدلي الذي زار البيت قبل 32 سنة من قبله، بدأ الطبيب وكأن عاصفة عاطفية قد هبت في دواخله، فتجول داخل البيت من غرفة إلى أخرى وهو يعتذر لي عن الاقتحام، فجأة دعا ابنتيه وقال: هنا المخبأ الذي درجت وأخوتي على الاختباء فيه من أمي وأبي وهو يشير ببنانه نحو مخزن خشبي صغير في ركن المنزل تحت سلم الأدراج. ركع وأخذ يسترق النظر نحو داخل المخزن فيما بدت علامات الارتباك في وجهي كريمتيه.. وفجأة لف الحزن المكان وقمت بتضييفهم بمربى مشمش من صنع بيتي أعددته من ثمار شجرة في حديقة البيت. كان الطبيب يتذوق المشمش وهو يستذكر أنه شارك والده في زرع الشجرة كسائر الأشجار… وتركتهم وعدت وبيدي هدية مغلفة بالقماش ولما فتحها سالت الدموع على خديه.. بعدما شاهد ساعة البيت التي لم ينس رنينها. بخلاف العام 1948 حينما غادرت العائلة الحي نحو القدس القديمة عن طريق المصرارة بصفر اليدين حملت هذه المرة ساعة البيت على أمل أن تساهم في جعل أوقاتهم أكثر سعادة”.
طعم السفرجل في المالحة
ويتضمن الألبوم صورة “بيت برهوم ” في حي المالحة وقبالته صاحبته معزوزة ديب سرحان، التي زارته لتجده مسكونا من قبل عائلة يهودية بعدما تحولت هي للاجئة في مخيم عايدة. الحاجة معزوزة (70 عاما) قدمت من مخيم عايدة تعتلي الجبال وتنزل السفوح بحثا عن طفولتها الضائعة في المالحة التي تحولت لحي يهودي، وملعب كرة قدم وحديقة حيوانات.
ويقول كاتب النص إن عودة الحاجة معزوزة مرتدية الزي التراثي لمسقط رأسها قد حرك فيها قوى جسدية ونفسية كبيرة، حتى أشرق وجهها وازدادت رشاقة في خطواتها وهي تعرف كل بيت وساحة وزقاق في المالحة. وفي الصورة تشير الحاجة معزوزة برفقة نجلها لبيت آخر مخاتير المالحة عبد الفتاح درويش، ولمسجد عمر بن الخطاب.
ويتابع مرافقها: “قبالة منزل عائلتها الذي يستولي عليه مستوطنون يهود أصيبت الحاجة معزوزة بالخرس.. تحوم حوله كالفراشة تتحسسه وكأنه تلامس حفيدها، وللمرة الأولى اليوم يلف الحزن معزوزة التي لا تأبه بالصعاب وهي في الواقع شعب بكامله. ولم يتردد موظفون بليدو الإحساس بتسمية الشارع المؤدي لبيت معزوزة ب”الإكسودوس” ( الهجرة من أوروبا) وهذا يعبر كيف تدحرجت كارثة اليهود على رؤوس الفلسطينيين”.
ويضيف: “بعدما لم تتمكن من دخول منزل العائلة لإغلاقه تلك الساعة، توقفت عند بيت الجيران التابع لعائلة جادو. تقدمت بضع خطوات وهي تقول: أذكر هذه الشجرة جيدا وتسارع لقطف ثمرة سفرجل تمسح الغبار عنها وتودعها في جيبها قائلة: هذا طعم تلك الأيام.. آخذها هدية لزوجي.. ربما يستنشق رائحة المالحة. وتستذكر أن سيدة حافية فستانها الأسود ممزق بحضنها طفل جريح مرت بالمالحة وهي تصرخ صباح العاشر من نيسان/أبريل 1948 منبئة عن مجزرة دير ياسين… وفي مساء ذلك اليوم بدأ عدد كبير من نساء وأطفال المالحة ينزحون نحو بيت لحم”.
ذهب الدنيا لا يعوضني بيتي
بيت البرمكي واحد من أفخم منازل القدس، استولى عليه جنود إسرائيليون وحولوه لثكنة عسكرية كونه على تخوم القدس الشرقية داخل حي المصرارة. حول البيت إلى متحف يقدم الرواية الصهيونية لمدينة القدس المحتلة. بني البيت عام 1934 على يد المهندس انطوني برمكي، أحد أشهر المهندسين المعماريين الفلسطينيين خلال الانتداب، وهُجر أصحابه لبلدة بيرزيت.
وفي النص المرافق للصور، يستذكر غابي برمكي، أن والده كان يوصيهم بالصبر والسعي من أجل العودة مهما طال الزمان.
وتابع: ” قبل أن نصل بنحو نصف كيلومتر أمر السائق بالتوقف وترجل نحو البيت كي يراه من عدة زوايا ويتحسس حالته وفور وصوله كان يعاين كل جزء فيه وبدا كأنه يداوي جراح البيت المغتصب ويحاول تخفيف معاناته”.
ورفض برمكي محاولات عرض التعويضات عليه من قبل السلطات الإسرائيلية وكان يقول: “لو فرشتم لي الدنيا ذهبا ما فرطت بحجر منه” حتى مات عام 1977، فيما انتقل حلم العودة لأبنائه وأحفاده. وتبرز في نهاية النص الملاحظة بأن إدارة المتحف راسلت الابن غابي وعرضت عليه ضمه لمجلس الإدارة فاشترط تثبيت لافتة حجرية تؤكد ملكية عائلة برمكي للمنزل.
الله ينتقم من الصهاينة والبريطانيين وخونة العرب ولا حول ولا قوة الا بالله
NO POWER CAN SPHETERIZE OUR JUSTIFICATION ….
من قصيدة قديمة لي
رجعت للدار لكن لم أحدا أحدا!
وحز في القلب اني ما وجدت غدا
اين الشروق أمني النفس مطلعه
واين بالأمس حب كان متقدا ؟
فلا الشوراع عدت اليوم اعرفها
ومات ورد على الاشراق شع ندى
وقفت والدمع ملء العين يعصف بي
هوى الى الأهل كم في البعد : كان شدا
اهكذا الدهر مر اليتم جرعني
وبالتشرد اضنى مهجتي كمدا
لما تنكر جل الناس معرفتي
وصرت امشي على الآهات متئدا
وخلت نفسي في صحراء موحشة
من الضياع…. ومما قد مشيت سدى
أدركت ان شروق الشمس في أملي
وأن صبري في ليلي الطويل:هدى
عمان 1994