معركة التغيير

حين يحاول الإنسان دخول معركة التغيير بمحض إرادته، فإن كثيرا من الممارسات الراسخة في وجدانه تراوده بين الفنية والأخرى تحاول إبقاءه على ما هو عليه، فالعبور نحو الجانب الآخر من الشاطئ مجهول، وكم يخاف الإنسان ترك المعتاد.

وسوسة النفس

يعرف هذه المعركة من خاضها، فيقدر معنى شجاعة التغلب على وسوسة النفس. وفي أيام كثيرة يقطع شوطا، ثم يقف حائرا في أرضية لا يعرف ملامحها فيهرع للخلف حيث ألف ما كان يعرفه. لذا نرى خطوات التغيير يكتنفها في أحيان كثيرة تراجع للخلف.
ليست معركة النفس وحدها التي نخوضها في سبيل التغيير، إنما علينا مواجهة الضغوط الخارجية، التي يهمها مصلحتها أولا ببقاء الوضع على ما هو عليه، وفي الغالب جهل من حولنا وخوفهم من تفوقنا.
كل ذلك يخلق موجات من الألم، والحيرة، والتشكيك فنظل نراوح مكاننا الى أن يضيق بنا المكان، وندرك أن التيار يسحبنا للخلف فنهرول مسرعين نحاول تعويض ما فاتنا. وأكبر أعداء التغيير الأوهام التي تحدثنا بها أنفسنا خوفا ورهبة من الجديد، وسموم أصحاب المصالح الذين لا يشكل التغيير سحبا للبساط من تحتهم، إنما يكشف زيف قدراتهم على التقدم.
هنا وصلنا الى نقطة مفهومية لغوية هامة، هو أن التغير بالياء المشددة تعني التحول اللاإرادي (القسري والجبري)، عكس التغيير الذي يحدث بالإرادة. القدرة على عدم الاستسلام هي الصفة التي تنقذ أي عملية تغيير. الإحباط كالوحل الطيني يجرك الى الأسفل، وكلما زادت حركتك خوفا غصت أكثر في الوحل، فما العمل؟
تعلم فن ضبط النفس كما يقول محترفو السياسة، حين تمارس الضغوطات النفسية على الدول. أما علمت أن الحرب خدعة، وأن “سن تزو” حين وضع استراتيجيات فن الحرب يقصد بها القدرة على بث الذعر في قلب العدو. فالإعداد النفسي للشعوب ووضعهم في الحالة النفسية المهيئة للتغيير، سبب أساسي للنجاح في عبور جسر العالم المتقدم.
الدول كالإنسان، لا تختلف عنه فالمجتمع مجموعة من الأفراد. وقليلة هي دول العالم الثالث التي نجحت في شق طريقها نحو مصاف العالم الأول. النمور الآسيوية خرجت من الاستعمار البريطاني والهولندي والأمريكي بعزيمة متعلمة الدرس بألم كبير.
كافحت الجهل، والفقر، والخلافات الداخلية والخارجية، وقدست العمل، فحين يسلب الإنسان ويعيش الحرمان يصبح لديه الكثير من الإصرار لإثبات العكس. لكن حين تأتي الراحة من بعد التعب والشقاء وتصل إلى حد التخمة، فهنا التقدم يحدث بالرجيم القاسي، وتغيير مفاهيم الرفاهية، والانقلاب على زيف الوجاهة الاجتماعية. هنا الألم كبير، ففي الاعتراف تغلب على الزهو بالنفس، والمعركة الكبرى في التعليم والتثقيف وصنع الإنسان. كيف للإنسان أن يتخلى عن كثير من الرواسخ الثقافية، إلا بالحفر العميق، وشق الصدر ليدخل النور.
العالم محيطات لا قرار لها، يعتقد الإنسان أنه لا تغيير يحدث من شدة السكون فيها، إلا أن الساكن والجامد يفاجأ دائما بتغيرات لا يتوقعها. دول الخليج ليست كالنمور الآسيوية، وليست كالدول العربية في شمال افريقيا، وليست كتركيا، لها نموذجها الخاص بظروفها الخاصة، إلا أن دوام الحال من المحال.
فهل ستستطيع هذه الدول الصعود من العالم الثالث إلى الأول، بحجم ما توفر لها من إمكانيات مادية واستقرار أمني، أم أن الظروف السياسية ستحول دون ذلك؟
ليس الجواب دائما لدى الحكومات، فالإنسان الخليجي له دور إن كان يعي ذلك، ولا يحاول مغالطة نفسه ولا يحاول مغالطة نفسه. وهل سيكون تغيرا قسريا بشدة الياء، أم تغييرا إراديا بياءين؟..والله من وراء القصد..

كاتبة من عمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية