الناصرة ـ “القدس العربي”:
تزامنا مع الذكرى الخامسة لـ عدوان “الجرف الصامد” واستمرار حالة التجاذب مع غزة، دعا قائد جيش الاحتلال الأسبق دان حالوتس إلى المفاوضات مع حركة حماس، فيما كشفت معطيات رسمية عن ارتفاع غير مسبوق في توجه الجنود والمدنيين الإسرائيليين لطلب المساعدات النفسية نتيجة استمرار التوتر والحالة الأمنية.
وفي تصريحات للإذاعة الإسرائيلية العامة، علل حالوتس دعوته هذه بالقول إن إستراتيجية القوة وحدها لم تكن مجدية وأن التفاوض يتم عادة مع الأعداء لا مع الأصدقاء. يشار أن جيش الاحتلال قد أعلن قبل يومين عن اكتشاف نفق جديد من غزة خلال أعمال بناء جدار جوفي عازل محيط بالقطاع، زاعما أنه بذلك قد اكتشف منذ 18 نفقا منذ حرب “الجرف الصامد”.
يذكر أن الاحتلال قد شن “الجرف الصامد” في الثامن من يوليو/تموز 2014 واستمرت 51 يوما وخسر فيها 73 جنديا وأصيب نحو 700 آخرون وقتل أربعة مدنيين، فيما استشهد مئات من الفلسطينيين معظمهم من المدنيين. وشن الاحتلال تلك الحرب التي أعقبتها جولات ومواجهات عسكرية قصيرة بعدما وجهت اتهامات لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس) بـ”خطف ثلاثة فتيان من المستوطنين”.
حرب الاستنزاف
وتحت عنوان “بعد خمس سنوات على “الجرف الصامد”، هل تذهب غزة للتسوية أم للتصعيد”، بثت القناة الإسرائيلية 13 تحقيقا يروي الرواية الإسرائيلية للحرب، ويفترض كما يبدو في العنوان أن حماس هي المسؤولة عن “حرب الاستنزاف” المستمرة. واعتبر التحقيق أن إسرائيل فازت بثلاث سنوات من الهدوء بعد “الجرف الصامد”، قبل أن تشهد المنطقة تصعيدا جديدا بدرجات متفاوتة منذ عامين. وبخلاف الرواية الرسمية، يرى التحقيق أن نتائج تلك الحرب ما زالت موضع خلاف، لافتا إلى عودة المظاهرات والاحتجاجات والطائرات والبالونات الحارقة منذ مسيرة العودة من جهة، وإلى تراجع مساحة الأرض المحروقة من 34 ألف دونم قبل عام إلى 1400 دونم هذا العام “بفضل نجاعة عمل سلطة الإطفاء”. كما يرى أن إسرائيل قررت مواجهة الحرائق بأدوات مدنية: تقليص وتوسيع مساحة الصيد وتحكم بمعبر كرم أبو سالم الذي يعتبر “صمام غزة”، لافتا إلى وجود جهات لا تستحسن هذه السياسة وتنتقدها.
الاستخفاف بالحرائق
وفي التحقيق المتلفز، يقول وزير الأمن الأسبق موشيه يعلون إن إسرائيل استخفت بإشعال الحرائق التي بدأت في ربيع 2018، رغم أن ذلك خرق للسيادة ويستدعي جباية ثمن. وتابع يعلون، الذي أشغل منصب وزير الأمن خلال عدوان “الجرف الصامد”: “لدينا قوة وإن أحسنا تشغيلها ستفهم حماس ذلك”. كما يشير ضمن تساؤلاته عن جدوى “الجرف الصامد” إلى أن المدنيين في الجانبين موجودون في حالة شكّ ولا يعرفون ماذا ينتظرهم في يومهم الجديد.
وفي سياق ذلك، قال رئيس المجلس الإقليمي “أشكول”، غادي يركوني، الذي أصيب خلال تلك الحرب جراء قذيفة من غزة: “لدينا هنا 99% جنة عدن و1% جحيم، ولكن عندما ينفجر هذا الواحد بالمائة فهو يتحول إلى 100% وهو صعب جدا”. في المقابل، يقول ضابط الأمن في مدينة “سديروت” الحدودية، كوبي هاروش، إن الحالة جيدة ولا توجد شقة واحدة فارغة، وتابع: “هذا أفضل جواب للوضع الإشكالي؛ ففي غزة هناك كثر يريدون سلاما”.
يشار إلى أن دراسة جديدة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب قد كشفت عن تراجع المناعة الاجتماعية لدى الإسرائيليين في مستوطنات “غلاف غزة” نتيجة ما وصفته بـ”حرب الاستنزاف” مع غزة. وهنا كشفت صحيفة “معاريف” عن ارتفاع حاد بعدد الإسرائيليين ممن يكابدون حالة “الكرب بعد الصدمة” نتيجة الأوضاع الأمنية، وقالت إنه منذ “الجرف الصامد” ازداد عدد المتوجهين منهم لطلب مساعدة جمعية “نيطل” للخدمات النفسية بنسبة 55%.
الكرب بعد الصدمة
وحسب معطيات “نيطل” المختصة بـ”الكرب بعد الصدمة”، فإن 40% من المصابين بالصدمات النفسية هم من الجنود الذين شاركوا في “الجرف الصامد”، والبقية من الأطفال والأهالي في “غلاف غزة”. وتتابع معاريف “نقلا عن “نيطل”: ” منذ “الجرف الصامد”، وبالذات في فترة التدهور الأمني في المنطقة المقابلة لغزة وإطلاق عدد كبير من الصواريخ الفلسطينية، بلغ عدد المصابين بحالة “الكرب بعد الصدمة” ذروة جديدة منذ خمس سنوات.
وقالت إن 2018 شهد ذروة استثنائية عندما تساوى عدد الجنود مع عدد المدنيين المتوجهين لـ” نيطل” للحصول على مساعدات نفسية من خلال خط هاتفي مع خبراء أو من خلال وحدة تمريضية ووحدة أهلية. كما كشفت أنه خلال وبعد الجولة الأخيرة من المواجهات المسلحة في مايو/أيار الماضي تلقت جمعية “نيطل” 2000 طلب للمساعدة النفسية تم معالجتها من خلال عشرات الخبراء النفسيين. ونقلت “معاريف” عن مديرة “نيطل” قولها إن الحرب تبدو للجميع قد انتهت ولكن بالنسبة للجنود ولسكان المستوطنات في “غلاف غزة” فإن الحرب تدور يوميا، وهي حرب من أجل الحفاظ على حياة اعتيادية تحمي السكان من حالة جنون”.
تهديدان جديدان
ويشير التحقيق التلفزيوني لظهور نوعين جديدين من التهديدات منذ “الجرف الصامد”: إطلاق صواريخ مضادة للدروع نحو أهداف مدنية وطائرات مسيرة صغيرة مسلحة، وبالمقابل خسرت حماس سلاح الأنفاق. وكشف التحقيق عن قيام سلطات الاحتلال ببناء جدار فوق وفي باطن الأرض بطول 66 كم، تم إنجاز 37 كم منها حتى الآن، وسينتهي العمل في 2020. ويضيف: “لكن المستوى السياسي في إسرائيل لم يتخذ قرارا بعد، وهناك إحساس بأنه غير معني بالدخول بنزاع مسلح مع غزة مثلما أنه غير معني بتسوية معها”. ويقول يركوني إن الوضع الحالي ليس صعبا لدرجة تقتضي الخروج بحرب، وهو ليس سهلا لدرجة التعايش معه، معتبرا أن إسرائيل تقف أمام معضلة.
من جهته، قال يعلون إن تحويل ميزانيات لحركة حماس لن يكون مجديا، معربا عن تأييده لتطوير بنى تحتية في القطاع.
فرية اللاشريك
يشار إلى أن إسرائيل شهدت في العام الأخير ضجة واسعة وجدلا محتدما تم خلاله توجيه انتقادات من جهات متنوعة للحكومة نتيجة فقدان إستراتيجية واضحة للتعامل مع غزة.
وتشكك بعض الأوساط، خصوصا من خريحي المؤسسة الأمنية ومن أوساط المعارضة، بإستراتيجية تكريس الخلاف بين غزة والضفة التي يتبناها رئيس حكومة الاحتلال ويستخدمها للتهرب من تسوية الصراع. وترى هذه الأوساط أن التعامل مع حماس والقطيعة مع عباس ستعود كيدا مرتدا على إسرائيل لأن هذه الإستراتيجية ستفضي إلى نسف احتمالات تسوية الدولتين، وتدخل إسرائيل في دائرة الدولة الواحدة على الأرض، مما يعني بداية تحولها إلى دولة عربية. ومن بين هذه الأصوات رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك، رغم أنه سبق وعلل عدم تسوية الصراع بعدم وجود شريك فلسطيني، وفي المدة الأخيرة يبدي مؤشرات على تراجعه عن فرية اللاشريك، متبنيا تحذيرات وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني التي تتهم نتنياهو بقيادة إسرائيل نحو الهاوية، وهذا ما يرفضه الحزب الحاكم “الليكود”.